أصدقاء الزمن الجميل


لم يعد هناك زمن جميل ولم يعد في الغالب اصدقاء بنفس الصفاء والصدق إلاّ ما رحم ربّي في هذا الزمن الرديئ وحيث ان الزمان هبة ليس عليه تغيير حيث انّه ثابت حسب ما خطّط له صانع الأكوان منذ قديم الأزمان وقال تعالى في سورة يس {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ.وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ.لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ الْلَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}صدق الله العظيم , ولكنني اتحدّث عن الظروف والبشر اللذين نعيش معهم وهم سبب التغيير نحو الأسوء .
وقد فوجئت قبل أيّام بوجود صفحة على الإنترنت تحت اسم ملتقى اصحاب حلب القدامى ولو ان لي احتجاجا على كلمة القدامى لأنها يجب ان لا تعود على الصداقة بحكم انها مستمرة مع انني ادرك ان المؤسّسين قصدوا اصدقاء منذ زمن طويل .
وعادة تكون هناك ثلاثة ركائز للذكريات مرتبطة بالأشخاص والزمان والمكان أما الأشخاص فنحن الطلاّب الدارسين حينها في جامعة حلب بشمال سوريا واما الزمان فهو السبعينات من القرن الماضي بهدف الحصول على الشهادة الجامعيّة وكنّا من مختلف البلدان العربيّة ومن مختلف المشارب السياسية والمذهبيّة وامّا المكان فهو مدينة حلب الجميلة التي وهبها الله من الميزات التي لم تكن في المدن الأخرى حيث التعدّدية الملحوظة في السكّان فهناك الأرمن والشركس والتركمان والعرب والأكراد والبدو والحضر واللاجئون والسنّة والشيعة والأشوريّون وغيرهم الكثير من الملل والأجناس وهناك نهرها قويق الجاف غالبا ومزارع الفستق الحلبي حولها إضافة لجمال صباياها وجنون طقسها احيانا .
تلك كانت ايّام جميلة اجور المنازل بداية كانت رخيصة وكذلك تكاليف الأعراس واسعار الخضار واللحم وقطع غيار السيارات اي ان الحياة كانت قليلة التكاليف كما هي الرسوم الجامعيّة بشكل رمزي وفي الغالب مجّانا لطلاّب القبول الإستثنائي كما ان الأمن والآمان مضمون حتى ان الحراس الليليّين يجوبون الحارات يحملون عصي فقط وكانو لإثبات وجود الدولة وتشغيل بعض المتقاعدين فقط وكانت الحياة فيها مستمرّة حتّى الفجر حين تبدأ الطراطير (الفزبا) بثلاث عجلات الحركة في الشوارع لنقل الخضار ومباشرة العمل.
كان الطلاّب حينها مقسّمون لثلاث فئات العدد الأقل من هم ينتبهون لدراستهم الجامعيّة طوال العام والفئة الثانية من كانوا يهتمون بايجاد حبيبة لهم طوال العام وهؤلاء كانوا مشغولين دوما امّا الفئة الثالثة وكان عددهم الأكبر فهم المسيّسون وكانوا عدّة فئات ومنهم من كانوا تحت جناح الدولة والحزب بأجر او بغير أجر وهم في الغالب مسيطرون على التجمعات الطلابية والكليات الجامعية وكانوا سوريّون ومن دول عربيّة اخرى ومن بين هؤلاء من هم صادقون بانتمائهم وولائهم للحزب ومنهم من هم نصيرون فقط حيث انهم مقبولون بموافقة الحزب او مخادعون يرتبطون مع مخابرات بلدانهم سواء بأجر او بدون أجر وكان عددهم لا بأس به والفئة الثانية كانوا مرتبطون بفصائل ومنظمات اخرى خاصّة الأردنيّون والفلسطينيّون منهم وخاصّة ممن قبلوا بشكل استثنائي وليس بالتنافس حسب معدّلاتهم الدراسيّة .
وكان المدّ السياسي في أوجه حينها خاصّة في المنطقة خاصّة في الأردن وسوريا ولبنان إضافة لتعدّد الفصائل الفلسطينية واهمّها فتح والصاعقة والجبهة الشعبية والديموقراطيّة لتحير فلسطين والجبهة العربية والإخوان وغيرهم من فصائل تجد من الطلبة سوقا خصبا لتمرير برامجها وافكارها وكسب مناصرين وعناصر جددا ينضمّون اليها .
لذلك كانت الدراسة صعبة بوجه عام لإنشغال الكثير من الطلبة بأمور غير دراسيّة ومن تدعي له أمّه لا يتأخر بالتخرّج .
وكانت المودّة والمحبّة في الغالب تجمع الطلاّب في نشاطات إجتماعيّة عديدة وحيث ان المادّة والمال كانت بعيدة عن تلك العلاقات فكان الصدق والدفأ في العلاقات هو الأبرز .
كم شعرت بالتأثر حين شاركت بذلك الملتقى وكم قدّرت لأولئك الشباب الطيّبون القائمون عليه ولو أن جيلنا تعدّى الستّين من عمره إلاّ انني امنّي نفسي واصدقائي بأننا ما زلنا من فئة الشباب بحمد الله وقادرون على العطاء حتّى الآن وكم ضايقني اننا فقدنا الكثير من زملائنا على مرّ السنين ومنهم من قضى سريعا بعد التخرّج ومنهم من عارك الحياة وكوّن اسرة وأسّس عملا ومنهم من استلم منصبا هامّا في بلده وهكذا هي الحياة تجمع وتفرِّق والأجمل ان تجمع على الحب وتفرّق على الحب سواء فوق الارض او تحت التراب .
ولكن الذي يجمعنا إضافة لحب الخير لبعضنا هو حزننا الشديد على ما تمر به البلد الذي تعلمنا فيها الصداقة والحب والعلم وكم نتأثّر عندما نرى مكانا لنا فيه ذكرى يتعرّض لخطر او دمار او تخريب ونرفع ايدينا للسماء ندعوا للفرج القريب لحلب وسوريا والمقيمين فيها لتعود سوريا الجمال والخضار والوجه الحسن وتعود حلب الحضارة والتعدّدية والمحبّة والفستق الحلبي .
أحمد محمود سعيد




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات