"بلاد الشام وأحداث جسام" - محاضرة


جراسا -

بدعوة كريمة من جمعية العلوم والثقافة, ألقى الدكتور محمود الحموري/ أستاذ الكيمياء التحليلية في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية/ اربد, محاضرة في موقع الجمعية/ عمان, في الساعة السادسة والنصف من مساء يوم الأربعاء, الموافق بتاريخ 12/11/ 2014, بعنوان:

"بلاد الشام وأحداث جسام"

وتاليا هو نص المحاضرة:

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما يكون الحديث عن الأوطان وعن بلادنا بلاد الشام و غرتها الأردن, يكون الحديث بوحا" وليس محاضرة بالمعنى التقليدي للمحاضرات, وعندما يكون الحضور بهذا البهاء وهذا السمو الفكري والثقافي يكون الكلام تبادل فكر معكم, لا محاضرة عليكم.

واسمحوا لي أن أبتدئ حديثي إليكم عن بلادنا, بلاد الشام, درة الأوطان, وشامة الله في الأرض, تقدست بأبنائها وأنهارها وترابها, تلك الأرض المباركة بعبق النبوة, وهي الأرض التي ولد فيها, وأقام فيها, أو مر عليها أهل العزم من الرسل, والأنبياء والأولياء, ولأتقياء الأطهار من عباد الله, وترعرعت فيها السلالات المصطفات الطاهرة المجيدة من آل إبراهيم وآل عمران وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.

وقد حدثنا رسولنا الكريم عن الشام وعلمائها وجندها وقدسية أرضها وفضلها, ولعلكم تعلمون أكثر مما اعلم بأن الشام هي ارض المحشر والمنشر, ولا أزيد في هذا الجانب الروحاني أكثر مما تحدثت به الأحاديث الشريفة الغراء, الذي تعلمونها وتحفظون.

السيدات والسادة:

تدور الآن على ارض سوريا الشام, أحداث جسام, فمن فينا في هذه القاعة يعلم علم اليقين ماذا يدور وماذا يخطط ويحاك للإقليم بدا" بالشام ! أنتم على علم بالأخبار والتقارير المنشورة من مراكز الدراسات على نوافذ الإعلام, وتطلعون كل لحظة على تواتر المعلومات, وآخرها, ما نقل عن مخاضرة لمخائيل غورباتشوف في برلين, يوم الجمعة الماضي, على هامش الأحتفالات الخامسة والعشرين لسقوط جدار برلين, حيث قال: إن الحرب الباردة قد بدأت من ارض سوريا والعراق, وأضاف أن هذه الأحداث الرهنة هي جلب لمنافع الغرب لتوسيع نطاق حلف شمال الأطلسي حتى يشمل سوريا والعراق وليبيا, ومد نطاق الدرع الصاروخية لحلف الناتو فيها.

وتقرير آخر لمركز الدراسات التابع لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق, هنري كيسنجر, في حقبة السبعينيات من القرن الماضي, وقد أصدره المركز قبل أيام, يقول فيه: أن بوادر الحرب العالمية الثالثة قد بدأت من ارض سوريا, وسوف تقوم إسرائيل بضرب المنشآت النووية في إيران, وسترد الصين على الضربة, وعندها تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية لحماية إسرائيل, ويتكون بعدها تحالف دولي ما بين روسيا والصين وإيران ودول اخرى,في مقابل حلف آخر تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ودول من أوروبا وإسرائيل ودول أخرى من إقليمنا الشرق أوسطي والعالم, وستكون الحرب مدمرة, ويفنى الكثير من البشر. ويضيف التقرير, أن الولايات المتحدة ومن يحالفها سوف ينتصروا في نهاية الأمر, وستنشئ دولة واحدة على كوكب الأرض, تحكم بالقانون, انتهى الاقتباس. إن هكذا تقرير من مركز إستراتيجي كبير يرأسه شخصية بحجم كيسنجر هي نوايا للقتل الجماعي والدمار, بدم بارد في بلادنا, واستخفاف بمصائر شعوبنا وأوطاننا, وهو لعب على المكشوف من قوى قادرة اقتصاديا وعسكريا !

أما جون ماكين, عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الجمهوري, والمرشح السابق الخاسر في الإنتخابات الرئاسية السابقة أمام الرئيس باراك أوباما, فقد صرح لوكالة CNN يقول: أن الحرب التي تخوضها امريكا والتحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق والشام لا تسير كما هو مطلوب, وأضاف, داعش تنتصر على الأقل في نظر المتطرفين الأصغر سنا" في الشرق الأوسط. وتابع يقول, أن ما يحصل من إنخراط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يذكرني بحرب فيتنام, ويقول جون ماكين, وهو أكبر المعارضين للسياسة الخارجية لإدارة أوباما, إن خطة الإدارة الأمريكية الحالية لن توصل للأهداف التي ننشدها والتي تسعى لهزم المجموعات الإرهابية, لافتا" الى أن الحاجة تتطلب زج المزيد من المتدربين وعناصر القوات الخاصة الأمريكية, انتهى الإقتباس.
السيدات والسادة:

في ظني أن الأمريكان لا يعرفون الشام كما يعرفها التاريخ, ولا يعترفون إلا بالقوة المادية والعسكرية, ولا يتفهمون السياسة كما فهمها الإنجليز, قبل عقود خلت ! ولعلي أعود إلى تصريح لأنتوني إيدن, رئيس وزراء بريطانيا في عام 1956, بعد تأميم قناة السويس, وسيطرة مصر عليها, ما أدى إلى العدوان الثلاثي على مصر, ومن ثم احتلال القناة من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل, وقصف مدن القناة والقاهرة وقصف وإسكات إذاعة صوت العرب ذّائعة الصيت في تلك الحقبة. وفي غمرة تلك الأحداث, أعلنت الإذاعة السورية, هنا صوت العرب من دمشق, بينما كانت الشوارع في المدن العربية تغص بالمتظاهرين في دمشق وحلب وحمص وبيروت والقدس ونابلس وعمان واربد وغيرها من مدائن الشام, والمدن العربية تأييدا لمصر في التأميم, وحقها بسيادتها على ترابها الوطني, عندها صرح أنتوني إيدن تصريحه الشهير, لا توقظوا الشام, اتركوها نائمة, ولا تفتحوا علينا أبواب جهنم ! وقال كذلك، مصر يمكن احتوائها والتعامل مع ملفاتها, أما ذلك الكولونيل, وهو يقصد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فسوف اخنقه بيدي. وقال كذلك, الشام مكمن للخطر على العالم، وأضاف, بأن الطريق إلى دمشق وعر وصعب المسالك, فبحق الآلة لا تفتحوا علينا عش الدبابير, انتهى الاقتباس ! لقد كان أنتوني إيدن قارئ للتاريخ والموروث الديني ومكانة سورية الطبيعية فيه, أو كما نحب أن نسميها بلاد الشام.

أما في اللاهوت الديني للأديان السماوية الثلاث، الإسلامية والمسيحية واليهودية، فللمواقع والمسميات التالية - وكلها في بلاد الشام- بعد ديني كهنوتي له علاقة بمصير العالم، مثل القدس, الغوطة، دمشق، الجولان، بحيرة طبريا، الجليل، شرق نهر الأردن، وغرب النهر، قتال اليهود, الحجر والشجر, المهدي المنتظر، الإمام الغائب، السيد المسيح، الهرج، الطير، اليهود، المسجد الأقصى، باب لد، قوى الغرب، أعلام الشرق السوداء، معركة هيرمجدون، الأعور الدجال، الملحمةالكبرى. كل هذا وغيره قراءه إيدن, ونحن كذلك, سمعنا به ونحفظه عن ظهر قلب, بعد أن تحدث به الشيوخ من على المنابر، ووثقه علماء الدين, ونصوصه مكتوبة كموروث ديني في مراجع كثيرة, محفوظة بالمكتبات بكل اللغات هنا وهناك, وتلك ثقافة أجيال وهي مستقرة في المعتقد والوجدان.
السيدات والسادة الكرام:

في هذه الأيام يختلط العقل بالهرطقة، والحليم يصبح حيران, بسبب تسارع الأحداث في سوريا وبلاد الشام والعراق ! فهل يعقل أن قوى الغرب بكل إمكانياتها الحربية والتكنولوجية ووسائل اتصالاتها وطائراتها, بطيارين وبدون طيارين, وصواريخ ذكية موجهة بالليزر وتحالف أكثر من خمسين دولة عربية وإقليمية, وغربية عظمى غير قادر على وقف زحف فصيل مسلح كداعش، متهم بالتطرف, وموسوم بالإرهاب، وليس له اذرع إعلامية نافذة، من الانتشار السريع ليسيطر على مساحة تقدر بأنها اكبر من مساحة بريطانيا وتساوي, ثلاثة أضعاف مساحة الأردن, في كل من سوريا والعراق, ولا على شل قدرته في حصار واحتلال بلدة عين العرب, كوباني في شمال سوريا.

حقا إنها خلطة مصالح عجيبة، قد يتم بموجبها خلط الإقليم برمته، في الهلال الخصيب ومصر وجزيرة العرب، وشمال إفريقيا العربي، وتركيا, وقريبا إيران مع منظمات دعمت ماليا وتسليحا، وإداريا وتم شيطنتها, بتصوير تفاصيل إرهابها, الذي ينشر بالصورة, ويسرب على اليوتيوب, بشكل متقن مخيف ومرعب ! ليصار إلى زج دولنا عنوة في تحالف دولي, من خلال معادلة مجحفة, وهي "أما أن تكون معي أو مع الإرهاب" لتشن حرب ضروس, على أرض سوريا والعراق, وتدخلنا في عنق زجاجة, تقحم في جهاز طرد مركزي فائق السرعة والدوران, حتى يدوخ الجميع في بلادنا وربما في أوروبا القارة العجوز, توطئة لإعادة الفرز والتقسيم بمعادلات جديدة تروق للسيد الأمريكي والصهيوني ! حقا إنها معالم وشواهد على حقبة تائهة، سوف نخسر بها كل شيء من انجازاتنا، وثروتنا وبترول المنطقة برمته. وقد تحتل أرضنا بعد سلب إرادتنا لنصبح بين قطبي رحى, قطب القوى الغربية ومصالحها من جهة، وقطب الإرهاب والتطرف الديني المذهبي والعرقي من جهة أخرى !

يا قادة الأمة ويا ولاة الأمور،يا علماء الأمة ويا أعيان الأمة, الأمة ليست بخير، والواقع ينبئ بشر مستطير، وسنخسر جميعا، فلا تجعلونا كزبد البحر، نحن فينا من يفكر وفينا من يحذر، وفينا من يعد الخطط، وفينا من لديه القدرة على فهم الغرب وتحليل معادلاته لرأب الصدع. الغرب له أطماع وهو من ينشر الإرهاب والظلم على أرضنا وهو من سلب فلسطين ودمر العراق الدولة التي كانت ناجحة, ومكر لسوريا الدولة والشعب الذي أتقن الزراعة والتجارة.

الغرب سيطيح بالإقليم برمته, وسيتركنا لا لحما ولا وضما, كما قال الشاعر ألجواهري في رائعته الخالدة الباكية, جروح فلسطين, التي كانت مقررة لجيلنا في مدارسنا. أما قصيدة جروح فلسطين، لشاعر العراق العروبي, محمد مهدي ألجواهري, فقد تذكرتها في غمرة ما يجري في العراق والشام الحبيبتين، والإقليم برمته، حيث خلد لنا الشاعر النبيه تسلسل قراءته للتاريخ المعاصر بكل دقة وتبصر... حيث كتب شعرا"
--------------------------------------------------------------------------------
فاضت جروح فلسطين مذكرة.......
جرحا بأندلس للان ما التأما...........
يا امة غرها الإقبال ناسية.............
إن الزمان طوى من قبلها أمما.......
كانت كحالمة حتى إذا انتبهت........
عضت نواجذها من حرقة ندما........
سيلحقون فلسطين بأندلس..........
ويعطفون عليها البيت والحرما........
ويسلبونك بغداد وجلقة.................
ويتركونك لا لحما ولا وضما.............
يا امة لخصوم ضدها احتكمت.........
كيف ارتضيت خصيما ظالما حكما....
بالمدفع استشهدي إن كنت ناطقة...
أو رمت أن تسمعي من يشتكى الصمما..
سلى الحوادث والتاريخ هل عرفا............
حقا ورأيا بغير القوة احترما.....................
لا تطلبي من يد الجبار مرحمة................
ضعي على الهامة الجبارة القدما.
................................................

الحضور الكريم, السيدات والسادة:

في هذه المرحلة الخطيرة جدا من حياتنا كأمة, أود أن أشير إلى ما يلي:-

1. في خطابنا العربي: الخطاب العربي متخلف برمته عن الأحداث التي تعصف بمصائر شعوبنا, وبالأرض والأجواء والبيئة, حيث تفتقر الأمة في هذه المرحلة إلى قادة تاريخيين, وعلماء, غير مرعوبين, بمستوى الأحداث الكبيرة الراهنة, التي تغلي, وقد تهز الأرض هزا" من تحتنا, كما هو حاصل في لبنان, وبر الشام, سيناء المصرية حاليا, ومستمر بكل غلواء وعنف على ارض سوريا والعراق.

2. في الإعلام الرسمي العربي, الإعلام العربي بما فيه الأردني ناقل للخبر, وينقل لنا ما تريد ماكينة الغرب الإعلامية أن نسمعه ! وما نسمعه محبط للجيل ولا يمنحه بارقة أمل في التوجه نحو مستقبل واعد, ولا ينمي العزة الشخصية ولا الوطنية لجيل الشاب المحبط. في حين يتلقف هذا الجيل, بكل رشاقة, الأخبار الواردة من وكالات أجنية, ويشبعها تناقلا وتعليقا قبل أن تصدر من وكالات أنباء أردنية أو عربية !

3. في الخطاب الديني: الخطاب الديني في الوعظ والإرشاد خشبي مستهلك, ويتحدث بما يعرفه الناس ويحفظونه, وهو مكرر منذ طفولتنا, ولا جديد, وخطب بعض مشايخنا في واد عميق, يشوبه التكفير والتباعد, ولا يقرب أبناء المجتمع من بعضهم, وهو مثير طائفيا وعرقيا.


4. السياسة في بلداننا, خائفة مرتعشة, وأغلب الناس على يقين بأنها رهن بما تريده قوى الغرب, ويملى علينا إصطفافات في مؤتمرات وتوافقات دولية, بحيث أننا لا نعرف كمواطنين ومتخصصين وربما خبراء من هي داعش, وما هي داعش ! وكيف تأسست, ومن يحمي استمرارها, ويزودها بالسلاح والعتاد ويضمن انتشارها السريع, ويعطي الفرصة لدولتها المعلنة للخلافة في الموصل وباقي محافظات العراق ومحافظات شمال وغرب سوريا, ولا أدل من ذلك إلا مسرحية بلدة عين العرب كوباني, "بلدة رعاة الأغنام" وعدد سكانها لا يتجاوز عدد سكان الرمثا أو النعيمة وبيت راس مثلا", حيث وما زالت تشكل في الخبر اليومي لأكثر من خمسين يوما حتى الآن أهم الأحداث العسكرية في الراهن من هذه الأيام, برغم قصف الطيران وكل آلة الغرب وتحالف أكثر من خمسين دولة في العالم, علاوة على تجميع قوى الأكراد في العراق وسوريا وغيرهما. حقا" إنها حقبة تائهة عجيبة, فهل يحارب الغرب والعرب والتحالف الدولي الأشباح في كوباني, كما في روايات وأفلام ألفرد هتشكوك, لأجاثا كريستي ! أم أن ما يحدث هو مقدمة للحرب البرية, التي قد يكون أتونها على الأرض العربية وهل سيشارك فيها جيشنا العربي الأردني.

والسؤال الذي بهمنا هل الحرب البرية قادمة ؟


يبدو لي وغيري أن الحرب البرية على ما يسمى داعش وأخواتها, وكذا الإرهاب قادمة في مرحلة ما، وسيكون لجيشنا العربي دور, وربما راس حربة في الحرب البرية، بعد أن نفذ بنك الأهداف للضربات الجوية للتحالف الدولي,

وعليه, أرى انه لا مصلحة لنا في الأردن في تلك الحرب وذلك للأسباب التالية:

1. جبهتنا الداخلية غير جاهزة لهكذا حرب، حيث لا يتفق كثيرا من شرائح المجتمع الأردني على مخرجاتها ولا تصب في تحسين مستقبل الفرد الأردني المنهمك بتوفير قوت عياله وتدبر أمره.
2. الحرب مكمن خطر امني وجغرافي وديمغرافي على بلد الأمن والأمان كما يحلو للبعض تسميته في ظل ربيع عربي متزايد لم يتوقف بعد.

3. مشاركتنا في الحرب سوف تحرك خلايا نائمة في الداخل الأردني, وسوف تحرك كذلك أصحاب المطالب المنقوصة, بسبب إحساسهم بعدم تساوي الفرص, وعدم تطبيق مبدأ المواطنة كما ينبغي لها حسب مقاييسهم, لنصبح في الأردن, كمن يجلب الدب إلى كرمه !

4. أغلب الناس على يقين, أن الحرب هي مصلحة قوى كبرى ونحن غير جاهزون لها، ولا نريد الزج بجيشنا الوطني لتلك المغامرة غير المحسوبة على المستوى الأردني.

5. إسرائيل تغير قواعد اللعبة في القدس والمسجد الأقصى ولا احد من العرب سيساعد الموقف الأردني عمليا إذا تجاوزت إسرائيل الحدود, مثلما هددنا بالحرب وزير سابق إسرائيلي, بمثل حرب حزيران ! فالجيش العربي هو رصيدنا الإسترتيجي, وهو الجيش الذي يمتلك العقيدة القتالية كما شعبنا, والتعبئة اللازمة لحماية الحدود لو تطلب الأمر مع عدو لايعترف بمواثيق.

6. هناك قوى إقليمية لها أجندات ومطالب وتطلب الدعم وتحصل عليه، وتفرض شروطها ويستجاب لها، وتحدد مواقفها بتناغم مع مستجدات الخبر وقوة تنظيم داعش على الأرض، وتمددها السريع في سوريا والعراق، في حين نحن نحاسب على كل دينار يدفع لنا بغرض إيواء اللاجئين السوريين وغير السوريين على التراب الأردني.

7. قوة التنظيم والمنظمات الموسومة بالإرهاب أصبحت كما الشبح، تهزم جيوش عربية, ولم يوقفها قصف القوى الجوية للتحالف برغم قدرته الفائقة، والتي تقوده الدولة العظمى أمريكا بكل خبرتها وتعدد وسائلها القتالية ومتانة اقتصادها.

8. الحرب البرية القادمة طويلة الأمد, وهي حرب طائفية بكل أبعادها على الأرض العراقية والسورية ونحن ليس لدينا في الأردن مثل هذه الفوبيا على مساحة بلدنا الصغير, ولا في تفاصيل تاريخه السياسي، والذي أتقن سياسة النأي بالنفس أثناء أزمة خطيرة سابقة, وهي احتلال الكويت من قبل العراق, ومن ثم إخراج القوات العراقية منه بالقوة, بتحالف مشابه، وهي السياسة التي حافظت على الانسجام ما بين الشعب والقيادة.

9. الحرب قد تكون إحراج للقيادة السياسية في بلدنا بفعل الضغط الكبير الممارس عليه في المحافل الدولية، في غياب دور فاعل لمجلس النواب وللمعارضة الحزبية والشعبية المؤطرة التي قد تساند القيادة في تبلور رأي عام تتكئ عليه, في شأن الحرب التي قد تكون وشيكة.
10. أين هي خطط الحكومة الرشيدة والسلطة التنفيذية في التحضير لهكذا ظرف, ونحن ترهقنا شتوية الزيتون, أو ثلجه كانون, وما خططها في التعبئة المعنوية, ودورها في إعداد فلسفة الخبر الذي نسمعه من الخارج وتنقله لنا كما نسمعه لا بل ونسمع أكثر مما تسمعه عن دور الأردن في حرب برية قادمة، كما أوحي لنا وزيرنا للتنمية السياسية.
11. هل سنستمر كمركز ومهبط في إستقبال وإيواء المزيد من اللاجئين في بلدنا التي تغص مدنه وقراه وشوارعه وأسواقه ومدارسه وجامعاته وميادينه ومواصلاته بما يزيد عن ١٣ مليون نسمة, حسب بعض الإحصائيات التي ترد لنا تباعا ونحن لا نستطيع إلا أن نقول هل من مزيد !
لهذه الأسباب وغيرها يعرفها غيري، لا أوصي كمواطن يعيش المرحلة ويرقب الخبر بكل تجلياته أن نذهب لزج الجيش العربي الأردني في حرب برية غير محسوبة العواقب، والله من وراء القصد !

الأردن والإقليم والعالم:

1. تتراوح حدود الأردن الجغرافية ما بين عدو لدود, وهي إسرائيل التي تحتل كامل فلسطين, وبين صديق لدود, من أشقاء أغنياء لا يسمحوا لنا بزيارتهم إلا بموجب فيزا, بما فيه الحج والعمرة, وأرض السواد العراق, مخضبة بالدماء, بعد أن نقضت الحرب الطائفية غزلها, وسوريا التي نقض غزلها بمنظمات للإرهاب وجيوش مصطنعة ومدعومة على مساحتها. أما واقعنا الاقتصادي فهو معلوم لأشقائنا الأغنياء في الخليج, وفاتورتنا نفطية معلنة لهم ولغيرهم في موازنة الدولة الأردنية, وحاجتنا للطاقة معروفة ولا احد يقدم لنا شروى نقير من المساعدات في هذا الجانب, وهم في وفرة نفطية ومالية تغدق في كل نواحي الأرض, ولا يصلنا منها شيء إلا بموجب التزامات أو شروط, علينا الاتفاق معهم عليها, وبعضها قد يعرض أمننا للخطر ويخدش حيائنا, بسبب كثرة الإلحاح ! والى جانبنا أيضا دول مجاورة صدرت وتصدر لنا لاجئين ومواطنين فقراء, وربما يكون بينهم خلايا نائمة.

2. نحن في الأردن لدينا مدارس وقوالب سلفية وفكر تكفيري, فكره متطرف غريب عن مجتمعنا وله أبعاد في شحن أناس في المجتمع بطائفية وعنصرية بغيظة, لم نتعود عليها ولم تكن مألوفة لدينا, ولا هي من تراثنا. ولدينا أثرياء عرب يقيمون في بلادنا بموجب تسهيلات سابقة منحتهم حق الاتجار والامتلاك, وتأسيس شركات إقليمية وعالمية عابرة للقارات, مع العلم أن لدينا بنية تحتية ضعيفة ومهترئه, ويوجد في بلدنا نسبيا, اكبر عدد من اللاجئين بين دول العالم, ومصادر مياهنا محدودة, فهل يكون وضعنا الاقتصادي سبب في دخولنا تحالفات دولية غير آمنة, قد تشن حروبا برية وجوية تستمر لعقود ضد أشباح وليس لنا فيها قرار سيادي.
3. أما غربنا وشمالنا الغربي فهنالك إسرائيل في كل فلسطين المحتلة والجولان وتقع غربنا من البحر إلى النهر, شئنا أم أبينا, تصنع ما تريد على الأرض, وتتصرف بعربدة بحق المقدسات وتضطهد العاملين في الأوقاف الأردنية في القدس, وتتقدم للكنيست بمشروع تطلب بموجبه إلغاء التفويض الديني الهاشمي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ونحن نتوعدها باتخاذ إجراءات رادعة ونشير إلى إعادة النظر باتفاقيات وادي عربة, ولا نستطيع لغاية الآن الطلب من الولايات المتحدة بلجم إسرائيل في هذا الجانب, فهل هذا معقول !

واسمحوا لي أن أقول في هذا المقام كلمات في القدس:

القدس،
تقدست تربتها بالأنبياء وبالأولياء وعباد الله الأطهار، حكمها الأقوياء ومن ملك إعمارها، وإدامة عزها. مهرتها دماء الشهداء، ولن تكون ملكا للضعفاء، القدس ليست بالتمني وليست منحة من احد لأحد ! القدس تدور مع التاريخ, ودورة الزمان وهي لغز ألاهي معجز، وراء الظواهر، تاريخها عجيب بين البلدان والأمصار. والقدس ليست أغنية فيروزية كما يغنيها العرب ولكنها قدس الأقداس تحت الأرض وفوق الأرض، تباركت وتبارك حولها, وسما معراجها إلى السماء. ولعل اليهود يدركون ما لا يدركه العرب والمسلمين وهو، من يمتلك القدس يملك "صرة" الأرض بالمكان، ويملك الزمان، ونحن أشبعنا القدس شعرا ونثرا بقوافي الإذاعات وطبول الموسيقات. القدس قدسنا نعم، ولكن تكون لنا عندما نمتلك الحرارة الوطنية والدينية والإنسانية التي توصلنا لأسوارها، مكللين بالغار، وليس بالعار الماثل بين ظهرانينا من فساد إدارات مالية وإدارية، وقلة عطف واحترام بين كبيرنا وصغيرنا, وإلى تكفير من على المنابر, ومشاحنات طائفية وعرقية وذبح على الهوية !
فالهوان والثبور كتب على امة بصنيعها، وهي تمتلك من الثروة والطاقة المادية من غاز وبترول مرتهن, وارض مستباحة, وقوى بشرية محبطة، وعقول لا تستخدم أحيانا إلا في الحذلقة، وفي الشقاق والنفاق والتمني والتغني بالماضي الذي انقضى ولن يعود. امة تذبح معنويا وماديا من الوريد إلى الوريد وهي تسعى لتفاهمات مذلة مع أعدائها, لن يكتب لها الفلاح، وهي تحبط جيلها الشاب بسبب عدم تكافئ الفرص أمامه، وهو جيل بديع قوي يمتلك ناصية المعرفة والتكنوجيا الرقمية والمعلوماتية العصرية, ما لم تمتلكه أجيال في غير مكان، ويعيش الخبر ويسعى لملئ فراغه على المقاهي، والشوارع حتى الصباح، بسبب عدم توفر البدائل !
هذا الجيل له دين في رقاب أولياء الأمور وأصحاب الولايات العامة ! وأصحاب الولايات من خوفهم على مكتسباتهم وكراسيهم تائهون معمهون، لا يلوون إلا على سراب ! امة اختارت أن تحارب الأشباح في عين العرب كوباني، ولا تنظر للقدس كأولوية قبل كل القضايا الجانبية، هي امة إلى انحدار بعد انحدار. امة لا تعترف أن فيها رأي آخر، يفكر ويقترح الحلول والبدائل وفيها من يرأب الصدع وفيها من يخطط ولا تلتفت إلى نصائح وأطروحات المخلصين من أبنائها. امة تستمرىء المديح لحكامها ومدرائها, ولا تقدر علم علمائها وخبرائها, ولا تضع الأولويات على مقياسها بتدرج، هي امة لن تفوز بالقدس ولن تصلى بالأقصى بعزة وخشوع، ولكنها سوف تهوي بنفسها من خنوع إلى خنوع.

أما الآن فالفرصة سانحة كي يتحلل الأعراب من التزاماتهم مع الغرب ويعيدوا صياغتها، إن أرادوا، ويقولوا قولا واحدا، القدس أولا والدولة الفلسطينية ثانيا ومن ثم نحارب معكم الإرهاب، وهذا بديل يحتاج إلى قادة تاريخيين عظام, فهل هذا ممكن في هذه الأيام الحبلى بالأحداث الجسام على ارض فلسطين وبلاد الشام وسواد ارض العراق وكل الأرض العربية والبحار من حولها !

وأخيرا بعد الذي قلته لكم أيتها السيدات وأيها السادة, عندي مساحة للتفاؤل يشوبها سر من الماضي التليد وفيه كلمات للأمل, لأقول:-

عودتنا بلادنا, بلاد الشام أن تتطهر وتقهر الأعداء, وهذا ما يجعلنا نتفاءل في هذه البلاد, فلقد دحرت هذه البلاد جيش المغول, وقد أسلم المغول في الشام بعد أن دمروا عاصمة الخلافة وعاصمة الرشيد, بغداد. وتم دحر الصليبيين على ارض بلاد الشام بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي, بعد أن أدب وأخضع سلاطين خمسين دويلة في بلاد الشام ووحدها قبل الفتح المبين, وهذا ما ينبئنا به تاريخ بلاد الشام في ابيض صفحاته. ولسوف يقوم الأبناء والأحفاد بعون الله, بدحر كل المنظمات المتطرفة وكل الإرهاب من على أرض بلاد الشام, وسيدحر معهم القوات الغازية للغرب الانتهازي المتصهين, من أمريكان وأوروبيين وعرب وعجم وصهاينة, وستنبت سهولنا في حوران قمحا وزيتونا ونبت جديد طلعه مزهر في ربوع بلادنا, بفعل جيل جديد قام بإذن الله لا يقبل الدنية. نعم الشام ستطهر نفسها من الغزاة وستعود مدرسة الشام الفقهية إلى سالف عهدها, متطهرة من الحشاشين الجدد ! إن هذه البلاد هي بلاد الله المباركة, وفيها أضرحة أولياءه وشهدائه من مؤتة واليرموك إلى مرج دابق وحطين. نعم بلاد الشام ستتطهر بشفاعة أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة وضريحه في أغوارنا وشام سيف الله المسلول خالد بن الوليد وضريحه في حمص وشام صلاح الدين الأيوبي, وشام علمائنا أمثال سلطان العلماء, العز بن عبد السلام أبن كفر ألما, وابن تيمية فقيه الشام والأمة ومحدثها وشام الشيخ نوح سلمان القضاة, رحمهم الله جميعا ! هكذا هي بلادنا بلاد الشام, تتطهر دوما عبر التاريخ, ولا أزيد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات