"بدون إطلاق رصاصة واحدة" للكاتب محمد ازوقة


جراسا -

عرفَ القارئ مؤلِّف هذا الكتاب روائياً فذّاً، منشغلاً بقضايا واقعه وأمَّته في كلِّ ما تناولته رواياته الأربع، ابتداءً من روايته: «الثلج الأسود» التي صدرت عام 1988،وانتهاء بروايته«حريق الصخور» الصادرة عام 2012. ففضلاً عن هذا الجهد ربما ظلت فئة قليلة من القرّاء بعيدة نسبياً عن أدبياته الإحدى عشرة المترجمة، وجميعها تحمل رؤيةً وموقفاً،ينطلق من الانتصار للإنسان وحريته، ويتطلع إلى المجد والكبرياء. وفي هذا السياق يأتي كتابُه هذا الجديد: « بدون إطلاق رصاصة واحدة»، وهو عنوان يلفت النظر في زمن غدا فيه المواطنُ العربيُّ إمَّا والغاً في الدمِ، أو مطلولَ الثأر: قاتلاً أو مقتولاً في زمن التردّي المسموم، الذي شطَرَ الأمة الواحدة إلى طوائف وجماعات وجغرافيات وأديان ومذاهب وأعراق،تعيش في وهْمٍ مُبين من مشاعر التفخيم.

فمحمَّد أزوقه صاحب مشروع نهضويٍّ تنويريّ يقظوِيّ، ينبعُ من حسٍّ عروبيٍّ تحرُّريّ، يواجه الخوف الموروث من الماضي، والرعب المُعاش في الحاضر، والشرَّ والإفناء الكامن في المستقبل، ويواجه بمشروعه هذا المأزومين والمتطيّرين والذين أتعبتهم الاحتمالات المتناقضة. إنه مشروع ناضج متكامل، يمثِّل حلم كل عربيّ في زمن السقوط والتردي، لا يعقله إلا العالمون بمعنى الحريَّة والاستقلال والتقدُّم،المؤمنون بدفع شرور الذئب الأمريكي،الذي تعامل مع أوطاننا على أنها حظائر يحقُّ له الفتكُ بما فيها من كائنات وثروات، حتى صار هذا العصر هو عصر الأميريكانيّة بامتياز.

وكم هي مؤلمةٌ صرخة محمد أزوقه حين يقول: يؤلمني ويقضُّ مضجعي أن تنهض أممٌ صغيرة فقيرة جاهلة،... لتقضي على الجهل والفقر والأميَّة والجوع، وتمسك بناصية الصناعة والثقافة.... بينما تعوم أمتي على بحر من النفط،ينهب ريعه الحكّام،والأجانب، وتبقى الأغلبيَّة المقموعة تكافح وتعاني الفقر والإحباط..."

فحين يفرغ القارئ من آخر سطر في هذا الكتاب، سيصيح بأعلى الصوت:
لماذا يحدث كلُّ هذا لنا نحن العرب من دون أمم الأرض؟
لماذا إذن يظلُّ العربيُّ بين قتيل ومهاجرٍ ومُهجَّر؟
لماذا يبقى السادةُ ينعمون بما يقدحُ زند الغرائز، فيما الشعوب العربيَّة يمشي معها الموت والجوع والفواجع والمحن، كَظِلِّها؟
لماذا كلَّما أينعتْ في هذه الأمّة رؤوسٌ قالت " إمبراطورية الشرِّ" : حان قطافها؟

وحين يفرغ القارئ من أثر صدى هذه الأسئلة،وما شاكلها من أخوات" لماذا"،سيعرف " كيف" يكون درب الخلاص من قلق "لماذا". فهذا الكتاب تكييف للواقعِ العربيِّ الملتبسِ،المفتونِ بشَعْرة معاوية، الطاعن أحلامَه بخنجر أبي لؤلؤة، المستيقظِ في الأزمنة الكابوسيَّة على خرائط العم سام الجديدة. حينها سيدرك الشيخُ العربيُّ، صاحب أكبر مُعجمٍ لغويّ،الفرْقَ بين السيِّدِ المالكِ والمملوكِ العاجزِ، الذي عناهُ الله تعالى في قوله الكريم: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ،وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً. هَلْ يَسْتَوُونَ؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ : أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ. هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ؟»

فنحن العرب نملكُ من الثروات ما أطْمَعَ فينا جلاداً لا يرحم، حتى امتلأت حوصلتُنا ذلاً ومهانة، وتجمّعت كلُّ مياه الإحباط في أنهار حياتنا، وما زلنا ننتظر أنْ تُصحِّحَ أميركا سياستها في شرقنا الأوسط، الذي أصبح من أجل عيون ربيبتها وربائبها، جديداً بامتياز. يقول الكواكبي: (أقبح أنواع الاستبداد،استبداد الجهل على العلم،واستبداد النفس على العقل،ويسمّى استبداد المرء على نفسه). فالإحساس بالانغلابِ والانقِهار أمام الآخر يولِّد هوانَ الاعتبارات الذاتية،فالقواهر الخارجية تضاعف من الإعنات أمام القواهر الداخلية، فتُكثِر الشخصية المستَلَبة والمستَبد بها من الاجترار والاستكئاب (طلب الكآبة) والاستحزان، لأن صورة الحاضر غير ناصعة،وغير بهيّة.

لكن المؤلف يقدِّم رؤية جديدة، برهانها الأرقام، ويخوض سجالاً عقلانياً بعيداً عن الرومنسية،في رسم الطريق الجديد الذي يتمناه لأمته، يتوازى فيه الإصلاح السياسيُّ مع النهوض الاقتصادي. وبعيداً عن التفصيلات والجزئيات،التي أتركها للقارئ،فإنَّ هذا الكتاب يؤطِّر معنى الحاجة للبقاء ويفعِّل الشعور بالانتماء لإطار جامع سياسياً واقتصادياً، لتنتظم رحلةُ الإيلاف بين أقطار الوطن العربي، فتأمنَ من جوعٍ ومن خوف. وقد يكون من فضول القول الزعم بأن هذا الكتاب،يشكِّل مفتاح عمل للمثقفين والسياسيين والاقتصاديين، فقد انجدلت فصوله على نحو يدعو إلى التفكير والتفكُّر في مقاصده الكبرى، التي يأمل المؤلفُ تحقُّقَها "بدون إطلاق رصاصة واحدة". وحسب محمد أزوقه أنه أطلق صيحته في أمَّته لكي تنهض وتستيقظ من غفوتها، فتعيد قراءة " ربيعها" الخرافيّ،وتخرج من وادي الغفلة العربيَّة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات