لا ثورة و لا ما يحزنون!


لا تكف واشنطن عن إصدار التصريحات والوعود بشأن دعم المعارضة المعتدلة في سوريا، وذلك منذ تحول الانتفاضة الشعبية السلمية إلى معارضة مسلحة في أوائل عام ألفين وأحد عشر، إلا أن واشنطن وحلفائها على يبدو لم يجدوا حتى الآن شريكاً سوريا معتدلاً ليقوموا بتمويله وتسليحه بالشكل الذي يمكنه من مقاومة قوة الأسد وجيشه وميليشياته، أضف على ذلك الأعداء الجدد من تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، وربما في المستقبل القريب حركة أحرار الشام الإسلامية!

السذاجة الأمريكية في التعاطي مع المشهد السوري وحتى العراقي تبعث على السخرية، خاصة مع التصريحات الأخيرة لمبعوث الرئاسة الأمريكية في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية جون آلن، الذي أكد من جديد أن بلاده ستقوم بدعم المعارضة المعتدلة، لكن آلن لم يكشف من هي المعارضة المعتدلة، ولماذا لم تدعم واشنطن حتى الآن تلك المعارضة إن وجدت أصلاً!

السياسة الأمريكية في التعاطي مع المشهدين السوري والعراقي على حد سواء تثير الشكوك، فرغم مرور قرابة الشهرين على بدء ضربات التحالف زاد تنظيم الدولة قوة وتمدداً، إن كان في المعارك الدائرة في محيط مدينة كوباني في ريف حلب، أو في تلك المعارك الدائرة في محافظتي الأنبار وصلاح الدين في العراق، والانتهاكات المرافقة لها، آخرها كان إعدام تنظيم الدولة لأكثر من مئتين وخمسين شخصاً من عشيرة البونمر العراقية في مدينة هيت بالأنبار دون أن يحرك التحالف الدولي ساكناً.

تعقيدات الأزمتين السورية والعراقية لا نهاية لها، فالتخبط الأمريكي في التعاطي مع الأزمة السورية يبدو واضحاً من خلال التصريحات المتناقضة للساسة والعسكريين الأمريكيين، فمن جهة تعتبر واشنطن على لسان وزيرها للدفاع تشاك هيغل، الضربات التي يشنها التحالف ضد التنظيم في سوريا مفيدة لنظام الأسد الذي يخوض حرباً على تلك التنظيمات في ذات الوقت، أما في العراق فيؤكد جون آلن على دعم القوات الأمنية العراقية (التابعة لحكومة حيدر العبادي) المدعوم إيرانياً وحليف نظام الأسد، ففي العراق تدعم واشنطن الخيارات الإيرانية أما في دمشق على العكس تماماً.

المتابع للأحداث الأخيرة يشعر أن واشنطن تقود التحالف ضد تنظيم الدولة في سوريا وهي مترددة من أن ذلك قد يؤدي إلى تقوية نظام الأسد، أما في العراق فأعلنت صراحة دعمها للحكومة العراقية التي تنسق أمنياً مع إيران لمحاربة الإرهاب، عبر قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي أعلن صراحة أن بلاده هي من تقود المعارك ضد تنظيم الدولة في العراق.

وإن جئنا إلى الحقيقة فيبدو أن واشنطن تورطت في دعم جماعات متشددة ومتطرفة في سوريا إلا أنها تخجل بالتصريح عن ذلك أو أنها مستفيدة من تلك الفوضى التي خلقتها في المنطقة، فذات الجماعات هي من تنفذ عمليات إرهابية في بغداد، وطرابلس في لبنان، وعمليات إنتحارية في سوريا، ما أجبر السياسيين الأمريكيين على إصدار تصريحات بين الفينة والأخرى عن دعم معارضة معتدلة لا وجود لها على أرض الواقع، فجلُّ التنظيمات التي تحارب نظام الأسد حالياً يمكن وصفها بالمتشددة إن لم نقل إرهابية! فالشعب الذي خرج في بداية الأحداث ضد الأسد في مظاهرات سلمية إما قتل أو هُجّر، أو استسلم للأمر الواقع، أما من يحمل السلاح حالياً فهم قلة قليلة من السوريين والباقي جلهم من العرب والأفغان والقوقاز والشيشان وغيرهم من عرب أوروبا الذين جاؤا للبحث عن الجهاد ضد نظام الأسد، فالأزمة الحالية ليست بسبب خلاف سياسي مع النظام، بل حرب طائفية بالأساس، ومن ينكر ذلك يهرب من الواقع ويسبح في عالم الخيال والأحلام.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات