صابرين فرعون:الوطن لا يُقتل بيد عدو خارجي فقط وإنما بيد بذوره الطالحة !!


جراسا -

حاورتها - رائده شلالفه - في "ظلال قلب" تدخل الأديبة المقدسية صابرين فرعون حدود الحلم، تحملُ عصا حرفها السحري لتصنع للوطن عرساً وللثائر قضية ، وتدلف بعربة "جوبيتير" تابوهات المأمول لتحكي لنا ها هو ذا الوطن الأشهى والمحتم وإن راوغ الأشقياء.

صابرين فرعون أديبة بعم لم يزد عن ثلث سنوات النكبة، عشرينية مقدسية تُعري الوهن وتنفض عنه ترابه الستيني ، ليبرز الوطن الساكن المخيلىة الجمعية الفلسطينية داخلا والشتات في كنابها "ظلال فلب".

وعيها يوازي سني قضيتها، وأنوثتها إمرأة تسربلت الليل والندى لمداد حرفها الواعي على صفحات مجموعتها الصادرة مؤخرا عن دار فضاءات للنشر في العاصمة عمان (نصوص / ظلال قلب) .. فكان هذا البوح المحمل بالشغف .. وكان هذا الثراء بمداخلات تنبئ أننا أمام مشروع أدبي متكامل لأديبة كنعانية أطلقت على نفسها ذات حياة اسم عنات :

* أي امرأة أنتِ في "ظلال قلب" ؟

-امرأة من نيران وحرائق هي أنثى القلب .. شراعها حلم ووطن .. نضجت شفتي حرفها عندما تسللت مباضع المجتمع تُشهر أمام صوتها باعتباره عورة .. وأي عورة إن فضحت الخيانات التي يُقدم عليها من كفر بالحقيقة وقطع أوصال الوطن وفرقه ؟! امرأة حرفها يكتبها لا هي تخضعه ولا هي تسيره وإنما لا تقبل له أن يكتب غير كينونة فكرها ومشاعرها .. الظلال هي اللون الحقيقي للدم الذي انسكب على خارطة الحرف .. دروس الحياة التي تترك ندباً على نواصي الحلم .. و الوحوش التي أكلت أنشودة الضوء كي تقتل ال " قارورة " داخلي.. أنثى ثائرة تحاول أن لا تحجم المساحة المتاحة للفرح في قلبها برغم الهم العام والهم الشخصي ..

أترك للقراء أن يتصوروا شخصيتي من خلال ما أكتب .. فاللغة عندي هي مرآة للروح والقلب ..

*- على جسد المجاز
مسد الكهنة
بعواءٍ
كادت تصطك له الأسنان
ويُسمع صريرها
لولا حفلة التعري
التي أقامتها الأخوات
على أيقونات المحادثة الفيسبوكية ... هنا إشارة واضحة للمسكوت عنه في استخدام التكنولوجيا لأغراض الرذيلة .. هل تقصدين المحاكاة الشعرية التنويرية أم جاءت بمعرض التداعيات ؟

- لستُ حارسة للغة ولكني أنوه إلى بعض هذه القضايا والظواهر التي كان للتطور التكنولوجي دورٌ كبير في التصريح بها دون أي اعتبار للأخلاقيات والرأي العام .. الأدب التنويري يفصل العلم والأخلاقيات عن الدين ويؤسس للعلم والأخلاقيات ويلغي القصور العقلي والتبعية .. أرفض أن أفصل ديني عما أدافع عنه .. فالإسلام دين تسامح ومحبة ورحمة ينظم حياة الإنسان وواجباته اتجاه الله - عز وجل – واتجاه الآخرين كذلك رفع قيمة العلم والعلماء وحث على التسلح به .. لم يلغ دور العقل ولا بأي حال من الأحوال بل دعا للتدبر والتأمل بمظاهر خلق الله – عز وجل – للإيمان به ..

معايير الرذيلة والأخلاق هي معايير فردية تعود للثقافة والتربية الفكرية والمجتمعية للفرد .. عالم لا يقبل بالمسَلمات وإنما البحث والمعرفة والتجربة ..

في هذا المقطع تحديداً هناك خروج ليس فقط عن الأدب وإنما الاجتهاد في رسم ملامح مزيفة تخفي التمرد على الفطرة الإنسانية والتنكر للخير الذي زرعه الله فينا ..

الكاتب أو الشاعر أو الأديب لا قيمة لأدبه إن لم يحمل رسالة في كلماته يسلط عليها الضوء .. لذا ليس كل من كتب يستحق لقب له علاقة بالجنس اللغوي أو الأدبي الذي يكتب فيه .. فهناك من يكتب من أجل تفريغ ما في صدره من تداعيات تسهم في إضعافه وربما يصل درجة المرض..

أما عن المحاكاة الشعرية فهي في نصوصي تأتي بشكل غير مقصود .. كما قلت سابقاً الحرف ما يكتبني ولست انا من اكتبه ولن أدعِ الشعر يوماً .. وإنما أترك لتلك الموسيقى فيه تتغلغل أعماقي وأكتفي بأن أسرد وأنثر ..

*- الشعر المحكي أو الشعر بلهجة العامة ليس مأخذاً بطبيعة الحال على المدونة الشعرية .. لكن إدخال حرف باللغة الإنجليزية لإيصال الإيقاع الصوتي للحرف "الفلاحي" ألا ترينه تشويه للغة العربية مع اعتبار أن اللهجة المحكية وإن كانت غير فصحى هي جزء أصيل من لغتنا العربية ؟

-اختلفت اللهجات واللكنات من بلد إلى بلد وحتى داخل البلد نفسها ومن هنا جاء التنوع في النسج الشعري كالزجل والعتابا والشعر النبطي والطائي والأبوذي والدرامي غيره ..

في وطني كانت اللهجة "الفلاحية" , نسبة إلى الفلاحين الذين بدؤوا هذا النوع من الشعر في لحظات الفرح في مواسم قطف الزيتون والأعراس والأمسيات التي تجمع الرجال للسهر , ما تجمع أنواع الشعر المحكي كالزجل والشعبي والعتابا والمجوز ..

لم يدوَن هذا النوع من الشعر وإنما تناقلته الأجيال عبر التاريخ شفوياً ومع التطور الحضري وانتقال البعض للمدن اختلف اللفظ بحسب لهجة أهل المدن والفلاحين .. فأهل المدن ظهر لديهم اللفظ الصوتي "الهمزة " والفلاحين انقسموا ما بين "القاف" و "الكاف" فمثلاً :آلو قالوا كالوا ..

في نصي النثري " لحنٌ ناقص" كتبت النص في لحظة كان الحديث عن "يالو" قرية أهل والدتي وهي من القرى المهجرة في الداخل المحتل ..

ولأني على غير العادة كتبت النص بدل النقل الشفوي وجب أن أنقله باللهجة الفلاحية التي قلته فيها وقد أصطلح علماء اللغة على تسميتها "الكشكشة " حيث يتم قلب الكاف إلى شين مضخمة .. كان عليّ ابتكار أو إيجاد طريقة لإيصال اللهجة وليس الفكرة والموضوع فقط فاستخدمت حرفي ال 'Ch' ..

*- في "ظلال قلب" حزن , تمرد , جرأة , تردد , لكن هناك ما لم تقوليه .. وربما هو أعمق من أن نقرأه فيما وراء السطور .. برأيك : الخوف يقتل الفكرة أم الإبداع ؟

-العملية الكتابية لأي نص هي علاقة تفاعلية بين الكاتب والقارئ والنص.. الكاتب يدلو بدلوه معبراً عما يدور برأسه ويعتمل قلبه وربما يشير إلى بعض الأمور برمزية وقد تكون مفرطة لدرجة أنه يلغي عملية التلقي والتواصل بينه وبين القارئ .. وكذلك القارئ بدوره يؤول النص فهذا ليس نص قرآني وإنما نظرة الكاتب للأمور ربما يقتنع بها القارئ وربما يراها من منظور آخر وربما يرفضها .. ومن هنا يكون النص قارب ينقل القارئ لميناء الكاتب أو يجعل من فكرة الكاتب لغزاً محيراً.. مجرد مصفوفة من الكلمات تختزل صوراً فنية في حلقة مفرغة من الرسالة...

بالتأكيد الخوف يقتل كل شيء .. لا قيمة للإنسان بكلمات منمقة لا تدعو للثورة على الظلم والحرب والألم .. الإبداع مرآة الفكرة

وكيفية إيصالها انعكاس لشخصية الكاتب ..

*- في نصوص " ظلال قلب " بدا الحزن واضحاً في ثوب العتاب حيناً والاستنهاض حيناً آخر .. لكن ثمة لوعة أكثر منها عتاب عندما يطال العتاب مسألة الوطن .. تتحدثين عن سقوط المأمول تجاه الوطن هل ذلك بفعل الأمل أم تسليم بالواقع ؟

-الوطن يتمثل بالفكرة الروحية التي كبرت معنا في حبات الزيتون على وجبة الفطور في كوفية الوطنيين والثوب المطرز ومفاتيح بيوت أجدادنا و "كواشين الأرض" والمجوز الذي نطرب له لأنه يحكي إرثاً تاريخياً.. الوطن هو الانتماء للتراب الذي منه وإليه نعود ..

التحدي كل يوم يكون أكبر وكل الشعوب العربية ثائرة من أجل القضية الفلسطينية ولأجلها ولكن الرؤساء العرب لم تحركهم صرخة امرأة مقدسية تدافع عن المسجد الأقصى ولا سلب أطفالنا طفولتهم خلف الأسر أو تيتيمهم ولا ترميل أمهاتهم.. كل المواقف العربية : "نشجب ونستنكر" وماذا بعد ؟! التسليم بالواقع يعني التخلي عن كل ما دافع عنه أبطال الوطن والتخلي عن البيت والعرض والأرض .. الحزن الذي يعتصرني هو أن الوطن لا يُقتل بيد عدو خارجي فقط وإنما بيد بذوره الطالحة .. بيد من يقتل

باسم الشرف ومن يسرق وينهب باسم الوطن ومن يشوه صورة الفلسطيني ..

* وعيك أكبر من الفجيعة أم أن الفجيعة من صنعت وعيك تجاه العام والخاص ؟

-ليست فجيعة فما لا يؤلم لا يقتل وإنما تجارب ودروس .. التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد وكذلك التواصل مع مجتمعات أخرى بثقافات متنوعة أخرى ساعدت جداً في توسيع مدارك المعرفة لدي .. لي رأس من حجر لا يلين بسهولة .. مررت بما يكفي أن أقول أن لي من اسمي نصيب .. تعودت اختزال المواقف التي أمر بها ولكنها تبقى الحياة مدرسة لا ينضب علمها .. وها أنا طالبة نجيبة تارة وكسولة في أكثر الأوقات ..

*- تنقلتِ بين الأسلوب المباشر والتورية في أكثر من موضع في نصوصك فكان هذا البناء المُركب يجمع ما بين القوة البنيوية للنص وصعوبة المضمون .. ألا ترين أن هذا يثقل كاهل المتلقي ؟

- دائماً ما أترك في نصوصي غموضاً لكن لا يصل حد الإبهام لأستثير القارئ على ربط الأحداث وتقريبها لتكوين مشهده الخاص .. فالتورية عندي لها دلالاتها المباشرة في السرد

*الى أي حد تعولين على الساحة الفلسطينية في تقديم المبدع الحقيقي للفلسطيني صاحب القضية، بعيدا عن التلون الدي طال المشهد الثقافي في الداخل المحتل والضفة والفطاع؟

-الساحة الأدبية الفلسطينية تسودها فوضى عارمة .. فهي تحتوي الكثير من الإبداع وخاصة من الأديبات والأدباء الشباب ولكن قلة هم من يشدون على أيادينا ونكبر بهم وبدعمهم وتشجيعهم .. المثقف الفلسطيني بين الهوية والقضية هو مجرد رقم يضاف للساحة الأدبية إن لم يسعَ لتطوير نفسه وترجمة هذا التطور بمنجز أدبي يُضاف لمكتبة المثقف والاديب الفلسطيني.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات