عندما يكون الوطن مطيّة للرويبضة


عندما يفتح المولود عينيه على الدنيا لا يدري ماذا ستكتب له الايام القادمة من عمره المديد ويكون فقط في حفظ الله ورعاية والديه ويبدأ شيئا فشيئا في النمو والتأثر بالبيئة المحيطة به وتزداد العوامل المؤثرة في تكوينه فمن الاهل والاصحاب والمدرسين تتبلور شخصيته بما يخالطها من حكمة وعواطف وعقائد وخواطر واحلام واوهام الى ان تتكرر كلمة الوطن امامه مرارا ليدرك ان الوطن كان عبارة عن البيت والاهل ليكبر ويصبح الحارة والاهل والجيران لينموا ويضيف اليهم الاصحاب والقرية او المدينة التي يعيش فيها وثم ليفاجأ ان هناك عناصر اخرى لتعريف الوطن تتعلّق بمكان ولادته ومكان ولادة ابوه وجدّه بل وتاريخ رحلتهم في الحياة الصعبة واماكن عملهم وسكنهم وغير ذلك من معلومات تؤثّر في تحديد مستقبله ودراسته واختيار شريكة حياته وانتماء ابنائه مستقبلا وعندها يدرك ان الحياة التي فتح عينيه عليها ليست نفسها الحياة التي سيشقّها بالعرق والدموع وتكون كل لحظة فيها قصّة عذاب وكفاح .


ويصدم الفتى عندما يدرك ان الانتماء له معان كثيرة وان الاخلاص للبلد له مفاهيم عديدة فمن الناس من يحمل الوطن بقلبه ويغطيّه برموش العين خوفا عليه من الضياع ومنهم من يجعل الوطن مطيّة يركبه حيث تكون مصالحه ليكون الوطن البقرة الحلوب لتعبئة جيوبه والاستيلاء على الخيرات وتحصيل المزيد من المكاسب ومنهم من لا يعنيه شيئ لأن الهدف هو لقمة العيش فقط تسدّ رمقه وجوع اهل بيته .


ويكبر وينهي دراسته الثانويّة ويحصل على معدّل عال جدّا يتيح له الحصول على منحة خارجيّة للدراسة خارج البلاد ويستمرُّ في الابداع في دراسته الجامعيّة ويكمل دراسته العليا في موضوع هام لخدمة بلده ويعود للوطن الذي احب ليعمل فيه خادما للوطن والمواطنين ويُقدِّم طلبا للعمل في الدولة ويصطدم مرّة اخرى فيما كان قد نسيه وهو مكان مولد والده وجدّه وهكذا رفض طلبه فالوطن لا يريد ان يخدم به من كان ولد في ذلك الركن وحاول التقديم لمؤسسات شبه حكوميّة فاصطدم بعدم موافقة الاجهزة الامنية وذهب ليجدّد جوازه فاحيل لدائرة المتابعة والتفتيش عمّن ولد ابائهم هناك بحجّة ان الوطن لا يتّسع للجميع نزلت دموعه في المطار وهو راحل مهاجر لدولة مختلفة العرق واللون والدين ولكن لديهم عقل يفكِّر وانتماء وتدبير يمكنهم الاستفادة من علم وخبرة ذلك المهاجر في تعلية البناء وتنمية البلد .


بعد ان استقرّ في وطن اعطاه بلا سؤال عن اسم والده ولا مكان تولّد جدّه واعطاه فقط لان البلد بحاجة لمؤهلاته ولأنّه انسان مثابر وخلوق وهذا كافي .


عندها عاد بذاكرته الى تاريخ مضى تذكّر زملاء دراسة لم ينجحوا ولم يجتهدوا ويفلحوا وهم الآن في اعلى المناصب واغنى شرائح المجتمع فعرف حينها كيف يكون الوطن مطيّة ولم يستطع ان يصدّق كيف يمكن للفرد ان يختار والده وجدّه ومكان تولّدهما لكي يكون مقبولا لدى بعض الفاشلين في الدراسة او من هم معروفون بسوء الخلق والإئتمان في سوق المجتمع ولكنهم يصبحون من ذوي الحظوة في بعض الازمان تلك الازمان التي تسود فيها مؤهلاتهم وصفاتهم |إلاّ من رحم ربّي.
وتتحمّل الأوطان قلّة من هؤلاء عندما يمتطون سلّم الانانيّة والفرديّة والمحسوبيّة لينهشوا من الوطن ما يستطيعون ولكن اذا زاد عدد الممتطين ظهر الوطن ليصبحوا الاغلبيّة ومن كل الشرائح عندها لا يحتمل الوطن ذلك ويضطر لمغادرة قلوب المخلصين والمنتمين ليهجر الى ضمائر وعقول انقى ويترك اهله النظيفين غرقى بدموع الأسى والضياع .


ونحن الان نعيش تلك الحقبة من الزمن صعبة وقد يكون الآتي اصعب وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: سيأتي على الناس سنون خداعات: يصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويخون الأمين، ويؤمَن الخائن، وينطق الرويبضة، والرويبضة: الرجل التافه يتكلم في أمرالعامة.


نسأل الله العفو والعافية والرحمة والمغفرة في ذكرى يوم هجرة حبيبه وحبيبنا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .


حمى الله بلدنا ارضا وشعبا وقيادة وابعد عنهم الرويبضة والمغرورين والفاسدين .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات