أحمد حسن الزعبي : يكتب "في فهرس السماء "


جراسا -

وقت الضحى كان الصوت البعيد كطنين نحلة عملاقة يشق صمت الحي ..أرتفعُ ببصري قليلاً ابتعدُ عن ورقِ شجرة التوت لأرى المصدر ، انكتُ الترابَ عن كفّي ثم أركضُ لأسال أمي عن ذاك الصوت..تقول أمي وهي مشغولة بدعك الثياب في "لقن" الغسيل الأسمر وزرقة السماء المنعكسة على ماء يديها تذوب رغوة وغيما: "طيّارة"!!...

هكذا كانت تقولها دون أن تعطيني تفاصيل أكثر...أعود وأسألها وأنا أبحث في السماء الخالية من كل شيء إلا من صفائها.."طيارة لمين"؟!..فتقول دون أن ترفع رأسها : " إلنا "!!..

يتموّج الصوت في السماء كثيراً وأحاول أن أضيق عيني لأرى ذلك الكائن الغريب في المدى المتسع دون جدوى...أسألها " شو بتسوي الطيارة "؟؟ أمي باقتضاب شديد : "بتحمي الحدود من اليهود"..ثم تعصر ملابسي وثياب ابي وتضعهم جانباَ.

أسألها : "مين أقوى أحنا ولا همه"...باقتضاب شديد "إحنا أقوى منهم بكثير .."!!... ثم تدلق الماء الأزرق تحت العريشة المنخفضة وتركن "اللقن " على الجدار... كانت تعطيني درساً في الوطنية ...... والمنهاج: "لقن غسيل"..

في ليالي الشتاء.. بعد العاشرة مساء وقبل ان تشرع أمي بحكايا الليل والمعوذات كانت تنقطع الكهرباء فجأة...تقول ببديهة عالية " تبديل"!!.

تبديل ماذا ؟: نسألها..

تقول : "تعوّدنا اذا انقطعت الكهرباء عن البلدة على الأغلب هناك تبديل دبابات وجنود" ثم تبحر بصوت منخفض في الحديث عن حرب "الستة" والطيران الذي كان يقصف مناطق حوران بالتزامن مع وقت الحصاد..وأثناء وصفها للغارات والدخان الصاعد ..كان يتسلل صوت المجنزرات والمدرعات الأردنية وهي تمشي مسرعة على شارع الشام في ظلمة الليل الشتوي حيث ترجّ الأرض رجاً من تحتنا ... فنتكوّر بالفراش قربها نشوة وخوفاً..دون ان نعرف حينها أنها كانت تعطينا درساً في الوطنية ..... والمنهاج: وسادتنا الزهرية...

***

قد تحذف إدارة المناهج "الهوكر هنتر" من الكتب الدراسية ، وقد ينسلون اسم "فراس العجلوني" عنوة من دروس القراءة ، لأنهم يريدوننا امة بلا رموز أو بطولات او أبطال ، يريدوننا كرتوناً بتاريخنا وطموحنا وكرامتنا يريدوننا مجردّ "أجسام متحرّكة" نموت ان تم إغلاق الجهاز او "الجهاد" أو عند رغبة اللاعب "الخروج من اللعبة" "او العلبة" لا فرق ..

هم اصلاً : لا يطيقون أن يروا اسم فراس العجلوني أو موفق السلطي أو وصفي التل في المناهج لأن المرحلة لا تحتمل البطولة او الرجولة ، فالراكعون لا يطيقون الواقفين ابداً..

***

الى الشهيد فراس العجلوني..اعرف ان روحك ما زالت تقوم بواجباتها وطلعاتها الجوية كل صباح، وأعرف ان عينيك الحورانيتين ما زالتا تسطّران السماء كل يوم وتتحسسان تفاصيل الأرض وشفة الدحنون ، وأعرف ان نسرك الأردني المختبىء في "فوتيكك" ما زال يرعى العصافير الحرة والأحلام المرة والغيم التشريني الجميل ..

.يا اسداً فوق حيفا وفوق اربد...لا تحزن إن هم حذفوك من فهرس الأسماء...

ففي فهرس السماء أنت...

"منع من النشر "



تعليقات القراء

خالد عبد العزيز
والله لا يطيقون ان يروا كل حر شريف كل وطني باع روحه للوطن كان الاباء والاجداد يتفنون كان همهم الاول الوطن ثم الوطن قدموا التضحيات ولكن وووو عند الله لا يضيع اجر الشهيد واجر المصاب كان جزائهم التهميش لهم ولابنائهم لانه من المحاربين القدامى ذنبهم انهم ابناء الحراثين والعسكر لربما سكرتيره عند فلان او علان او صديق او نسيب لفلان او علان يحظى باحترامهم اكثر ما يحظى به شهيد او مصاب حفظ الله الملك وحفظ الله الاردن وشعبه من كيد الكائديين ومن اعداء الداخل وما اكثرهم
14-09-2014 06:33 AM
بنت بني حسن
فراس العجلوني ترويده الاردنيات في الريف والبوادي لن يمحوا اسمك فهو محفور في الصدور وبين حنايا القلب الا شلت ايدي المخصخين والمخصيين بلا حيا منكم
14-09-2014 08:56 AM
نعم نعم نعم
فالراكعون لا يطيقون الواقفين ابداً..
14-09-2014 09:59 AM
jameel
سلم الله لسانك استاز احمد كلام معدول ولا تعليق
14-09-2014 10:05 AM
حسين السمارات
تحيه اجلال وكبرياء الى روح فراس العجلوني وموفق السلطي سلام عليك ياوصفي راهنو عليها واصبح الحصيني اسد واصبحنا بها غرباء
14-09-2014 10:49 AM
علي شديفات
نعم بريدوننا بلا تاريخ او هويه وطنيه
14-09-2014 10:59 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات