الأمن الناعم والتعليم الخشن


بقلم:د.وجدان خليل الكركي

أستاذ علم النفس التربوي /جامعة مؤتة

يزهو الأردن بقيادته الهاشمية ؛فالإنسان - كما علمنا الحسين الباني- أغلى ما نملك، والشباب هم الطاقات الأهم وهم فرسان التغيير كما علمنا جلالة الملك المعزز عبد الله الثاني. ويفتخر الأردن عالميا بما حققه في مجال الأمن والأمان واحترام الإنسان الأردني حيث تدرس المنهجية الأردنية الأمنية في العالم الغربي لاحترامها المواطن الأردني وكرامته والنظرة الإنسانية الراقية التي تستمدها من ثوابت نشأنا عليها في بلد الهاشميين.

ونتفاجأ بالمقابل بالانحدار التربوي ونظرية التعليم الخشن التي تتبناها وزارة التربية والتعليم في القرن الحادي والعشرين والتي لا تمت بصلة للنظريات التربوية العلمية الحديثة في مجال التعلم والذكاء؛ فها نحن نعود إلى القرن الماضي لنؤكد على أهمية التعذيب النفسي للطالب وما يسمى بهيبة التوجيهي وما يرافقه من مشاعر الخوف والرهبة التي تربك الدماغ وتمنعه من العمل حيث تشير نظرية "التعلم المستند إلى الدماغ " القائمة على فهم عمل الدماغ والتي يستند لها التربويون في الدول المتقدمة أن الدماغ لا يعمل بالخوف والتهديد.

لقد ترافق عقد امتحانات الثانوية العامة - وبشكل لافت ولم يسبق له مثيل في العالم - مع تواجد لافت لقوات الأمن والدرك في محيط المدارس والتفتيش المذل إنسانيا في العديد من القاعات إضافة لإغلاق النوافذ وعدم وجود مراوح أثناء أداء الامتحانات في بعض القاعات بحيث يكاد الطلبة يعانون من ضيق التنفس إثناء الامتحان، إضافة للأسلوب الفظ في التعامل من بعض رؤساء القاعات والمراقبين ؛كأن يطلب من طالبة تكتب بيدها اليسرى أن تتحول للكتابة باليد اليمنى وهي تكتب بهذه اليد طوال عمرها بدلا من تجهيز مقاعد لهذه الفئة ونسبتها (10%) من الطلاب -أي آلاف الطلبة - ، وكأن يطلب من طالب في العديد من القاعات الباردة في فصل الشتاء أن يخرج يده من جيبه ليفتش عدة مرات بسبب تجمد يده من البرد ويثبت أنه لا يحمل أوراق الغش /وقد شوهد العديد من الطالبات يبكيين خوفا قبل أن يعقد الامتحان بسبب الأسلوب المذل في التعامل مع الطلبة.

ومع كل الشكر لمعالي وزير التربية والتعليم لجهوده الرامية لمكافحة الغش الذي ترافق مع التطور التكنولوجي ألا أن ارتفاع نسبة الرسوب إلى أكثر من 70% في العام الماضي لا يعزى فقط لمنع الغش؛ فلا أعتقد أن 70 % من الأردنيين يغشون خاصة عندما تترافق نسبة الرسوب المذلة نفسيا للطلبة والمجتمع مع رفع رسوم الدراسة الخاصة حوالي900% (من 25دينار للفصل إلى 30 دينار للمادة) حيث سيتقدم الآلاف ممن استنفدوا حقهم لجميع المواد مرة أخرى ليدفعوا رسوم15 مادة إي حوالي(30 *15=450 ).

هم يتحدثون عن هيبة التوجيهي في الوقت الذي قامت فيه سويسرا بمنع الامتحانات حتى سن الرابعة عشر حرصا على النمو النفسي والجسمي لأبنائهم حيث أن الضغوط النفسية تتسبب بالعديد من الأمراض النفس جسمية كالسكري والضغط والقلب والسرطان والقرحة والحساسية وغيرها إضافة للاضطرابات والأمراض النفسية كالقلق والكآبة و الهستيريا والرهاب والوساوس المرضية وغيرها ، لماذا نعرض أبناءنا لهذه الضغوط ولم لا يكون التعليم عملية جاذبة ؛ لقد كان أسلافنا يسافرون في طلب العلم رغبة في العلم لا يحدد تقدمهم معيق فكانوا حضارة ، في الوقت الذي يحكم التعليم الثانوي ما يسمى بقانون "استنفذ حقه" ، بأي حق يقرر القانون أن يوقف تقدم الطالب في العلم من أجل مادة أخفق فيها فيقرر أن عليه أن يعيد جميع المواد، ومن هم اللذين قرروا ذلك وبأي حق أو منطق علمي يعود الطالب ليبدأ من الصفر، وهل تسري قوانين الأموات وأعرافهم على الأحياء؟ولماذا لا يشفع تفوق الطالب ونجاحه في كل المواد ما عدا واحدة لأن يعطى الطالب أكثر من فرصة لإعادتها؟ ولماذا يحدد عدد الفصول ؟ وهل يوجد مثل هذا القانون في الدول المتقدمة ؟ أوفي الامتحانات الدولية والعالمية؟ وهل يمكن لطالب أعاقت تقدمه مادة واحدة وأصبحت عقدة نفسية أكثر من كونها أكاديمية أن ينجح فيها عندما أعرضه للمزيد من الإذلال النفسي بأن يعود للصفر ليبدأ من جديد؟ أي منطق هذا وأي قانون؟ وهل يوجد في الدول المتقدمة ؟وأين احترام الإنسان؟

وقد يحق لي كتربوية وأكاديمية وأم أن أنتقد المناهج المليئة بالحشو والتي يتطلب اجتيازها أن يحفظ الطالب حفظا صما وأن يعطل تفكيره لينجح ؛ كوحدة الفلسفة في مادة الثقافة العامة التي تتحدث عن النفس من منظور يعود لآلاف السنين الماضية ولا يمت بصلة للمفاهيم النفسية الحديثة وتتحدث نفس الوحدة عن التفكير الناقد حيث تضرب أمثلة غير منطقية ومليئة بالأخطاء وأبعد ما تكون عن التفكير الناقد، ويحق لي أن أنتقد الفصل الأول في مادة النظم في تخصص الإدارة المعلوماتية؛ فهو مليء بالحشو غير المنطقي والترجمة الحرفية المضيعة للمعنى مما يجعل حفظ المادة عبئا نفسيا على الطالب بسبب كثرة النقاط والتعداد غير المنطقي، علما بأن هذه المادة تحقق معدلات رسوب عالية في كل عام ليس بسبب غباء الطلبة بل لعدم منطقية المادة.

طلابنا غير عاجزين بل الكثير من مناهجنا بحاجة لتطوير ولا تتلاءم مع العقول الرقمية المبدعة ، كما أن الكثير من القوانين التربوية غير منطقية وقديمة وينبغي إعادة النظر فيها؛ فالقوانين وضعها أفراد لمصلحة الأفراد ويمكن أن يعاد النظر فيها إذا كانت معيقة وغير منطقية ولا تتلاءم مع روح العصر ؛ فأي منطق بقانون "استنفذ حقه"؟ وما الفائدة التربوية بإعادة جميع المواد التي درسها الطالب طيلة عامين من أجل مادة ؟ومن اخترع هذا القانون؟ وهل يوجد مثيل له في الدول المتقدمة؟ ولمصلحة من يحطم طموح الطلبة في مواصلة التعلم من أجل علامة في مادة غير داخلة في المعدل علما بأن المعدل العام يسمح له أن يدرس أقوى التخصصات في الجامعة .

أي عدل يتحدثون عنه في مجلس التعليم عندما لا يمنحون فرصة خامسة لدفعة من الطلبة حرموا علامة الرحمة بتغيير القانون الذي طبق طيلة الأعوام السابقة -مع أن أقرانهم من نفس دفعة العام الماضي حصلوا عليها ونجحوا-،ويمنعون عن نفس الدفعة الفرصة الخامسة باسم القانون الذي طبق في أعوام سابقة ؟ كيف نتمسك بالقانون السابق لنضر مصلحة الطالب ونغير القانون السابق أيضا لنضر مصلحة الطالب؟كيف تسحب من الطلبة علامة الرحمة التي حصل عليهم أقرانهم من نفس الدفعة باسم القانون ويحرمون من فرصة إضافية أيضا باسم القانون ،أي قانون هذا يدار كل مرة باتجاه تحطيم الطلبة وباتجاه رفع نسبة الرسوب؟؟

بأي حق تنفرد وزارة التربية والتعليم بقرارات وقوانين تهم الشريحة الأكبر من المجتمع -وهم الطلاب -ولماذا لا يتم إجراء استفتاءات تربوية يستشار فيها مختصون في التربية وعلم النفس من خارج وزارة التربية والتعليم ومن خارج الأردن؟ فهذه وزارة للتربية قبل التعليم .وأي عقلية تقليدية تحكم القوانين التربوية في القرن الحادي والعشرين ويحصد طلبتنا عيوب وإذلال رجعيتها ؟ لماذا لا نستفيد من تجارب الدول المتقدمة وأين دور التبادل الثقافي والتربوي مع الدول الأخرى؟ وأي مصيبة نتحدث عنها عندما يجبى المال عن طريق المدارس فيتزامن رفع رسوم الدراسة الخاصة حوالي900% (من 25دينار للفصل إلى 30 دينار للمادة) مع ارتفاع نسبة الرسوب حوالي 70% باسم الإصلاح التربوي؟؟؟
هل يقوم الإصلاح التربوي على جيبة أولياء أمور الطلبة وتحطيم نفسيات الطلبة ؟؟؟ هل بقي الإنسان أغلى ما نملك؟؟؟؟ عذرا سيدنا الحسين لقد نسوا، وعذرا سيدنا أبا الحسين فشباب الأردن فرسان التغيير في خطر، وعذرا مولاتي الملكة أم الحسين فرسائلك التعليمية والتربوية والإنسانية لم تصلهم ؛ فمن تولوا أمر التعليم يجبون المال باسم الإصلاح التربوي. وعذرا يا أصحاب القرار ستحاسبون أمام التاريخ وأمام الله على ما وصل إليه التعليم وطلابه في وطننا الأغلى. وعذرا يا وطني الجميل فسيحزم الكثيرون أمتعتهم ويرحلون إلى حيث يتعلم أبناؤهم في مدارس تحترم الإنسان والعلم.ولا عذر لقانون"استنفذ حقه".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات