خَفَافِيشُ الإِعْلاَمِ الحُكُومِيِّ


نظرةً منك لِمَا يَعرِضُه الإعلامُ الحكومي على وجه التحديد في هذهِ الأيامِ النحسات ،في الفضائياتِ والصحافةِ ،مِنْ هجوم شرس يندى لهُ الجبينُ ،يتبينُ للمراقب ،أننا نعيش واقعا أليما ،مما نرى ونسمع من بعض الموتورين الأقزام ،الذين يتطاولون برقابهم القصيرة وقاماتهم القميئة ورؤسِهم الفارغةِ على المعلمين ونقابتهم،التي جاءَتْ لتغسلَ عارَ الأمية عن هؤلاءِ وعارَ مَنْ تَعرَّى بالجهل ،بمَا يُسطِّرونَه مِن تضحيات على أرضِ الكرامةِ أرض الحشد والرباط .

كمْ مِنْ لئِيٍم مَشَى بالزورِ يَنقـلُـهُ** لا يَتقِي اللهَ لا يَخْشَى مِنَ العَـارِ

فمَا إنْ فرغتُ مِنَ :"الرَدِّ الفَاتِكِ علَى ضلالاتِ المدْعُو فَهْدِ الفانِكِ" ،حيثُ كانَ لهُ طَيّبُ الأثرِ - وللهِ الحمْدُ - حتّى اطلَعتُ علَى تسويداتٍ جديدةٍ في الإعلام الحكومي ،لِمُتسلّقين آخرَين أزْكَمَتْ أنفِي عفونةُ تطاولِهِم ،ورائِحةُ الحقدِ التِي تنبعثُ مِنْ سطورِهم وكلماتِهِم ،حينما استسهلَوا الطعنَ والتجريحَ والذمَّ والتقبيحَ والتضليلَ والتمويهَ ، فراحُوا يُبعْثِرُون عباراتِهم وكلماتِهم ذاتَ الشِمالِ وذاتَ اليمينِ.
لا يدْرِون مِنَ العلومِ إلا حُروفًا ،ولا يعرفُون مِن الفنونِ إلّا ألفاظًا يتبجّحُون بها علَى المغرورين بهَم ، ويَستعْلِون بها علَى الجاهلين بحقيقتهِم ،لا يَعرفون قطاتَهم مِن لَهاتِهم.

ولمْ يأتِ هجومُهُم علَى نَقابةِ المعلمينَ مِن فراغٍ ،وإنَّما جاءَ انتقامًا لإوهام وخرافات لا أصل لها عشعشت في عقولهم ،من أجل تنفير المواطنين منهم ،ومن مطالبهم ،وتشويه دعوتهم الحقَّة.

أيُطعَنُ في عِرضِ أشرف تمثيل نقابي على وجه الأرض؟! أوصلَ الحالُ ،حدًا يتطاولُ فيهِ المتردّيةُ والنطيحةُ والموقوذةُ ؟! ...لا عجبَ!!

فالخفافيشُ يَبهـرُهـا النـورُ ،وتأنسُ بالظُّلْمَةِ ،فـنـورُ الحقِّ أضـوأُ مِن الشمسِ فِي رابعةِ النهارِ ، فَيَحِـقّ لخفافيشِ البصائرِ ،أنْ تَعْشُو عنه" كما يقولُ ابنُ القيِّم - رحمه الله - ولا عَجَبَ ،أنْ تَرى من الكُتّاب أو ممن يُحْسَبُون على "الإعلام " مَنْ أعْمَاه نُورُ الحقِّ فلا يَرى إلا في الظُّلْمَة! لأنَّه النّورُ بالنسبةِ لهُ! لأنَّ مَن حَمَل صِفَـة " الخفّاشيّة "لا يَرى في النّورِ ، بلْ في الظُّلْمَة ، والظَّلام نور بالنسبة له!!

لا عَجَبَ أنْ ترى بعضَ خفافيشِ الإعلامِ ،الذين شنُّو حملتَهم الشعواءَ الظالِمَةَ على نَقابةِ المُعلِّمين ،وبعضَ شُخوصِها ،يرى القوّةَ الكامنةَ فِي ضَعفِ هذا الكيانِ الوليدِ!!

أقولُ لهمْ :)وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون) ومعَ ذلكَ تَراهُ هيَ دِرعاً حصيناً! !ولا عَجبَ إن تَسَاقَط الذُّبَاب فيه ،فأحاطته العنكبوت بخيوطها!!لا ريبَ أنّ الذُّباب سَيَرى القوة في تلك الخيوط الواهية!!ا

الخفافيشُ يَبهرُها نورُ الشمسِ ؛فتختفي !وتأنسُ بالظُّلمَةِ ؛ فتفرَحُ وتطيرُ. وإنْ دلَّ هذا فإنَّما يَدلُّ على ضبابيةٍ في أفِكارهم!وخَفَّاشيّة في أبَصَارِهم !يُغالِطون أنفسَهم ويُغلِّطونَ غيرَهم ،حينَما يظنّون أنَّ شمسَ الحقيقةِ تَخْفَى !فحالُهم لَخصّها الشاعرُ العَربِيُّ قبَلَ حَوَالِي ألفَّ عَامٍ ، فِي بيتِ الشِعرِ المَشهورِ، والذِي أصبحَ مَثلاً يُضرَبُ :

ومَنْ يَصنَعُ المَعروفَ فِي غِيرِ أهْلِهِ لاقَي الذِيْ لَاقَى مُجيرُ أمِّ عَامِرِ

وإذَا كَانَ المَجالُ لا يتسعُ، لاستعراضِ القِصَّةِ كامِلةً ،والتِي أمْلَتْ علَى الشاعِرِ المَنكوبِ، أنْ يَصرخَ مُولولِاً فوقَ رأسِ ابنِ عمِّهِ بِهذا البَيتِ مِنْ هَولِ مَا رآه ،فهي تَحكِي عنْ قومٍ خرجوا للصيدِ في أحدِ الأيامِ الحارَّةِ ، فعَرَضتْ لَهمْ أمُّ عامرِ – ضَبعٌ - فطارَدُوهَا حتى ألجَؤوهَا إلى خِبَاءِ أعرابِيٍّ فاقــتَحَمَـتهُ ،وحينَ خرجَ الأعرابِيُّ إليْهم قالَ لَهم: ما شـأنُـكم ؟ قالوا : - صَيدُنَا وطريْدَتُنا .فقالَ :كَلاّ ، والذِي نفسِي بِيَدِهِ ،لا تَصِلون إليْها ما ثبتَ قائِمُ سَيْفِي بِيدِي, فرَجَعُوا وترَكُوه ,ثمَّ قامَ وقدّمَ لهَا الطعامَ والشرابَ ,فأكلتْ حتَّى شَبِعَتْ وشرِبَتْ حتَّى ارتَوتْ ,وبَينَا الأعرابِيُّ نائمٌ فِي بَيْتِهِ ,إذْ وَثَبَتْ علَيْهِ فبَقَرَتْ بَطنِهُ وأكلتْ قلْبَهُ وشرِبَتْ دَمَه ,وتَركتْهُ جُثةً هامِدةً ،فلَّما جَاءَ ابنُ عَمِّهِ ورَآه ،أنشدَ قائلاً:
ومن يصنع المَعروفَ فِى غيرِ أهلِهِ يُلاقِي الذِي لاقى مُجيرُ أمِّ عامِر
أدامَ لهَا حينَ استجارتْ بِقربِهِ لهَا مَحضُ ألبَــانِ اللقاحِ الغزائرِ
وأسمَنَهــا حتَّى إذا مَا تكامَلت فَرَتْهُ بِأنيابٍ لهَا وأظافـرِ
فقل لِذوى المعروفِ هذا جزاءُ مَنْ غَدا يَصنعُ المعروفَ في غير شاكرِ

فحالُ نقابتنا معَ أولئك الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم فضل معلمهم ،حال ذاكَ البدَويِّ ،الذي أجارَ الضبعَ - الملقبةَ عندَ العربِ بأمِّ عامرِ- ونَسَي فِي لحظةِ نكرانٍ للجميلِ ،ثمرةَ ما زرعَهُ فيهِ معلموه ومربوه ،الذينَ لقّنُوه الكثيرَ مِنْ حُبِّ طلبِ المَعرِفةِ وحبِّ أدواتِها ،التِي مِنْ أهَمِّهَا مَعرِفَةُ القراءةِ والكتابةِ ومسك القلم ، ولذلكَ لا يَترددُ فِي ردِّ الجميلِ عرفانًا مِنْهُ بقولهِ :
أعلِّمهُ الرِّماَيَةَ كُلَّ يوَمٍ ... فَلَمَّا اسْتَدَّ ساَعِدُهُ رَمَاني
وَكَمْ عَلَّمْتُهُ نَظْمَ الْقَوَافي ... فَلَمَّا قَال قَافِيَةً هَجَاني
أعلِّمهُ الْفُتُوَّةَ كُلَّ وَقْتٍ ... فَلَمَّا طَرَّ شارِبُهُ جَفَاني

لقدْ ابتُلِيَ هذا الوطنُ علَى مرِّ السَنواتِ بكثيرٍ مِمَّنْ يريد تفخيخَ العقولِ والقناعاتِ ،ويزعزع الثوابِتَ ويُشكِّكُ بها ،نسأل الله أن يُصلَحُهم ويَهديَهمْ ويُجيرنَا وإيّاهُم مِن شرِّهم وشرِّ غيرِهم .



تعليقات القراء

السوسنة السوداء
حرام يكونوا خفافيش
الخفافيش مفيدة وبتتصرف من نفسها
مش بتحاول توصل رسالة غيرها بدون تفكير
10-09-2014 04:58 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات