ستُقر التعديلات الدستورية .. ولكن ..


لا شك عندي أن التعديلات الدستورية المزمع إجراؤها ستقرها السلطة التشريعية وستمضي بالإجراءات الدستورية بعدما أقرها مجلس الوزراء الذي أرسلها لمجلس النواب والأعيان الذين سيقر كلٌ منهما هذه التعديلات وسيصادق عليها الملك وستنشر في الجريدة الرسمية وستكون نافذة في أقرب وقت، وإنني إذ أقول ذلك، فلا لأنني مطلع على الغيب، فلا يعلم الغيب إلا الله، ولكني أقول ذلك من خلال معرفتي بواقع حال مجلس النواب وحال مجلس الأعيان، فالأول (مجلس النواب) واقع حاله لا يمكنه من معارضة إرادة الحكومة والسلطة التنفيذية التي سبق وأن عملت على تهميش دور المؤسسة التشريعية لا سيما مؤسسة مجلس النواب وجعلته ملحقاً بالحكومة وينفذ إرادتها وإن بدت منه بعض المعارضة الفردية من هنا أو هناك، وقد نجحت الحكومة بهذا العمل من خلال فرض إرادتها في القوانين الناظمة للحياة السياسية لا سيما قانون الانتخاب الذي تم إعداده بطريقة مدروسة جيداً بحيث لا يفرز إلا مجلس نواب أعضاؤه فرادى لا رابط بينهم إلا الزمالة النيابية وإن تكتلوا فكتلهم هشة قائمة على العلاقات الشخصية والمصالح الآنية، وهذه الكتل لا تجمع على التصويت على أي عمل أو قرار من قرارات المجلس، وأما الثاني (مجلس الأعيان) فهو معين من قبل السلطة التنفيذية وقراره في النهاية لن يخرج عن إرادة الحكومة.

وفي موضوع هذه التعديلات،، لقد دافعت الحكومة ورئيسها عنها، وهو الذي اعتبر أن هذه التعديلات جاءت تنفيذا لرؤى جلالة الملك الإصلاحية، وخطوة إلى الأمام على طريق العملية الإصلاحية المستمرة وهذا ما أكده في كلامه في جلسة مجلس النواب المنعقدة بتاريخ (19-8-20014) بقوله: (أنه لا يوجد أي سبب للتعديلات إلا الرقي بالعملية الديمقراطية وخطوة واسعة للأمام).... وبيَّن أن الأسباب الموجبة للتعديل هي: (لتوسيع صلاحيات الهيئة المستقلة للانتخاب وتمكينها من ادارة انتخابات عامة بما في ذلك الانتخابات النيابية والبلدية ولمنح مجلس الوزراء صلاحية تكليف الهيئة بإدارة او الاشراف على اي انتخابات اخرى وبناء على طلب الجهة المعنية، ولتعزيز حياد واستقلالية القوات المسلحة الاردنية والمخابرات العامة وعدم تأثيرهما في السياسة) وهنا لنا جميعا أن نسأل: هل هذه التعديلات الدستورية ترتقي بالعملية الديمقراطية في الأردن وتعتبر خطوة واسعة للأمام كما وصفها عراب هذه التعديلات رئيس الوزراء عبدالله النسور؟؟ وجواباً على هذا السؤال ستتباين الآراء ولكل مجتهدٍ نصيب...

وبصفتي محامياً ومشتغل بالقانون وبمعرفتي المتواضعة في علم السياسية وأنظمة الحكم الديمقراطية والقانون الدستوري سأقدم رأيي على النحو التالي:

أولاً: بخصوص تعديل الفقرة (2) من المادة (67) من الدستور وبمقتضى هذا التعديل (تنشأ بقانون هيئة مستقلة تدير الانتخابات النيابية والبلدية واي انتخابات عامة وفقا لأحكام القانون، ولمجلس الوزراء تكليف الهيئة المستقلة بإدارة اي انتخابات اخرى او الاشراف عليها بناء على طلب الجهة المخولة قانونا بإجراء تلك الانتخابات).

إن هذا التعديل من حيث الشكل يعتبر جيداً ووردياً، لكنه لا يعالج مشكلة أساسية تعاني منها الهيئة المستقلة للانتخاب، وهي طريقة تعيين مجلس مفوضيها (رأس هرم الهيئة)، فتعينهم يتم بقرار من السلطة التنفيذية، فكيف تكون الهيئة مستقلة ورأس هرمها الإداري تعينه وإرادته مرهونة بالسلطة التنفيذية والحكومة، فعن أي إصلاح للهيئة المستقلة للانتخاب يتحدث رئيس وزرائنا، ورأس هذه الهيئة مرهون بيد حكومته والحكومات من بعده؟! فعن أي رقي ديمقراطي يتحدث هذا الرئيس وعن أي إصلاح؟! وهل هكذا تنفذ رؤى جلالة الملك بالإصلاح؟؟؟!!! لو أردت الإصلاح يا رئيسنا لعدلت الطريقة التي يتم فيها اختيار مجلس مفوضي الهيئة بحيث تتم بالانتخاب العام أو الخاص لتتحقق استقلاليتهم وحيادهم ولا يبقون رهن الحكومات، ومشكوك في استقلاليتهم وحيادهم.

ولرئيس الوزراء أقول: نعم ستتوسع صلاحيات الهيئة المستقلة للانتخاب وستتمكن من ادارة الانتخابات العامة بما في ذلك الانتخابات النيابية والبلدية وسيمنح مجلس الوزراء صلاحية تكليف الهيئة بإدارة او الاشراف على اي انتخابات اخرى وبناء على طلب الجهة المعنية، ولكن سيبقى مجلس مفوضي الهيئة المستقلة (رأس الهرم الاداري) مرهون بإرادة الحكومة ومجلس الوزراء ومشكوك في حياده واستقلاله وهذا الأمر ما يجب إصلاحه أولاً إذا ما أردت أن ترتقي الديمقراطية في الأردن.

ثانياً: وأما بخصوص تعديل المادة (127) من الدستور والذي بمقتضاه وعلى الرغم مما ورد في المادة 40 من الدستور، سيتم تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات بقرار من الملك، أي أن الملك سيكون له وحده حق تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات، بدون تنسيب من قبل رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين، والوزير المختص في هذه الحالة هو وزير الدفاع، فهل هذا التعديل سيرقى بالديمقراطية في الأردن وهل يعتبر خطوة إلى الأمام على طريق العملية الإصلاحية وهل سيعمل على تعزيز حياد واستقلالية القوات المسلحة الاردنية والمخابرات العامة وعدم تأثيرهما في السياسة؟؟؟

وجوابي وتعليقي على هذه التساؤلات على النحو التالي:
1- يا دولة الرئيس، إذا كان هذا التعديل سيعمل على تعزيز حياد واستقلالية القوات المسلحة الاردنية والمخابرات العامة وعدم تأثيرهما وتأثرهما بالتبادل في السياسة، فما بال حياد واستقلالية قوات الأمن العام، وقوات الدرك، وقوات الدفاع المدني وتأثيرها وتأثرها بالتبادل في السياسة؟؟؟!!! لماذا لم تعمل على تعزيز حيادها واستقلاليتها وتأثيرها وتأثرها بالتبادل في السياسة؟؟؟!!! لماذا لم تجعل الملك وحده حق تعيين مدير الأمن العام وقائد قوات الدرك ومدير الدفاع المدني؟؟؟!!! أم هؤلاء مسموح لهم أن لا يكونوا محايدين ومستقلين ويجوز لهم التأثير والتأثر بالسياسة؟؟؟!!!

يا دولة الرئيس، إن ما سقته من أسباب موجبة لتعديل هذا النص غير منطقي وغير متناسق مع مقتضى التعديل.

2- يا دولة الرئيس، إن المبادئ والقواعد القانونية تقضي أنه (أينما تكون السلطة تكون المسؤولية)، وقد جعلت يا دولة الرئيس الملك بهذا التعديل صاحب سلطة مطلقة بتعيين قائد الجيش ومدير المخابرات، فمن سيسأل الملك عن سلطته بهذه التعيينات في حين أن الدستور في المادة (30) يقضي بأن الملك هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية، لأن السلطة التنفيذية تناط بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام الدستور بموجب المادة (26) منه، كما تقضي المادة (51) من الدستور أن رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون امام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة كما ان كل وزير مسؤول امام مجلس النواب عن اعمال وزارته، ولمجلس النواب طرح الثقة بالوزارة أو أي وزير بموجب المادتين (53 و 54) من الدستور.

وبناءا على هذه النصوص ومن خلالها يتضح أن للملك سلطة مطلقة بتعيين رئيس الوزراء، وله سلطة بتعيين الوزراء بناءا على تنسيب رئيس الوزراء، ولكن الملك لا يسأل عن هذه السلطة لأن رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون مسؤولية مشتركة أمام مجلس النواب وله الحق بطرح الثقة بالوزارة أو أي وزير، فلماذا يا دولة الرئيس لم تضيف نصاً يجعل قائد الجيش ومدير المخابرات مسؤولون أمام مجلس النواب وتجعل له الحق بطرح الثقة بهما أو أحدهما، لتجنب الملك مسؤولية السلطة التي جعلتها بيده، وإن لم تفعل ذلك فلن يكون للمادة (30) من الدستور أية قيمة وستكون هذه المادة خارج المنطق القانوني والتشريعي والفقهي، وستجعل الناقدين القانونيين يسخرون من هذا التعديل على هذا النحو ويسخرون من هكذا ديمقراطية.

3- يا دولة الرئيس، لقد بيَّن فقهاء القانون الدستوري والعلوم السياسية والنظم السياسية أن للديمقراطية النيابية (وهي التي الديمقراطية الت تبنتها الأمة في الدستور الأردني منذ نشأة المملكة) ستة أركان، الأول، ممارسة البرلمان لسلطة فعلية، والثاني، توقيت عضوية البرلمان بفترة معينة، والثالث، استقلال البرلمان أثناء مدة نيابته عن هيئة الناخبين، والرابع، النائب يمثل الأمة جميعها في البرلمان وليس دائرته الانتخابية فقط، والخامس رئيس دولة لا يتولى السلطة بنفسه ولكن من خلال وزرائه ولهذا فهو مصون وغير مسؤول عن أعمال الحكومة، والسادس الحكومة والوزراء مسؤولون أمام البرلمان.

وبناءا على هذا أرجو العلم أننا بموجب هذا التعديل وعلى هذا النحو نكون قد غيرنا في بنية نظام الحكم في المملكة وهذا يقضي بإجراء مزيد من التعديلات في النصوص الدستورية التي تبني أحكام النظام السياسي والسلطات والاختصاصات والمسؤوليات، وفي مقدمتها المادة الأولى في الدستور التي تقضي بأن نظام الحكم في المملكة نيابي ملكي وراثي، والمادة (30)، وغيرها من المواد.

وأخيراً نقول إذا كان هدف الساسة من هذه التعديلات هو (تعزيز حياد واستقلالية القوات المسلحة الاردنية والمخابرات العامة وعدم تأثيرهما وتأثرهما في السياسة) كما زعموا، فهدفهم لن يتحقق ولكن سيوجدون دولة فوق الدولة وسلطة فوق سلطات الدولة وهذا ما ينذر بالخطر على المملكة الأردنية الهاشمية.

حمى الله الأردن من أعدائه وبعض ساسته وحفظه من كل سوء ... والله خير حافظا وهو ولي التوفيق.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات