أسبابُ النّصر ..


إنّ أسباب عزّة الأمة وتمكينها وأمنها قد جاءت في كتاب الله – عز وجل – بيّنة قاطعة لأي جدل أو نقاش ؛ فقال - تبارك في علاه - : { وعدَ اللهُ الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرضِ كما استخلفَ الذين من قبْلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم مِن بعدِ خوفِهم أمناً يعبدونني لا يُشركون بي شيئاً ومَن كفرَ بَعد ذلك فأولئك هم الفاسقون }

فوعدُ الله - تعالى - بالتمكين والأمن يترتب على الإيمان والعمل الصالح ؛ وقد وردت آيات كثيرة في كتاب الله - عز وجل - اقترن فيها ذكر الإيمان مع العمل الصالح مما يدل على أنهما متلازمان لا ينفكان عن بعضهما ؛ العمل الصالح مصدق للإيمان ، والإيمان لازم لقبول العمل الصالح ، قال ابن القيم - رحمه الله – في كتابه ( بدائع الفوائد ) : " مَن تأمَّل الشريعة في مقاصدها ومواردها عَلِم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب ، وأنها لا تنفع بدونها ، وأنّ أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح ، وهل يُميَّز المؤمن من المنافق إلَّا بما في قلب كل واحد منهما ؟ ".

والإيمان والعمل الصالح له ثمرات عظيمة ؛ فإضافة لكونِهما شرط التمكين والأمن للأمة ؛ فهما سبب السعادة والاطمئنان ، والحياة الطيبة والفلاح ، ثمّ يوم القيامة النجاة من النار ودخول جنة العزيز الغفار .

{ من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون }
{ ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً }
{ وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً }
{ فأما من تاب وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين }
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية}
{ وإما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين }
{ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيماً }
{ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله انه لا يحب الكافرين }
{ أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض }
{ إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات فلهم اجر غير ممنون }
{ إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }

ولست هنا بصدد البحث في ماهية الإيمان وتلازمه مع الأعمال الصالحة ؛ فقد أفاض العلماء من أهل السنة في بحثه وتفصيل مسائله ، ولشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كتاب مستقل سمّاه (الإيمان ) فيه كثير من المباحث والتأصيل ؛ يكفينا أن نعلم ما للإيمان والعمل الصالح من عظيم الأثر في حياة الأمة .
فإذا كان هذا شأن شرط التمكين للأمة وعزّتها ومنعتها وأمنها - وبمعنى آخر مختصر: ( رِفعة الأمة ) - ؛ وجب تحصيله وتوفيره وطلب كماله ؛ فإذا تخلفنا عن هذا الشرط ؛ تخلّف عنا وعد الله تعالى بمقدار ذلك التخلف ، وظهر ( الفساد ) الذي هو ضد ( الصلاح ) !
قال تعالى : { ظهرَ الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ليُذيقهم بعضَ الذي عملوا لعلّهم يرجعون

قال الإمام الشوكاني في تفسيره المسمى ( فتح القدير ) : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ؛ بيّن - سبحانه - أن الشرك والمعاصي سبب لظهور الفساد في العالم ..
ثم قال : واختُلف في معنى ظهور الفساد المذكور ، فقيل : هو القحط وعدم النبات ، ونقصان الرزق ، وكثرة الخوف ونحو ذلك ..

ثم ذكر أقوالاً في معنى الفساد إلى أن قال : والظاهر من الآية ظهور ما يصحّ إطلاق اسم الفساد عليه سواء كان راجعاًإلى أفعال بني آدم من معاصيهم واقترافهم السيئات وتقاطعهم وتظالمهم وتقاتلهم ، أو راجعاً إلى ما هو من جهة الله - سبحانه - بسبب ذنوبهم كالقحط وكثرة الخوف والموتان ونقصان الزرائع ونقصان الثمار ..

قال القرطبي في تفسيره : وقيل : الفساد كساد الأسعار وقلة المعاش . وقيل : الفساد المعاصي وقطع السبيل والظلم ; أي صار هذا العمل مانعاً من الزرع والعمارات والتجارات ; والمعنى كله متقارب ..

{ ليذيقهم بعض الذي عملوا}
قال الشوكاني في تفسيره : اللام متعلقة بظهر ، وهي لام العلة أي : ليذيقهم عقاب بعض عملهم أو جزاء عملهم لعلهم يرجعون: عما هم فيه من المعاصي ويتوبون إلى الله ..

أأحدثكم عن المعاصي التي ظهرت بين الناس ؟! أنتم أغنياء عن ذلك : الشرك الأصغر من تعظيم القبور والمشاهد ، وإتيان العرافين وتصديقهم ، والغلو في الأولياء والصالحين ، والسحر والشعوذة ، ترك الصلاة ، ترك الزكاة ، الربا ، الزنا ، التبرج ، شرب الخمر ، القتل ، عقوق الوالدين ، الكذب والغش والخداع ، العصبية القبلية والتفاخر والكبر ، والتناحر وكثرة القتل ... !!

ماذا بقي من عرى الدين ؟ !

{ فهلْ إلى خُروجٍ مشن سبيل }

الجواب : إصلاح الناس ؛ بتربيتهم على الإسلام المصفّى من الشوائب والبدع والخرافات التي علقت به ؛ وتعليمهم (العقيدة الصحيحة ) وذلك لن يكون إلا بالعلم ؛ قال الله تعالى : { إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } .
ولنا أنْ نسأل - بعد هذا - : أين أصحاب ما يسمّى بـ (الإسلام السياسي )أو الحركيون والنُشطاء من هذه الأصول الشرعيّة ؟

يكفيني هنا ذكر كلام للشيخ عبد المالك الجزائري في كتابه ( مدارك النظر في السياسة ) حيث قال :
" .. فأكثر من تسمَّوا بأسماء حركات إسلامية قد اجتهدوا وجاء لسان حالهم يقول : إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بحكوماتهم !! ولا حول ولا قوة إلا بالله ، غاضين الطرف عن السيرة النبوية المفسرة لهذا البيان ، غافلين عن أنه لا عزّ لهم حتى يتحكم الدين في نفوسهم " .

فـ { اللهُ المُستعان }



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات