غزة وحيدة في مواجهة "إسرائيل"


للحديث عن العدوان "الإسرائيلي" على غزة عوامل مفصلية يمكن إجمالها بهذه العناويين:

أولاً: الأنظمة العربية
أستغرب أحيانا من مدى خيبة الأمل التي يعبر عنها البعض بسبب تخاذل الأنظمة العربية عن نصرة غزة، فخيبة الأمل هذه تعني أنهم كانوا يأملون شيئا من هذه الأنظمة، وهذا يعكس موقفاً عاطفياً غائباً أو شبه غائب عن الواقع، هذا الواقع الذي يقول أن كل الأنظمة العربية بلا استثناء مكبلة بقيود لا تسمح لها إلا أن تكون خادمة لرغبات "إسرائيل" وحريصة على أمنها وأمانها.

ثانياً: الشعب العربي
شعب يعيش الهزيمة بكل تفاصيلها، يعرف أنه يعاني من الجهل والتخلف ويدرك أن عقود من قمع الأنظمة واستبدادها وفساد مؤسسات الحكم الذي انسحب على كل مؤسسات المجتمع، أنتج أجيالا تعيش كل تناقضات التاريخ والحاضر، وتتأزم معضلاتها الحضارية جيلاً بعد جيل إلى أن وصلنا الآن إلى خلاصة الإنسان العربي المفصوم بين مشروعه الحضاري الذي يعده بسيادة العالم، وواقعه الحقيقي الذي يقول له أن أمته في ذيل الأمم، هذا الإنفصام بالضرورة إنعكس وينعكس في مظاهر كثيرة في سلوك الإنسان العربي، وبالتاكيد سيظهر جلياً في المواقف المفصلية المهمة كالعدوان "الاسرائيلي" على غزة الآن، والذي أفرز حالة من الغضب غير الموجه باتجاه "إسرائيل" بقدر ما هو موجه ضد حالة الهزيمة التي تعيشها الأمة.

ثالثاً: المقاومة الفلسطينية
لا أحد يملك حق تقييم المقاومة الفلسطينية كرجالٍ ونساءٍ منخرطين في الدفاع عن أرضهم ويناضلون من أجل استعادة حقوقهم السليبة، فأي تقييم يعني وقوف المقيم في موقف متعالي، وهذا بحد ذاته إهانة وتقليل من شأن المقاومة، ولا أحد يملك أن يكون له شأن في حضور المقاومة لأن رجالها هم من يحملون السلاح ويحملون أرواحهم على أكفهم معلنين استعدادهم في كل وقت وحين لتقديمها رخيصة في سبيل أرض فلسطين، فلا زود ولا مزاودة.

رابعاً: حماس
حماس كغيرها من الفصائل الفلسطينية تضم كوادر وقيادات، فالكوادر غير المنخرطة بعمل المكتب السياسي ينطبق عليها ما قلناه عن المقاومة الفلسطينية أعلاه، أما قيادتها فلنا عندها وقفة، فهذه القيادة انخرطت في لعبة السياسة بالتشارك مع الأنظمة العربية والإقليمية، فمن إيران وسوريا إلى تركيا وقطر يمكن التنقل وتبديل المواقف بمفهوم السياسة بكل يسر وسهولة، وتلعب قيادة حماس ومن خلفها القيادة الإخوانية دوراً سياسياً بامتياز تدعمه على الأرض المقاومة الفلسطينية التي باتت حماس قائدتها بلا منازع.
إن من الطبيعي لمن يلعب في ساحة السياسة أن يستغل أي ظرف لصالحه، ويسعى بكل جهده لأن يوظف كل معطيات الحالة لتخدم أجندته الخاصة، ومن الطبيعي أيضا في حالة حماس أن يسعى قادتها لاكتساب تلك القدسية التي يتمتع بها رجال المقاومة على الأرض، ولكن الحصافة تقتضي من المتابع أن لا يقع في هذا الخلط للأمور ويوقن أنه عند الإنخراط في لعبة السياسة فلا بد أن تسقط القدسية مهما كان مصدرها ومهما كانت ظروف المرحلة.

خامساً: مصر
تمكن الإخوان المسلمون في مصر من الوصول إلى الحكم واستمروا فيه لمدة سنة، وقد انتهى حكمهم على يد ضابط عسكري ساعٍ إلى السلطة ولا يملك من مؤهلات الحكم إلا بسطاره العسكري، وقد شكل عزل الإخوان عن السلطة في مصر ضربة قاسية لهذا التنظيم، وكان لا بد من طريقة للرد بعد الإستعانة بقوى الدعم الممثلة بقطر وتركيا (ولكل منهما مصلحته الخاصة التي نحن لسنا في صدد الحديث عنها)، وكان أفضل ما يمكن الرد من خلاله هو إحراج السلطة العسكرية الجديدة شعبيا من خلال عدوان "إسرائيلي" على غزة، ويحقق هذا العدوان أكثر من هدف في نفس الوقت كإحراج بقية الأنظمة العربية التي أيدت انقلاب السيسسي، وإرسال رسالة إلى أمريكا (التي يرى الإخوان أنها تخلت عنها) مفادها أن أمن إسرائيل لا يمكن أن يتحقق إلا مع الإخوان.

سادساً: "إسرائيل"
لا شك أن "إسرائيل" كيان محتل وهي لا تتوانى عن ارتكاب أبشع المجازر في سبيل الحفاظ على مكتسباتها المغتصبة، ولكن "إسرائيل" بحكم وضع حلفائها الغربيين تسعى إلى الحفاظ على هذه المكتسبات بأقل كمية ممكنة من الدم الفلسطيني المراق، رغم أنها تتمنى أن لا يبقى على وجه الأرض من يحمل في عروقه هذا الدم، فصور القتل والتدمير تحرج موقف حلفائها أمام العالم، وهو أمر لا بد أن تراعيه، ومن هنا فإن استهداف "إسرائيل" للمقاومة الفلسطينية أخذ شكل حصار تام على شعب غزة، الأمر الذي وضع هذا الشعب تحت ظروف حياتية لا يمكن أن تمت للإنسانية بصلة، وكانت "إسرائيل" وما زالت تتمنى أن لا تجر إلى معركة حربية، وأن يستمر هذا الحصار إلى أن تستسلم المقاومة وترضح لإرادتها.

سابعاً: العدوان على غزة
عندما تعتدي "إسرائيل" فإنها تمارس العدوان بكل ما عرف عنها تاريخياً من حقد وتجرد تام من أي معيار خلقي وإنساني، وهذا معروف لجميع الأطراف وأولها حماس، ولو تسائلنا: لماذا جرت حماس "إسرائيل" إلى هذا العدوان؟ فقد يبدو السؤال ساذجاً لأنه بعد أكثر من ثماني سنوات من الحصار هل من مبرر للإنتظار؟ وإن تسائلنا: لماذا انتظرت حماس كل هذه المدة؟ قد يكون الجواب الطبيعي هو أنها أعطت فرصة للحلول السلمية كما أنها انتظرت حتى تستكمل عدتها واستعدادها للمعركة، ولكن يبقى السؤال لماذا لم تبدأ حماس معركة فك الحصار قبل عدة أشهر من الان، وبالتحديد عندما كان الإخوان في مصر يمسكون بالسلطة حيث كان من المفروض أن يوفر ذلك ظروفاً أفضل للمقاومين؟
الجواب على هذا السؤال بسيط جداً إذا استبعدنا أي جانب عاطفي في البحث، فحماس والإخوان لم يكونا ليحرجا نفسيهما من خلال جر "إسرائيل" لعدوان جديد على غزة، إذ أن حكام مصر الإخوانيين يدركون تماماً أن ليس من مصلحتهم مواجهة "إسرائيل" وأن أي عدوان على غزة سيفضح موقفهم تحت ضغط شعبي يطالبهم بالتدخل لصالح المقاومة، وهو أمر سيكونوا عاجزين عنه تماماً.

ثامناً: ... وأخيراً....
عاشت غزة وتعيش تحت حصارٍ قاتل، وتعرضت لأكثر من عدوان همجي "إسرائيلي" قد لا يكون هذا العدوان آخرها، وخلال سنوات الحصار لم يقم أي أحد بعمل اي شيء لصالح أهل غزة الذين وصلوا إلى مرحلة تساوى فيها عندهم الموت مع الحياة، وهم لا يملكون إلا صمودهم ورجال المقاومة الشرفاء المستعدين دوماُ لافتداء الأرض بالدم، ولكن معطيات الواقع تقول - وللأسف - أن هؤلاء الرجال لا يمتلكون من العدة والعتاد ما يكافئ آلة "إسرائيل" الحربية، ورغم أن بطولاتهم التي لا ينكرها أحد وإيمانهم بعدالة قضيتهم قد تكون عاملاً حاسماً في مواجهة هذه الآلة المنظمة، إلا أن هناك ذراع ضعيف للمقاومة تجيد "إسرائيل" استخدامه بما عرف عنها من نذالة في إدارتها للمعارك، ألا وهو المدنيين والذين أوقعت "إسرائيل" في صفوفهم خسائر جسيمة دون أن تتمكن المقاومة من منع هذه الجريمة "الإسرائلية" بحقهم.
أمام هذا الواقع إلى متى يمكن لحماس أن تستمر في موقفها المتصلب تجاه أي فرصة لوقف شلال الدم مستغلة عزيمة رجال المقاومة التي لا تلين وإصرارهم المبدئي على القتال حتى آخر مقاوم فيهم؟ فالموضوع الآن ليس خياراً أمام المقاتلين في الميدان، كما يحلو للبعض أن يصور الأمر، فهؤلاء خيارهم واضح وهو لا بديل عن المقاومة، وإنما الموضوع هو خيار سياسي تتخذه قيادة حماس يأخذ بعين الإعتبار مصلحة الشعب الفلسطيني أولا وأخيراً وبعيداُ عن أي تجاذبات سياسية تفرضها الظروف العربية والإقليمية الراهنة، وإن كان قدر فلسطين أن تدفع ثمن هزيمة العرب وعمالات أنظمتهم السياسية فهذه فرصة حماس الآن لتثبت عودتها لصف الشعب الفلسطيني وتخليها عن الجري وراء أنظمة وتنظيمات لا هم لها إلا لعبة الكراسي وجر الأمة بالتالي إلى مزيد من الانكسارات.



تعليقات القراء

عليوه
غزة ليست وحيدة فمعها محور المقاومة وكل شرفاء العرب والمسلمين واخرار العالم وقد اعد مجاهدو وشعب غزة العدة لهذا اليوم والنصر للمقاومة ان شاء الله
رد بواسطة السوسنة
وحيدة في مواجهة اسرائيل وامريكا وبعض العرب المتصهينة
31-07-2014 09:19 PM
اسوووول
الله يعطيك العافية دكتور على هاد المقال .. يا ابن الكورة
01-08-2014 02:21 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات