الوطن بين ناهبي ثروته وسارقي ثورته


الوطن هو قطعة الارض وما يعيش فوقها من انسان ونبات وحيوان وجماد وما هو مخزون بداخلها من ثروات بحالتها الصلبة والسائلة أوالغازية وهو جميع المشاعر الكامنة والظاهرة في صدر الانسان وعلى لسانه وهو العادات والتقاليد والمعتقدات والبيئة أي هو الزمان والمكان والحياة .

لذلك لا يجوز لأيِّ منّا ان يزايد على غيره في حب الوطن او رعايته لأنّ كل فرد جزء من هذا الوطن له حقوق وعليه واجبات إلاّ العابدون والفاسدون فالمتعبّد شأنه بينه وبين ربّه والفاسد يلبّي رغبات الشيطان ولكلاهما ربُّ يعبده ومن الصعب تغييره .

أمّا الاوطان فيسيّرها قوانين وضعيّة في العادة تُستمدّ من الشرائع السماويّة التي تتّسم بالإصلاح والخير والسلام والفضيلة بما تحويه من مواد قانونيّة ناظمة لحياة الافراد ورادعة للمخطئين والمجرمين واصحاب الافعال الخادشة للحياء العام .

وثروة الاوطان هبة من الله لابناء الوطن جميعا سواء كانت هذه الثروات في باطن الارض كالبترول والذهب والغازواليورانيوم وغيرها او كانت فوق سطح الارض كالآثار والثروة الزراعيّة والحيوانيّة والامطار والثلوج وغيرها وكذلك اموال الخزينة العامّة وما حوت من نفائس ومجوهرات إضافة للمباني العامّة وممتلكات الدولة المختلفة ولا يحقُّ لأحد ان يتصرّف بهذه الثروات إلاّ بما يسمح به القانون وحسب الصلاحيّات الممنوحة به .
ولكنّنا في كثير من الاوطان العربية لا حظنا في السنوات الاخيرة اعتداءات صارخة على مقدّرات الوطن وثرواته من اراضي واشجار واموال بل وعلى قيم وعادات عاشت طويلا مع الوطن إضافة لسلب الكثير من حقوق الافراد واهمها حقّهم في الحياة الكريمة ومنها حريّة التعبير والوصول للمعلومة بسهولة والتمتّع بالديموقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة ومنها فرص التعليم والصحّة والعمل والتقاعد وتلك الحقوق هي من عناصر الوطن الذي نتغنّى به ليل نهار
ان سلب تلك الحقوق يعني انتهاك العناصر المكوّنة للوطن ومع تآكل هذه العناصر شيئا فشيئا يصبح هناك إحلال غريب مكان الاصيل ومع تعاقب ا لاجيال يصبح الافراد غرباء داخل وطنهم حتّى يحصل التكيّف بين المجتمع والافراد المقيمين فيه ليتشكّل وطنا جديدا بمقومات اخرى تناسب الزمان والعهد الجديد .
وفي السنوات الثلاث الاخيرة دخلت بعض الاوطان العربية في دوّامة ما يقال لها الثورات الداخليّة وبدأت بحراكات اجتماعيّة سلميّة وعلى مستويات بسيطة سرعان ما توسّعت وتشعّبت واصبحت على شكل صراعات مسلّحة بين جماعات من الداخل ودعم خارجي مقابل اجهزة النظام القائم في تلك الاوطان وذهب ضحيّتها حتّى الان مئات الالوف من القتلى والجرحى والمقعدين وقُتل وشُرّد وحوكم زعماء دول وما زالت الساحات العربيّة تشهد مزيدا من القتل والدمار وعيون الفرقاء جميعا على كرسي الحكم ولم يكن ابدا لإقامة شرع الله والعدالة والإصلاح في تلك الاوطان او لتأمين مزيدا من الرفاه للمواطنين .
وهكذا بدأت الثورات بحراكات نقيّة وانتهت لتحقيق مكاسب لفئة قليلة وقد تكون مأجورة وتصبح هذه الثورات وبالا على المواطنين كما كانت حركات إستقلال العديد من اوطان العرب في سنوات منتصف القرن الماضي حيث افرزت تلك الحركات فئة ثريّة قليلة العدد في كل وطن وشعبا فقيرا جائعا كما افرزت فئة فاسدة سرعان ما توسعت حتّى توسّدت في ضمائر معظمنا في معظم اوطاننا وباتت قلّة من الشعب الفقير هي المنتمية باخلاص وصدق لوطنها .
وبات الوطن غريبا تائها بين الباحثين عن الثروة والثوار الباحثين عن الزعامة والجاه أي انه بين من ينهب ثرواته ومن يسلب المعنى الحقيقي لثورته التي يُفترض ان تكون لرفاه مواطنيه .
حمى الله الاردن ارضا وشعبا وقيادة وابعد عنه كل الناهبين والسارقين ومتّعه بالرخاء .
احمد محمود سعيد
16 / 4 / 2014



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات