الزُعْبِي يَنْعَى البَرْلَمَانِ الأُرْدُنِيّ


يقولُ الرافعيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - : ( لا يُعذِّبُ فاقدَ الفضيلةِ شيءٌ , مِثْلُ رُؤيَتِها في غيره , وأنَّه لا يستطيعُ تحقيقَها في نَفْسِه ) .

تذكّرتُ هذهِ الكلماتِ الرائعةِ لأديبنا الكبيرِ , وأنا أتابع التصويتَ المُعيبَ والمُخجلَ على الثقة بالحكومة في مجلس الغُمَّة , وهم يمنحونها صكوك الغفران , لتأصيلها وتحصينها ضد الشعب ، فقلتُ : إنّ أصحابَ المنكرِ يألمون من أصحابِ الفضيلةِ , وهم يتربعون على عرش فضيلتهم .

المُراقِبُ للموقفِ الرسْمِيِّ ،وتعاطِيهِ معَ الحدثِ المهينِ سياسيًا للجريمة النكراء الذي أودت بحياة المواطن الأردني القاضي رائد زعيتر والذي تم تصفيته بدم بارد على يد جنود الاحتلال الصهيوني ينصّدِعُ قلبُهُ ،وهذا يشيرُ إلى هزليَّةِ الموقِفِ الرسمِيِّ وعدمِ ارتقائِهِ للمستوى الذي يتطلّبُه جسامَةَ الحدثِ ؛كونُه يَمَسُّ مباشرةً سيادة الدولة الأردنية.

لقد اتفق البرلمانَ والحكومةَ على توجيه صفعة موجعة لا للكيان الصهيوني ولكن للشعب، وهذا يضعُنا أمامَ الحجمِ الحقيقِيِّ للحكومةُ والنُوَّابِ ،الذِي يُثبِتُ بما لا يدعُ مجالاً للشكِّ ،بأنَّ النظامَ والحكومةَ وجميعَ الأذرُعِ والأجهزةِ هي من جاءَتْ بِهم ،وهي التي تقرِّرُ كيفَ تحركُهم وكيفَ توجههم.

المفروض في البرلماناتُ أن تمثلَ الشعوبَ ،ولكنَّ برلمانَنا الأردنيُّ عكسُ كلِّ برلماناتِ الدنيا ،فهو يُمثِّلً على الشَّعبِ ،ولا يُمثلً الشَّعبَ ،فهو إطارٌ أو بروازٌ للحكومةِ ،بل ديكورٌ للزينةِ ،وأعضاؤه دُمىً لتجميلِ ،وجهِ الحكومةِ الذي أفسده الدهر ،ألم يتحول النوَّاب إلى شخوصٍ (هلاميَّة) ؟! تلك التي عبَّر عنها الرسول – صلى الله عليه وسلم – بقوله ولكنكم غثاء ؟!].

إنَّ الفكرةَ الأساسيةَ أنَّ برلمانَنا تحولَ إلى زائدةٍ دوديةٍ للسلطةِ التنفيذيةِ،تحوَّلَ إلى مكانٍ تقضي فيه الحكومةُ حاجَتَها عندَ اللزومِ. أليستْ مهمةُ البرلمانِ البصمَ على مراسيمَ وقوانينَ تأتيهم جاهزةً من الحكومةِ.

نحن في وضعٍ لا يمكنُ أنْ نتحدثَ فيهِ عنْ برلمان( مُشَفَّر) جاءتْ به الحكومةُ واصطنعتهُ على عينِها "handmade" وبمقاسها ، فحوَّلتْ أعضاءَهُ من خدمةٍ للوطنِ إلى نقمةٍ على الوطنٍ ،برلمانٌ لا علاقةَ لهُ بالدفاع عن هيبة الوطن والمواطن ولا بالرقابةِ والتشريعِ ،له علاقةٌ بقولِ واحدٍ أنْ يقولَ : آمين ،لا لله ،وإنَّما للحكومةِ فقطْ ،هل يُوجَدُ برلمانٌ في هذا العالمِ لا يوجد فيه معارضة غيرُ البرلمانِ الأردنيِّ ؟ الكل فيه مُولاة !!إنهم أشبه ما يكون بفرقة أُوركسترا ،أو عازفي كمنجة في مجلس الشعب،يرفعون أيديهم دفعة واحدة،عندما يُعطيهم المايسترو[Maestro ]إشارةً البدء .

إنّنا في الأردنِّ نعانِي مِن مؤسسةٍ مريضةٍ،مريضةٍ بالتزويرِ،مريضةٍ بعدمِ القيامِ بصلاحياتِها ،مريضةٍ بالتغطيةِ على استبدادِ الحكوماتِ .

مؤشرات تؤكِّد أنَّ مَجلسنَا النيابِيَّ يعيشُ حالةَ موتٍ سريري ،بسببِ عجزِهِ عنْ تقديمِ أيِّ إشباعٍ ديمقراطيّ ،أو اقتصاديٍّ ،أو سياسي أو حتى مِنْ زَاوِيَةِ الكرامةِ الوطنيِّة ،وسيظلُّ في حالةِ نزاعٍ بينَ الموتِ السريري ،وتأخُّرِ مَرَاسِمِ الدَّفْنِ - مِمَّا سَيُبْقِي الأردنَّ في مُعَانَاةٍ ، وحالةِ احتقانٍ اجتماعيٍّ تنذر بالخطرِ،والذي حذَّرتُ مِنْهُ أكثرَ مِنْ مَرَّةٍ – أدعو الله - جلَّ وَعلا أنْ يكتبَ لمسيرةِ الوطنِ مزيدًا من المنَعَةِ ، والازدهارِ والخيرِ.

إنّنِي أنعَي إليكم البرلمانَ الأردنِيّ ولنْ أُصابَ بحالةٍ من الحزنِ لأنّنا فقدناهُ في سنِّ عطائِه وعزِّ شبابهِ ,ولن أشاركَ في تأبينهِ ولا حتّى في زيارةِ بيتِ العزاءِ - معذرةً يا برلماننا الأردنِيّ – لن يغضبَنِي لو آنّ إعلانَ نَعي البرلمانِ قد ذُكِر من ضِمنِ حسناتِهِ ،وانّهُ قضَى سنواتِ عُمُرِهِ في أعمالِ البرِّ والتقوى ،وسوفَ اعتبرُ ذلكَ نكتة سمجةً تحمَّلنَا مثلَها الكثيرَ ،لأنّ جميعَ موتانا اعتبارًا مِن السماسرةِ والحراميّةِ والسوكرجية وانتهاءً بالخونةِ كلّهم بدونِ استثناءٍ ،قضَوا أعمارَهم المديدةِ في أعمالِ البرِّ والتقوى ،وبالتالي فانَّ برلمانَنا العتيدِ والذي يَرى أعضاؤه أنّ الوقتَ غيرُ ملائم لاتخاذ قرارٍ مصيريٍّ يخصُّ الكرامة الوطنيّة أو لِما يتعرّضُ له الوطنُ من أخطارٍ جسامٍ تتهددُهُ وليس ضدَّ الهندِ أو الصينِ .

النكتةُ أو الكذبةُ في التاريخِ لا تستحقُّ فعلاً أنْ تبقَى على قيدِ الحياةِ , وبالتالي فإنَّ غيابَها هو اصدقُ ألفُ مرّةٍ من بقائِها على قيدِ الحياةِ ,وبالتالي فإنّ موتَها أفضلُ ألفَ مرةٍ من استمرارِها ,ونسيان مواقفِه هو العزاءُ لكلٍّ منّا عن مُمارستِه التي لمْ تسهمْ إلا في زيادةِ تغوُّلِ الحكومةِ واستقوائِها على الشعبِ ؛وفي الختامِ أقولُ عظَّم اللهُ أجرَكم وشكرَ اللهُ سعْيَكُم وجبرَ مصابُكم وأجزلَ عزاءَكم فَ [ كلُّ نفسٍ ذائِقةُ المَوتِ وإنَّمَا تُوفَونَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ]

Montaser1956@hotmail.com



تعليقات القراء

ابو صهيب
عظم الله اجرنا جميعا ... بهيك نواب .. والمشكلة بالفعل انهم شاطرين بالتمثيل واحنا مساكين بعض الاحيان بنروح ما نصدقهم .. حسبي الله ونعم الوكيل فيهم
28-03-2014 11:25 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات