تقسيم سوريا .. يحل الأزمة أم يفاقمها؟!


تحذيرات الملك عبدالله الثاني من تقسيم سوريا في مقابلة خاصة مع جريدة الحياة اللندنية يطرح تساؤلات عن حقيقة ذلك السيناريو الذي طالما تم تداوله في مناسبات عديدة، وتحديداً منذ تحول الانتفاضة السورية السلمية الى صراع مسلح، وتحول هذا الصراع الى حرب طائفية بعد ذلك، لا سيما بعد مشاركة آلاف المسلحين من عدة تنظيمات من كلا الطرفين ما حرق الأخضر واليابس في سوريا، وأثّر في العقد الاجتماعي للسوريين والتعايش المشترك بين الطوائف.

وأعتقد أن تحذيرات الملك عبدالله الثاني جاءت بناءاً على معلومات خطيرة وردت من الداخل السوري، أثارت تلك المخاوف مجدداً، تحديداً في هذه المرحلة من الصراع، وفي ظل تطورات ميدانية على الأرض، بدءاً من طرد عناصر المعارضة المسلحة من مناطق القلمون المحاذية للحدود اللبنانية، إنتهاءا بفتح جبهة الساحل معقل عائلة الأسد والطائفة العلوية، وذلك على أيد كتائب المعارضة، من جبهة النصرة وأنصار الشام وجيش شام الإسلام، وانضمام الجيش الحر لتلك المعارك، في معركة أطلقوا عليها "أمهات الشهداء" والتي أعلن عنها مؤخراً، ما يدل على طبيعة المرحلة القادمة، وما قد ينتج عنها من تداعيات وتحديات.

وفي الوقت الراهن تشير التطورات الأخيرة الى نشوء كيانات هشة، ففي مدينة الرقة تقيم داعش إمارتها الاسلامية، وفي منطقة الجزيرة وتحديداً القامشلي والحسكة أعلن عن إقامة إدارة مؤقتة للأكراد بقيادة حزب "PYD" الكردي، وفي الجنوب بمنطقة حواران لا زالت المعارك مستمرة، حيث سيطرت جبهة النصرة وبعض الكتائب التابعة للجيش الحر مؤخراً على مناطق ذات أهمية كسجن غرز المركزي وصوامع القمح في ريف درعا، وفي القلمون فرض النظام وحزب الله سيطرتهما على المنطقة، فيما تشتعل المعارك في ريف حماة، وسط سيطرة المعارضة على معبر كسب الحدودي آخر معاقل النظام على الحدود التركية من جهة الساحل في ريف اللاذقية.

دراسات كثيرة صدرت حول موضوع التقسيم، ناقشت الأسباب والتداعيات، بالاضافة الى إمكانية حصول ذلك، وحقيقة من يخدم! وإحدى تلك الدراسات صدرت عن معهد واشنطن للدراسات في عام 2012 توقعت أن يتحقق سيناريو شبيه بالنموذج العراقي، حيث نشأت مناطق خاضعة لسيطرة شبه مستقلة، وفي دراسة بحثية أخرى، تم تداول فكرة تقسيم سوريا على أسس طائفية باعتبارها وسيلة لانقاذ النظام السوري جزئيا، واستعادة السلام وحماية الأقلية العلوية من انتصار محتمل للسنة.

إلا أن تقسيم سوريا جغرافياً يبقى باعتقادي رهناً للتدخلات الخارجية، والإرادة الدولية وتحديداً الأطراف المشاركة والمستفيدة من الصراع ، فالحرب الطائفية في سوريا لا يمكن لعاقل إنكارها، فالجهة التي كانت وراء إشعال الفتنة كائناً من كانت قد نجحت، لكن يبقى السؤال حول قابلية تحقيق ذلك على المستوى الواقعي؟ وهل التقسيم سيكون الحل الأفضل للأزمة لوقف سفك الدماء وفرض الاستقرار؟ أم أن سيناريو التقسيم سيولد نتائج كارثية على سوريا وجيرانها! خاصة أنها محاطة بدول ذات تركيبة طائفية وعرقية، ففي لبنان تشهد منطقة طرابلس اشتباكات طائفية متقطعة أسفرت عن مقتل العشرات، بالإضافة الى تورط حزب الله في دعم النظام السوري، وفي العراق شهدت منطقة الأنبار ذات الغالبية السنية مناوشات طائفية بين حكومة المالكي والعشائر ، وفي تركيا هناك سيناريوهات محتملة كذلك، كمطالبة أكراد تركيا بحكم ذاتي خاصة أن حكومة أوردغان تواجه حالياً تحديات وهجوم حاد من معارضيها، إنتقالاً الى الأردن الذي يواجه أزمة ديمغرافية تتمثل بالأعداد الكبيرة من اللاجئين الذين فروا من بطش النظام، حيث فاقت أعدادهم في محافظة المفرق أعداد الأردنيين، مروراً بالأزمة الاقتصادية وشح الموارد.

ويبقى موضوع التقسيم من أسوأ السيناريوهات المطروحة، منذ تحول الأزمة السورية الى صراع مسلح حتى الآن، ويعيد للأذهان مشروع الشرق الأوسط الجديد، لكن بصبغة طائفية وبأدوات محلية مدعومة من أطراف أجنبية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات