لو كانتْ قِلَّةُ المَطرِ بِسببِ الذُنوبِ لكانَ الكُفّارُ أولَى بِهَا


تعالَوا بِنَا نبْتهِلُ إلى اللهِ سُبحانَهُ وتعالَى ،ونخاطبُهُ مِنْ أعماقِ قلوبٍ مؤمنةٍ بهِ قائِلين: الّلهُمَّ إنَّا لا نُمْطَرُ إلّا بفضلِكَ وإحسانِكَ وعدلِكَ لا بِعملِنَا ،الّلهمَّ لا تُعاقِبنَا لسوءِ أعمالِنا وللكثيرِ مِن مظاهرِ إعراضِنا ،ولكنْ أرِنا مِن ذاتِك العليِّةِ وجهَ الصفحِ ،أرِنَا وجهَ المغفِرةِ والإكرامِ ،فنسألكَ الّلهمَّ يا ودودُ يا ذا العرشِ المجيدِ يا فعَّالاً لِما تريدُ ،نسألُك بعزِّكَ الذي لا يُرامُ .وبمُلكِكَ الذي لا يُضامُ ،وبنوركِ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ،أنْ تُسقِنَا الغيثَ ولا تجعلْنا مِن القانِطين ،يا مغيثُ أغِثنا.يا مغيثُ أغِثنا.

سؤالٌ يتكررُ على كثيرٍ مِن الألسُنِ وهوَ: لِماذا تربِطون حبسَ الأمطارِ والابتلاءاتِ المتنوعةِ مثلَ :الزلازلِ والبراكين والفيضاناتِ والأعاصيرِ وغيرِها بالمعاصِي التي قدْ نتورطُ فيها؟ وها هي المجتمعاتُ الغربيّةُ غارقةٌ حتّى أُذنيْها في وحلِ المعاصِي والذنوبِ وفِي كلِّ مظاهرِ الانحرافِ والسوءِ ؛ومعَ ذلك فإنَّ نِعمَ اللهِ - عزَّ وجل - لا تنقطعُ عنهَا ،وإنّ قطرَ السماءِ على كلّ بقعةِ مِن بقاعها.

هذا هو السؤالُ ،فما الجوابُ؟! إن في الناسِ مَن يُخاطِبُهم اللهُ عزّ وجلّ - يطلبُ مِنهم التوقيعَ على ميثاقِ الإيمانِ بهِ والعبوديةِ لهُ فيقولُ:)يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) [يونس10] هذا خطابٌ للناسِ جميعاً يدعوهم فيهِ إلى التوقيعِ على ميثاقِ عبوديتهِ ومعرفتهِ. لا يطالبُهم بشيءٍ غيرهِ ،فإنْ وقَّعوا فمطالبون بعدَ ذلِك بالتنفيذِ وإنْ لمْ يوقِّعوا تركَهم وشأنَهم لعقابِهم الذِي ينتظرُهُم يومَ القيامةِ فاللهُ – عزَّ وجلَّ - لمْ يلتزمْ بمعاقبتِهم في الدّاِر الدنْيا وإنَّما التزمَ بمعاقبتِهم على عدمِ توقيعِهم صكَّ عبوديتِهم لهُ سُبحانَه وتعالى يومَ القيامةِ وهذا مِن أدَقِّ مظاهرِ عدالةِ اللهِ عزّ وجلّ.

قالَ تعالى { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } {196} وقدْ اخبرَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كمَا في صحيحِ مُسلم (أنَّ الدّنيا جنةُ الكفّارِ وأنَّها سجنُ المؤمنِ ) فمَا نراهُ مِن هطولِ أمطارٍ ومِن خُضرةٍ ومِن خيراتٍ في بعضِ البلدانِ الكافرةِ ،إنّما هو استدراجٌ منهُ سُبحانهُ وتعالى ،وهذا هو نعيمُهم في الدنيا ،لكنَّ مآلَهم إلى النّارِ ،نسألُ اللهَ العافِيةَ ،قالَ تعالى : [سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ] فقدْ يُملِي اللهُ سبحانَه للكفرةِ ،ويتابعُ عليهم النِّعَمَ مِن الأمطارِ وجريّ الأنهارِ وحصولِ الثِمارِ وغيرِ ذلكَ مِن النِّعم ؛ثمّ يأخذُهم إذا شاءَ أخذَ عزيزٍ مُقتدِرٍ.
وهناكَ مِن الناسِ مَن وَقَّعَ على هذا المِيثاقِ ،وهم نحنُ أمّةُ مُحمّدٍ – صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم – التي تتلوا كتابَ اللهِ آناءَ الليلِ وأطرافَ النهارِ ،فيخاطبنا اللهُ - عزّ وجلّ - بضرورةِ تطبيقِ مقتضياتِ الميثاقِ.
يقولُ لنا:(وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) [المائدة : 7].
يقولُ لنا الحقُّ سُبحَانه : لقدْ أصغيتُم إلى الميثاقِ الذي دعوتُكم إلى التوقيعِ عليهِ ،وقمتم بالتوقيعِ عليه عندما قلْتم:(سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) إذاً أنتُم مطالبون بالتطبيقِ ،قالَ الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) [المائدة : 1] أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ التي التزمْتُم بها.

ويقولُ لنا أيضاً:(وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [البقرة : 40]. أَوْفُواْ بِعَهْدِي الذي وقَّعْتُمْ عليه عندما قلْتم: آمنّا ،أُوفِ أنا بِعَهْدِي تُجاهكم ،بإرسالِ النّعمِ وحِمايتِكم مِن كلِّ سوءٍ ،وإعطائِي لكمْ الأجورَ التِي وعدتُكم بها.

ويقولُ لنا الحقُّ أيضا:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (الأنفال 27

معنَى خِيانَةِ المُؤمنِ للهِ ورسولِهِ ،هو أنْ يَضيعَ حقُّ اللهِ وحقُّ رسولِهِ في الأوامرِ والنواهِي ،فلا يَمتثِلُ لِما أمرَ به ولا يجتنبُ عمَّا نَهي عنهُ ،أو أنْ يُوالِي أعداءَ اللهِ ورسولهِ - صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ - ظاهرًا وباطنًا ،فكلُّ مَنْ فعلَ شيئًا مِن ذلكَ فهو خائنٌ للهِ ورسولهِ وأمانتِه ،والأماناتُ تعمُّ جميعَ ما يجبُ على المسلمِ مِن حقوقِ اللهِ - عزَّ وجلَّ - على عبادِهِ .

فهو سُبحانَه لا يقولُ لنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) إلا ليذكِّرنا بالعهدِ الذِي وقَّعنَا عليهِ تُجاهَ ربِّنا وخالِقِنا ،وليدعونَا إلى تنفيذِ هذا العَقدِ إنْ أعرَضنا بعدَ التوقيِعِ عَن الواجباتِ التِي وثاقنا اللهُ بها ،نستحقُّ عندئذٍ العقابَ في الدُنيا قبل يوم القيامة .

فهو سُبحانَه يؤدِّب عبادَه المُسلمِين ،إذا ما عصَوا أمرَه وخالفوا شرعَه ، فيعاقبَهم إذا شاءَ ،لينتهوا وليحذروا أسبابَ غضبِهِ ،فيمنعُ سبحانَه الفطرَ، كمَا منعَ ذلكَ جلَّ وعلا في عهدِ النبِيِّ - صلَّى الله عليهِ وسلَّم - وهو أصلحُ النّاسِ ،وعهدُه أصلحُ العهودِ ،وصحابتُهُ أصلحُ العِبادِ بعدَ الأنبياءِ ،ومعَ هذا ابتُلٌوا بالقحطِ والجدْبِ ،حتى طلبَ المسلمون مِن رسولِ اللهِ - صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم - أنْ يستغيثَ لهم فقالوا: يا رسولَ اللهِ ،هلكتْ الأموالٌ وانقطعتْ السبُلُ ،فادعُ اللهَ أنْ يُغيثَنا ،فاستغاثَ لهم في خطبةِ الجُمُعةِ ،ورفعَ يديهِ ،وقال":اللهمّ أغِثنا، اللهمّ أغِثنا، اللهمّ أغِثنا" فأنزلَ اللهُ المطرَ، وهو على المِنبَرِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - أنشأ الله سُبحانهُ سحابة ،ثمّ اتسعتْ فأمطرتْ فخرجَ الناسُ تهمُهم نفوسُهم مِن شِدَّةِ المطرِ ،فلم يزلْ المطرُ حتّى جاءَت الجُمُعة الأخرى ،فجاءوا إليهِ ،وقالوا: يا رسولَ الله هلكتْ الأموالُ ،وانقطعتْ السبلُ ،فادعُ اللهَ أنْ يُمسكَه عنّا، فضحِكَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، مِن ضعفِ بنِي آدمَ ،فرفعَ يديهِ ،وقالَ: "الَلهمّ حوالينا ولا علينا ،اللهمّ على الآكامِ والضِرابِ وبطونِ الأوديةِ ومنابتِ الشجر،قالَ أنسُ - رَضِيَ اللهُ عنهُ - الراوِي لهذا الحديثِ: فتمزَّقَ السحابُ في الحالِ ، وصارتْ المدينةُ فِي مِثل الجَوبَة.

فالمقصودُ أنّه ، صلّى الله عليه وسلّم ،وأصحابَه _ رضِي اللهُ _ عنهم أُصِيبوا بالجدْبِِ واستغاثوا ،وهم خيرُ الناسِ ،تعليماً مِن اللهِ - سبحانه - وتعالى لهم ،وتوجيهاً لهم ولغيرِهم ،إلى الضراعةِ إليهِ وسؤالِه عزّ وجلّ مِن فضلِهِ والتوبةِ إليهِ مِن تقصيرِهم وذنوبِهم ،لأنّ تنبيهَهُم بالجدْبِ ونحوهِ مِن المصائبِ ،توجيهٌ لهم إلى أسبابِ النجاةِ ،وليضْرَعوا إليهِ ،ولْيَعلموا أنّه هو الرزَّاق الفعّال لِما يريدُ ،فإذا لمْ يتوبوا ،فقدْ يُعاقبُهم اللهُ سبحانهُ ،بالجدْبِ والقحطِ وتسلّطِ الأعداءِ أو غيرِ ذلك مِن المصائبِ ،حتّى ينتهوا ويرجِعوا إلى اللهِ ،ويتوبوا إليهِ ،مصداقاً لقولهِ تعالى _: [وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ]



تعليقات القراء

ابو صهيب
كلامك على راسي يا شيخ ولك كل الاحترام والتقدير لكن والله يا شيخ نحن المسلمون معذبوب في الدنيا وسوف نعذب بالاخره وذلك جراء تصرفاتنا التي لا تنم على اننا مسلمون فنحن نغش ونكذب ونزني ونأكل الربى وكل شيء حرام نأتي به فلذلك الله عزوجل سيعذبنا بالدنيا والاخره على ما اقترفناه من معاصي وذنوب بينما اذا عملت مقارنه مع الكفره نعم هم يزنون ويأكلون الربى ولكن لا يكذبون ولا يغشون وصادقين في تعاملهم مع الناس وبالمقابل بعض المسلمون وهم كثر يتعامل بالكذب والدجل والنقاق والله سبحانه وتعالى لم يلعن في القرآن الكريم الا الكذابين .
22-02-2014 11:15 AM
فؤاد 1
الظلم ثم الظلم واخيرا الظلم فدولة الكفر تدوم ودولة الظلم هالكة لا محالة ولا تدوم
22-02-2014 09:30 PM
الى الشيخ
تفسر الامور على كيفك كل الامور على الارض تبين اننا مسلمين هويه .
23-02-2014 12:34 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات