المحكمة الدستورية وصلاحياتها؟


كثرت الدفوع التي قدمها المحامون في الدعاوي التي يترافعون بها أمام المحاكم وقد وصل جزء منها إلى محكمة التمييز وقررت وحتى تاريخه في حدود اطلاعي إحالة قضيتين للمحكمة الدستورية, تتعلق الأولى بعدم دستورية قانون المالكين والمستأجرين والثانية في عدم دستورية أحد مواد قانون التحكيم, كما أثيرت عدة دفوع بعدم دستورية عدد من القوانين لدى عدد من المحاكم بما فيها محاكم الاستئناف وانصبت هذه الدفوع على عدم دستورية قانون الانتخاب ولم تقم محاكم الاستئناف بالبت فيها حتى تاريخه وستقرر إما قبولها أو إحالتها لمحكمة التمييز للنظر بها من قبل هيئة مشكلة لهذه الغاية من ثلاثة قضاة من قضاتها وستقرر هذه الهيئة إما قبول هذا الدفع الذي ستنظره وإحالته للمحكمة الدستورية وإما أن تقرر رفضه.
وباستقراء اختصاصات المحكمة الدستورية, نجد أنها انحصرت بالنظر في الطعون المحولة إليها إما من محكمة التمييز و/أو من محكمة العدل العليا وذلك حسب واقع الحال وتنحصر هذه الطعون في عدم دستورية القوانين والأنظمة النافذة, وإلى جانب هذا الاختصاص تتولى المحكمة تفسير نصوص الدستور إذا طلب إليها ذلك من مجلس الوزراء أو من مجلس الأعيان أو مجلس الأعيان وفق الشروط المحددة بقانون المحكمة المذكورة وأصدرت المحكمة قرارين تفسيريين حتى تاريخه, الأول بخصوص اتفاقية امتياز التقطير السطحي للصخر الزيتي والثاني بخصوص جواز إصدار الحكومة الموازنة العامة بقانون مؤقت, كما أحال إليها مجلس النواب عدة طلبات لتفسير نص الدستور المتعلق بمحكمة أمن الدولة والثاني يتعلق بقانون التقاعد المدني وسيتبع ذلك طلبات عديدة.
وبمراجعة قانون المحكمة نجد أن رقابتها هي رقابة لاحقة على دستورية القوانين والأنظمة بعد البدء بتطبيقها ولا تمتد هذه الصلاحية إلى مشاريع القوانين والأنظمة, ولقد سبق لي وأن تطرقت في مقال لي تم نشره قبل التعديلات الدستورية والتي تم بالاستناد إليها إنشاء المحكمة الدستورية وعنوانه (المحكمة الدستورية ضرورة وليست ترفاً) وطالبت من خلاله بالإضافة إلى ما جاء بمشروع القانون الذي قمت بإعداده وأرسلته للحكومة آنذاك, أن تكون رقابة المحكمة الدستورية على مشروعات القوانين والأنطمة قبل إقرارها وذلك حتى نتفادى مخالفة التشريعات المذكورة للدستور مسبقاص وتكون مخالفة للدستور, وهذا من شأنه التخفيف على مجلس الأمة عند مناقشة مشاريع القوانين وكذلك الأمر على الحكومة عند مناقشة مشاريع الأنظمة سواء من حيث الجهد أو الوقت, وإن ما ذكرته منصوص عليه في قوانين

المحاكم الدستورية في دول عديدة من بينها جمهورية مصر العربية وخير مثال على ذلك ما قررته المحكمة الدستورية في مصر وذلك قبل عدم أيام عندما أعادت مشروع قانون الانتخاب إلى مجلس الشورى لإعادة النظر في عدد من مواده لمخالفتها للدستور, وأن من شأن ذلك تحقيق ما أشرت إليه لتوليد الاطمئنان لدى المشرع عند البدء بمناقشة أي مشروع يحال إليه من أنه غير مخالف للدستور وهذا يستدعي لتحقيق ذلك إعادة النظر في اختصاصات المحكمة الدستورية الواردة في الدستور, بحيث تمتد رقابتها على مشاريع القوانين والأنظمة للتأكد من عدم مخالفتها للدستور وهذا لا يتم إلا من خلال تعديل المادة (59/أ) من الدستور, وكما يوجد أسباب موجبة لتعديل عدد من مواد الدستور وإضافة مواد جديدة تعالج الحالات التي ظهرت قبل الانتخابات النيابية الأخيرة وبعدها والتي لم تكن مغطاة تشريعياً ومن بينها إحالة عدد من المرشحين للانتخابات النيابية للقضاء لمخالفتهم قانون الانتخاب وفوز عدد منهم بالانتخابات النيابية والتعديل فإن ذلك يتعين أن ينص على وقف المرشح الذي فاز بعضوية المجلس وأحيل للقضاء قبل إعلان نتيجة الانتخاب عن مباشرة عمله في المجلس لحين صدور حكم قضائي قطعي من المحكمة أو من النيابية العامة بمنع محاكمته, فإذا تقرر إعلان براءته أو منع محاكمته يقوم بممارسة عمله في مجلس النواب وأن هذا الاقتراح له موجباته ومبرراته, إذ ان الدستور خلا من أي نص صريح وواضح يتضمن كيفية التعامل مع هذه الحالات ولا مجال لتطبيق المبدأ الذي نص عليه الدستور من أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قطعي, حيث أن هذا المبدأ لا خلاف على تطبيقه على الأشخاص العاديين الذين لا يمارسون الواجبات والمهام التي يمارسها النائب, وفي غياب النصوص الواضحة التي تعالج هذه المسألة تفتح ابواب الاجتهاد والتفسير بخصوص مدى قانونية أعمال النواب المشار إليها أعلاه من عدمه وذلك إذا ما تقرر إدانتهم والتي يترتب عليها فقدان النائب لعضويته بالمجلس وتترك الجميع في حيرة وعدم اطمئنان ولقد أحسن المشرع صنعاً عندما اعتبر الأعمال النيابية التي يقوم بها النائب صحيحة إذا ما قررت محكمة الاستئناف إبطال عضويته, مع الإشارة إلى أن محكمة الاستئناف ملزمة بإصدار حكمها خلال مدة (30) يوماً, أما القضايا الأخرى مدار البحث فلا توجد مدة محددة لإصدار حكم فيها والتي قد تستغرق سنوات.
وأخيراً يمكن القول أن التشريعات لا يستحسن أن تصدر على عجل, إذ يتطلب قبل إصدارها دراسة الحاجة إلى إصدارها وبيان أسبابها وكيفية التعامل معها ووضع حلول لها من خلال نصوص تشريعية محكمة ومرنة وواضحة وتتسع لأية توقعات أو تنبؤات لأية حال مستقبلية وأن تستمر هذه التشريعات لمدة طويلة لا تطالها يد التعديل والتغيير بعد إصدارها بمدة قصيرة وهذا ما كشفه الواقع بخصوص التعديلات الدستورية الأخيرة التي ألزمت المحكمة الدستورية البت بالدعوى المحالة إليها خلال مدة (120) يوماً وألزمت محكمة الاستئناف بالبت في الطعون بصحة عضوية أي نائب خلال مدة (30) يوماً من تاريخ قيدها لديها وهذه المدد واختصاصات المحكمة الدستورية المشار إليها آنفاً تستدعي من المشرع التدخل السريع لتصويبها, وأضيف أن القوانين التي تصدر على قاعدة دستورية تكون جيدة, فإذا نالت رضا الناس وعلامة الرضا هي الاستقرار في التشريعات وأن ما يجعل التشريعات موضع احترام وإجلال الجميع لها هو تقادمها في الزمن وإن المواطن سرعان ما يهزأ بتلك القوانين متى رآهاه تتغير كل يوم.
إن قانون الانتخاب يحتاج إلى مراجعة شاملة ووافية وبمهنية عالية وحيادية من بينها زيادة عدد الأصوات المخصصة لكل ناخب وزيادة المقاعد المخصصة للدوائر العامة وإعادة النظر بتقسيمات الدوائر الانتخابية وغيرها بالإضافة إلى مراجعة النصوص المتعلقة بالطعن بقبول ترشيح أي عضو لأي مقعد نيابي والطعن في عدم صحة عضوية أي نائب لدى محاكم الاستئناف, بحيث تتوافق هذه النصوص مع قانون المحكمة الدستورية وتكون قابلة للتطبيق, إذ كيف يمكن التعامل مع حالة الطعن أمام محكمة الاستئناف بخصوص قبول طلب ترشيح أي من المرشحين في دائرة انتخابية إذا ما أثير دفع بعدم دستورية قانون الانتخاب وأمام نص قانون الانتخاب الذي يلزم المحكمة بالفصل بالاعتراض خلال مدة ثلاثة أيام, فإذا قررت المحكمة إحالة الدفع لمحكمة التمييز لتقرر قبوله بالإحالة للمحكمة الدستورية وإذا ما قررت الأخيرة إحالته للمحكمة الدستورية. في حين أن مجموع المدد المحددة بقانون المحكمة الدستورية لتصل إليها الدعوى من المحكمة التي أثير الطعن أمامها ومروراً بمحكمة التمييز وما يتخللها من تبادل لوائح تحتاج إلى مدة لا تقل عن (60) يوماً والمحكمة تصدر حكمها خلال مدة (120) يوماً, فكيف يمكن التعامل مع هذه الحالة إذا كان موعد الاقتراع قد حدد خلال مدة تقل عن تلك المدد أعلاه, وما الفائدة من الطعن الذي لم يصدر حكماً به قبل اليوم المحدد للانتخابات؟!.
وأخيراً إن ما ذكرته هو جزء يسير من العيوب التشريعية التي تعاني منها تشريعاتنا ويتحملها المواطن بما لها وما عليهاوأن هذه التشريعات يتعين تصويبها بما يحقق ويضمن تطبيقها على الجميع بكفاءة وعدالة وقد حان الوقت لتصويبها بأسرع وقت ممكن وبمهنية وحرفية عالية بعيدة عن المنافع, كما يتطلب إصدار تشريعات جديدة لتواكب حاجات الوطن والمواطن وعجلة التطور والتقدم والبناء, مع الإشارة إلى أن جلالة الملك قد أعلن في خطابه أمام مجلس الامة أنه لا يمانع من إدخال تعديلات على مواد الدستور والتي تقتضي المصلحة العليا تعديلها وترك الأبواب مشرعة أمام الحكومة ومجلس الأمة ليقوما بذلك مع التنويه أن ما أشرت إليه لا ينتقص من الجهد التشريعي الذي بُذل في إصدار التشريعات مدار البحث.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات