لماذا ازهر الربيع الاردني وما اثمر ؟


مؤسف ان يزهر الربيع الاردني ولا يثمر، وان يسفر الحراك الشعبي الذي ناهز السنتين عن 'اصلاحات' سياسية واقتصادية شكلية وتجميلية تستهدف تزوير الحقائق، وتمويه الوقائع، وذر الرماد في العيون.
بعد سنتين كاملتين من المظاهرات والاعتصامات والمسيرات والهتافات، عدنا اليوم الى العهد القديم والمربع الاول، فلا حققنا الاهداف التي توخيناها وناضلنا من اجلها، ولا ادخرنا الجهود والطاقات التي بذلناها ولكنها ضاعت سدى.
ولعل 'سؤال الساعة' الذي يطرح نفسه على كل كاتب ومراقب هو.. لماذا فشل الحراك في اصلاح النظام، فيما نجح النظام في احتواء الحراك؟؟
ليس من السهل الاجابة عن هذا السؤال المركزي الكبير، نظراً لما يتطلبه ذلك من غوص في عمق الوقائع والعلاقات والمعادلات الداخلية والخارجية.. ولكن لا بأس من المحاولة والمقاربة وتقصي العوامل والاسباب التي ادت الى هذه النتيجة المؤسفة والمجحفة، ليس بحق الشعب وحراكه المغدور والمهدور فحسب، بل بحق النظام ايضاً بعد ان اضاع فرصة تطوير ذاته، وتحسين ادائه وشروط بقائه، واجتراح اوسع توافق وطني وديموقراطي بين القمة والقاعدة، وفقاً لمعادلة.. لا غالب ولا مغلوب.
غير ان النظام الذي رأى في الحراك الشعبي تهديداً له وتطاولاً على سلطاته وصلاحياته، انهمك منذ اللحظة الاولى للحراك في العمل الدائب على اجهاضه، وشل فاعليته وتمزيق صفوفه.. تارة بالمواجهة السافرة، واخرى بالمناورة الماكرة، وثالثة بالتسويف ولالتفاف والتنازل التكتيكي كسباً للوقت، وامتصاصاً للغضبة الشعبية، وانحناءً مؤقتاً امام العاصفة، واسترضاءً للمحافل الامريكية والاوروبية الضاغطة لجهة مكافحة الفساد، واجراء اصلاحات سياسية ليبرالية وسطحية بغير مضمون وطني وقومي يمكن ان يخل بوضعية التطبيع والسلام مع اسرائيل.
يعلم النظام ان هذه العواصم الاجنبية سوف تدعمه، وتحرص على امنه واستقراره، وتجهد لمنع الاذى والفوضى 'الخلاقة' عنه ما دام ملتزماً بالصلح مع اسرائيل، ومتمسكاً باتفاقية وادي عربة وملحقاتها، ومتمتعاً برضا اللوبيهات اليهودية في العالم، وما ضغط هذه العواصم عليه لاجراء بعض الاصلاحات السياسية والاقتصادية، الا لغرض توطيد اركانه، واطالة عمره، وتعزيز نفوذه، كيما يقوى دوماً على القيام بدوره المركزي في الحفاظ على امن اسرائيل، باعتباره الاقرب جغرافياً لها والاطول حدوداً معها.
وعليه، فقد عجز النظام - او تعاجز - عن تلبية طموحات شعبه، وتغيير النخب التقليدية والمتكررة العاملة لديه، وقطع الطريق على اية حراكات او انتفاضات شعبية مقبلة ما زالت اسبابها قائمة ودواعيها متوفرة، ولم يتم اجتراح الحلول التوافقية المناسبة لها.
لكن النظام ليس المسؤول وحده عن اخفاق الحراك الشعبي في تحقيق مبتغاه، فهناك جماعة الاخوان المسلمين التي يمكن اعتبارها المسؤول الآخر عن هذا الاخفاق، نظراً لما تلبسها فجأة من غرور واستعلاء واستعجال، جراء النجاحات الانتخابية التي حققتها شقيقاتها الاخوانيات في تونس ومصر، والتفاهمات التي توصلت اليها هذه الجماعات مع لندن وواشنطن وبرلين وباريس، والدعم الهائل الذي تلقته من الدوحة واسطنبول والخرطوم.
بين عشية وضحاها انقلبت الجماعة الاخوانية في الاردن على تحالفاتها مع باقي قوى المعارضة، وانفردت بقيادة فعاليات الحراك ما امكنها ذلك، وانخرطت في المشروع الدولي للاخوان المسلمين على حساب المشروع الوطني الاردني، وافترقت عن معظم القوٌّى القومية واليسارية الاردنية حول الموقف من الازمة السورية، وهو ما ادى - بكل اسف - الى تقسيم الصفوف، وتضارب الجهود، وتباين الاجتهادات، وتبادل الاتهامات، واصابة الحراك الشعبي - بالتالي - في مقتل.
لولا تسرع الاخوان وتفردهم وتوهمهم بانهم باتوا قاب قوسين او ادنى من السلطة والحكم، لكان من الممكن، سنداً للعلاقة الودية والرفاقية التي جمعتهم مع باقي قوى المعارضة لاكثر من عشرين عاماً، تحييد الحراك الشعبي وابعاده عن الخلاف بشأن الازمة السورية، بل كان في المستطاع تقنين هذا الخلاف وتهذيبه والتوافق حوله، طبقاً للقاعدة التحالفية الحكيمة التي سبق ان اطلقها مؤسس الاخوان المسلمين، الشيخ حسن البنا وقال فيها.. 'ننفذ ما نتفق عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف حوله'.
يضاف الى كل ذلك، ان نمط الحكم الاخواني التسلطي والتعسفي المرتبك في مصر وتونس، قد انعكس سلبياً على مكانة وشعبية الحركة الاخوانية الاردنية، ودفع قطاعات واسعة من شباب الحراك الشعبي وقياداته الى مراجعة حساباتهم، واعادة النظر في مواقفهم وتحالفاتهم، مخافة ان يتكرر معهم ما سبق ان وقع لامثالهم من شباب الحراكات والانتفاضات الثورية في مصر وتونس الذين تقدموا الصفوف، واسقطوا مبارك وابن علي، ولكنهم سرعان ما وجدوا انفسهم على الهامش، وخرجوا من المولد بلا حمص، بعدما قفز الاخوان لركوب الموجة وتسلم دفة الحكم في هذين البلدين الشقيقين.
اما المسؤول الثالث عن انكسار الحراك الشعبي قبل بلوغ اهدافه في الاصلاح والتغيير والتحول الديموقراطي الجدي والجوهري، فهو الحراك ذاته، وما اعتوره من سلبيات ونقص خبرات وضعف قيادات واندساس عملاء ومزايدين، ثم ما تعرض له من خذلان النخب والاحزاب والنقابات التي اكتفت بالترحيب والمباركة دون الانخراط والمشاركة، فيما سارعت الدوائر الامنية والحكومية الى التصدي لهذا الحراك بكل ما اوتيت من وسائل البطش والدهاء والاحتواء والوقيعة والخديعة والالتفاف على المطالب والاهداف.
لقد بدأ الحراك قوياً ونقياً ومركزياً وشاملاً لجميع المواطنين دون تمييز او تفريق، ولكن تباعد النخب والقيادات المترفة في عمان عن فعالياته، ودخول بعض الاصوات العصبوية على خطوطه وتحركاته، وملاحقة الاجهزة الرسمية والاستخبارية لعناصره وكوادره ونشطائه، تسبب في استنزاف هذا الحراك، وفقدان زخمه ووحدته ومركزيته، وتشظي صفوفه تحت عناوين ومسميات مناطقية وعشائرية وحتى حاراتية متعددة.
ولكن.. هل انتهى الدرس، وانفض السامر ؟؟
كلا، بكل تأكيد، فالنار ما زالت تحت الرماد، ولكن اول شروط اشتعالها مجدداً يتمثل في استعادة وحدة قوى المعارضة واستئناف نضالاتها وفعالياتها، بعد عدول الحركة الاخوانية عن غرورها وتفردها وتباعدها، ومن ثم رجوعها للتغريد داخل السرب الجماعي التوافقي المعهود.. اذا كان ذلك ممكناً.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات