الوفاء عند الرجل كمفهومٍ واعتقادٍ  يختلف عنه عند المرأة ، فبعضُ الرجال يعتقدون أن الوفاء للزوجة لا يعني بالضرورة عدمَ التفكير في امرأة أخرى (زوجة ثانية) ، طالما بقيت أجنحة ُ المودّة والرحمة ترفرف في سماء بيت الزّوجيّة ، ويَقوى هذا الشعورُ حينما يغيّب الموتُ الزّوجة ، فالرجلُ هنا ـ وبمجرّد أن ينتهي من (دفن) رفيقة عمره ، وشريكة حياته ـ حتّى يبدأ التفكير بمن يحلّ محلّها ، وبل ويباشرُ على الفور بحديثِ ذاتٍ داخليّ متسائلا:كيف أبدأ مشروعي ؟ ومن من الناس سيتفهم حاجتي؟ الناس يلاحظون استغراق الرجل بالتفكير معتقدين أن وقع الصدمة كان عنيفا عليه ، فيبدؤون بتعزيته ومواساته ، بينما هو في الحقيقة  يطلق العنان لذاكرته باستحضار صور نساء عدّة في مرحلة بحث عن الأنسب منهنّ!

      هذا بالطبع إذا فقد زوجته فجأة وبلا مقدّمات مرضيّة ، أمّا إذا كان العكس ، أي مرضت زوجته مرضَ الموتِ وإن كان بطيئاً ،فإن الحال مختلفة تماماً ،فهو لا ينتظر حتى تُدفن زوجته ليعلن رغبته بالزواج أو يتأمل مَنْ مِنَ النساء أنسب له ، بل يكون قد عقد العزم ، ورتّب أموره مبكّراً ، وحتى يخفّف من نقد الناس له تراه يلجأ بتكلّفٍ ـ أحيانا ـ إلى ذكر مناقب الفقيدة ، وعظم الخسارة التي لحقت به ، لكنّه ليس بوسعه إلا التسليم لأمر الله ـ تعالى ـ 

      المرأة أمرها مختلف بشكل عام عن الرجل ، ففي حال مرض زوجها ،فإنها تسخّر كلّ إمكاناتها ووقتها لخدمته وتمريضه ، والتخفيف عنه ، حتّى إذا ما فارق هذه الحياة تجدها غرقت في بحر الحزن والكآبة حتى لا يرى لها سرور قطُّ إلا في مواطن نادرة وعلى استحياء أو تكلّف.أما إذا ما مات عنها زوجها بشكل مفاجئ ، فإن المصيبة تكون أعظم ، والفاجعة أكبر. والملاحظ أن المرأة التي يموت عنها زوجها وهي ما تزال شابة لا تختلف عن المرأة في سن متقدمة ، خاصّة إذا ما ترك لها الزوج أطفالا ، فإنها تكون حريصة على تربيتهم ورعايتهم وتعويضهم عما افتقدوه كأمّ  مسؤولة ، ووفاءً لزوجها الذي رحل ، علما  بأنّ زواج بعض النساء بعد رحيل أزواجهن لا يعني تماما انتفاء خلق الوفاء وتلاشيه ، بل هناك ما يفرض على المرأة اللجوء للزواج إعفافا لها وصونا وحماية . أما المرأة المطلقة فهي على الأغلب لا تحتفظ بأيّ مشاعر وفاء شبيهة تجاه طليقها، ما يعني أن موت الرجل أهون على المرأة من اقترانه بأخرى.

Kh.darabseh@yahoo.com