معارضة التسحيج .. انفصال ممنهج عن الواقع


المعارضة في كل دول العالم التي تحترم مشروعها تعتبر طريقا أخر للحب الاوطان، الا في بلادنا العربية التي تعتبر دربا للتخوين والعمالة والهدم.
في أمريكيا مثلا: يتصدر الحزب الديمقراطي مشهد ما يمكن تسميته "الموالاة " اليوم، في حين يقبع الحزب الجمهوري في خانة " المعارضة " لكن أي منهما لا يتهم الأخر بالعمالة للخارج أو تبني مشروع يهدم البلد. هذا ناتج عن احترام الأطراف كافة لبعضها البعض، لإيمانهم المطلق " بتداول السلطة " فمن هو معارض اليوم سيتحول إلى موالي في الغد، والعكس صحيح، إلى جانب اعتماد كل منهما لبرامج وطنية واضحة، لذا لا يقوم أي طرف باتهام الأخر !
أردنيا: الأمر يختلف فما يطلق عليه معارضة، هم بالنسبة للطرف الأخر " النظام " مشاريع للخراب والهدم، مع أن الواقع لا يقول ذلك، فالمعارضة في الأردن لا وجود لها، وهذه كذبة يتم تقديمها والترويج لها في الخارج، فالموجود ليس الا شخصيات بعدد اصابع اليد الوحدة قادرون على استثارة الشعب، من أجل امتصاص غضبهم، لكنهم حتما لا يوجهونه صوب الطريق الصحيح الذي يؤمن بالتشاركية المجتمعية لا الشخصنة والفردية المرتبطة بشخوص المعارضة لا برامجها.
لننظر مثلا إلى العديد من الاعتصامات والمظاهرات التي خرجت بها " بعض " أطياف المعارضة ستجدهم يسيطرون على كل شيء، من السماعة إلى السيارة إلى الشعارات إلى الخطابات إلى البيانات، وإن حاول البعض المشاركة في اعمالهم، فأن النتيجة تكون اخراجهم من دائرتهم، الحجة في ذلك تأتي وفق منطق " نقطة نظام " !
عودة إلى "المعارضة " التي قلنا أنها فردية تقوم على "شخص" أو تداولية تقوم على اشخاص تحيط بهم دائرة مغلقة لا تسمح بدخول الأخرين اليها. هؤلاء باتوا يشكلون عبئا على الشعب الذي اقترب من كشف زيف ادعاءاتهم، التي لا تختلف كثيرا عن اكاذيب النظام، لا بل هؤلاء يؤكدون مرة بعد مرة على خطوات النظام لاعتمادهم استراتيجيات المراقبة من بعيد دون التورط في المشاركة، لننظر إلى احداث ما سمي "هبة تشرين " التي تحرك بها الشعب الأردني عن بكرة أبيه، دون أن يدعم من المعارضة التي غابت واختبأت، وكأنهم يقولون : نوافق ضمنيا على خطوة الحكومة، لذا لن نتدخل في الامر، الامر تكرر في الاعتصام الذي اسقطه رئيس الجبهة الاردنية للإصلاح دولة أحمد عبيدات !
هذه الاساليب الاقصائية عملت على " انتفاض " بعض الشخصيات المعارضة لتخرج للعلن رافعة بيدها مبادرة "زمزم " لأنها كشفت اللعبة وخيوطها، لكن هذه لم تلاقي آذانا صاغية، بقدر ما لقت هجوم شنه "رحمها " الذي انفصلت عنه. من أجل هذا لابد العمل الجدي لإيجاد ارضيات تشاركية لإنتاج قوى معارضة لها برنامج واضحة، مرتبطة بالداخل غير مؤمنة بالخارج ومشاريعه، برنامج لا غموض فيها، يقصي كل المصابين المشبوهين، هذا أن أردنا فعليا إيجاد قوى مضادة قادرة على فرض شكل من أشكال التغير السياسي.
طبعا، لتطبيق هذا لابد من قواعد متفق عليها، تعتمد الحوار، تحترم كافة الاطراف بهدف التواصل والتنسيق فيما بينها بعيدا عن فرض الرؤى الفردية السلطوية، فالجميع شركاء في الوطن لا اجراء.
في الماضي نجحت لدولة في احتواء "المخالفين لها " خصوصا تيارات الاسلام السياسي، باعتماد اساليب الترضية اثبتت جدواها وفاعليتها، حمت البلد من مصائب اكيدة منذ عودة الحياة الديمقراطية عام 1989م. كما ظهر جليا في نتاج الانتخابات الاخيرة التي رفعت من شأن جزء من تيار اسلامي الخامل" الوسط " واسقطت جزء اخر، فقط لان الاخير رفض الانصياع لمطالب النظام " الاخوان "، لأنها وجدت فيه "معارضة لا جدوى منها " لا تلبي طموحاته، ومشاريعه.
فهل تمتلك المعارضة الأردنية اليوم مشروعا ديمقراطيا، أم تراها تؤمن بالأنموذج المصري الذي جاء إلى السلطة دون مشاريع أو برامج لتتعامل مع الوضع في الداخل وفق محاور كل يوم بيومه ، مع غياب استراتيجية حقيقية له، هذا اسهت في إيصال البلد غلى اتون اضطرابات لم تهدا نيرانها إلى الان.
الانتخابات الاخيرة جاءت عكس رغبة التيارات المعارضة، على الرغم من كل المصائب رافقت العملية، فمجلس النواب بات حقيقة والحكومة القادمة والتغيرات كلها ستاتي عكس رغباتهم، دون ان يقوى هؤلاء على تغير هذا الواقع، لا جراء ضعفهم، بل بسبب فرقتهم، وتحول الغالبية العظمى مجرد ظواهر صوتية تأخذهم نشوى الميكروفونات و "التسحيج " !
تجدر الإشارة إلى أن المعارضة الأردنية، تشبه حد كبير القوائم الوطنية، من حيث ايمنهما المطلق بضرورة الرفع المستميت للقائد "المعارض" و " المرشح " حتى إن تطلب الأمر اسقاط كل من يقف خلفهم ويدعمهم !
يخطي من يظن وجود معارضة في الأردن، يمكن الرهان عليها اليوم، لكن هذا لا يعني غياب " أفراد معارضين " أخذهم التنظير إلى حدود الانفصال عن الرأي العام الأردني !
لكن، ماذا لو توحدت المعارضات الفردية، تحت بند المعارضة واحدة، وخرجت بمشروع توافقي وطني، هل تحتمل الدولة هذا الأمر، وهل من الممكن اعتماد سياسات الاسترضاء والاحتواء ؟
وهل حقا يملك الأردن مخزون استراتيجي "معارض" يمكن الاستفادة منه وقت الحاجة، اترك الاجابة إلى شريط الأحداث وامكانية استعادتها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات