ما اجمل الاحزاب .. لو كان لها رجال ؟


تابعت على إحدى الفضائيات تحقيقاً حول توصل أطباء بريطانيين إلى تشخيص التشوهات التي قد تصيب الجنين وهو في بطن أمه، الطريف في الأمر ليس التشخيص في حد ذاته وإنما في قدرة هؤلاء الأطباء على إجراء عمليات جراحية لإستئصال تلك التشوهات وعلاجها للجنين وهو في الرحم بنسبة نجاح مدهشة، كما تناول نفس التحقيق أحدث طريقة في التوليد في الحالات المستعصية دون اللجوء إلى العمليات القيصرية, وما دامت أوروبا مُصّرة على اعانتنا - لله وفي سبيل الله- وما دامت قد أرسلت لنا فرقا لمراقبة الانتخابات والحملة الإنتخابية ما ضرها لو أرسلت لنا هذا الفريق المختص في جراحة تشوهات الأجنّة وهي في أرحام الأمهات أليست أحزابنا حُبلى بالديمقراطية المشوهة وفي أشد الحاجة إلى عمليات جراحية من هذا القبيل.
لسنا ضد تكوين الأحزاب وتكافؤ الفرص وحرية التعبير وإثراء الرأي السياسي في الإتجاه الذي يدعم المعارضة ويعزز دورها كقوة يمكن أن تكون بديلة عن الحكومات المعينة، لكن أليس من حقنا أن نرفع الصوت بالسخرية من كل الأحزاب وعدم الإكثراث بها عندما تصبح - رغم كثرة أعدادها - كالدخان الغائم تعصف الريح بسحابته؟ فالأردن لا يعاني من كثـرة الأحزاب رغم تناسلها بطريقة سريعة هذه الأيام، لكنه يعاني من قلة الرجال الذين يمكن أن يمثـّلوا في الحزب الذمّة والأمانة والضمير.
الأحزاب الإسلامية مجرمة في حق الدين والوطن، إذا لم يكن فيها رجال كأبي ذر الغفاري، يعلن رأيه في سياسة عمر بن الخطاب تأييداً وتعضيداً، ويرفع عقيدته بالإستنكار ضد معاوية لما رآه يشيّد لنفسه قصر الخضراء، ويُسخّر آلاف العمال في رفع قواعده أيام ولايته في الشام, والأحزاب الوطنية مجرمة في حق التاريخ والوطن، إذا لم يكن فيها رجل كغاندي.. رشيد، يعرف مصدر الداء، ويستعصي على أمواج الفتن كالربوة الشماء، وتحضره المنيّة، ونصيبه من الدنيا بيت صغير ومرض مهلك وإنفاق متواضع, والأحزاب الديمقراطية مجرمة في حق الديمقراطية والوطن، إذا لم يكن فيها رجل مثل تشرشل الذي قاد وطنه وشعبه إلى نصر كبير، ولما جاءت الإنتخابات اختار الشعب غيره, فلزم بيته بتواضع وترك لغيره فرصة الحكم واستكمال فصول الديمقراطية والنهضة الحرة... أقول ما أجمل الأحزاب لو كان لها رجال.
على هذا النحو، صار المواطن الأردني رهين مفارقات كبرى، فايجاد حلولاً لمشاكله اليومية المرهقة، وتحسين وضعه الإقتصادي أهم عنده من الإنتخابات البرلمانية, لتغيير تعاسته بحياة أفضل، بينما يبتغي سياسيون وحزبيون ومن معهم من مسؤولين انتخابات برلمانية للحصول على امتيازات لا يجدونها إلا تحت مظلة البرلمان، بينما تحسين الوضع الإقتصادي للمواطنين لا تمثل بالنسبة إليهم سوى عزف على وتر سينتهي مع انتهاء الإنتخابات.
وفي الوقت الذي '' تدحرجت '' فيه ثقافة التسيير والإهتمام بشؤون العامة، لدى رؤساء غالبية الأحزاب، مع العلم بأنهم لا يفقهون ما يشغل مواطنيهم ولا يعرفون حاجياتهم، حتى ان بعضهم لا يفقه ابجديات العمل السياسي ولا الحزبي, نما الشعور لدى المواطن بأن من يجب أن يُشتكي إليه مباشرة هو ولي الأمر بشخصه، فلا رئيس الوزراء ولا طاقمة الوزاري قادرين على حل مشكلة الوطن والمواطن, يقيناً منه بأن السلطة التنفيذية أبعد ما تكون مسؤولة عنه حتى في وطنه, وهذه مفارقة أخرى تتحمل مسؤوليتها الدولة، والواقع لا يحتاج إلى أدلة فأصبح المغلوبون على أمرهم يبحثون عن عنوان الديوان الملكي، وباتت احتجاجات فئات واسعة من المجتمع تتخذ من محيط الديوان مرتعاً لغضبها.
فأي انتخابات نيابية تتحدثون عنها... وأي حكومات برلمانية تنشدونها... في ضل الازدحام على الترشح في القوائم الوطنية او الدوائر المستقلة... متناسين ان كثرة الازدحام تعيق الحركة , والمواطن الأردني الواعي وما أكثرهم ... يعلم يقيناً أن هذه الإنتخابات ما هي إلا ذر للرماد في العيون... لإقناعه بأن هذه الإنتخابات ما هي إلا بداية الطريق نحو الإصلاح ... والمستقبل الواعد ... والحياة الديمقراطية المثالية ... والرخاء الإقتصادي .. الذي سيعم أرجاء الاردن كافة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات