مشاريع الآرمات التنموية


يسجل للحكومات الاردنية المتعاقبة منذ إستقلال المملكة في العام 1946 وحتى نهاية القرن العشرين أنها أسست لبنية تحتية جيدة في غالبية المناطق في الاردن، فأصبح لدينا شبكة طرق ممتازة وربط كهربائي يغطي كامل مساحة المملكة تقريبا وشبكة إتصالات حديثة وشبكة متطورة للإتصالات وصرف صحي ومياه نظيفة للشرب. أين المشكلة إذن في تباطوء أو حتى تراجع العملية التنموية في الأردن؟
لقد إنتهجت الحكومات النيوليبرالية في السنوات العشر الاخيرة نهجا مغايراً لما كان متبع منذ نشأة المملكة تمثل في الإبتعاد عن التخطيط المركزي وإيلاء مهمة التنمية لهيئات تنموية مستقلة منسلخة عن التنظيم الإداري المتبع في المملكة والمتمثل في المحافظات والبلديات التي تقدم فيها الوزارات الخدمة للمواطنين عن طريق المديريات مثل مديرية الصحة والأشغال وخلافها التي تعمل تحت مظلة المحافظة والبلديات المرتبطة بالمركز.
التنظيم الجديد المتمثل بالهيئات التنموية قد فك إرتباطها بوزارة التخطيط التي تحولت إلى محفظة مالية وعزلها عن التنظيم الإداري المقيد بالقوانين والأنظمة النافذة مثل قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية وأنظمة البناء في عمّان والبلديات بدعوى تحريرها من القيود البيروقراطية للإسراع في إحداث التنمية على أرض الواقع وهذا ما يستحق المناقشة بعد مرور أكثر من خمسة أعوام على إنطلاق هذه الهيئات وسنحصر النقاش بمنطقة معان التنموية بهدف تقييم التجربة إن كانت حقيقة أم وهم.
الإنطلاقة الرسمية لمنطقة معان التنموية كانت برعاية ملكية في أيلول من العام 2007 عقبت سنوات من التحضير على مرحلتين، الأولى بتكليف شركة أمريكية متخصصة بالتخطيط الإستراتيجي تدعى بوز الن هاملتن Booz Allen Hamilton لإجراء دراسة ما قبل الجدوى الإقتصادية حول النموذج الأفضل للنشاط الاقتصادي في منطقة معان وقد خلصت الدراسة إلى تصميم نموذج تنموي مكون من أربعة محاور هي الروضة الصناعية ومركز تدريب والمجتمع السكني وواحة الحجاج. وإستكمال لأعمال الدراسات التي صُرفت عليها الملايين كلفت الحكومة شركة هالكرو Halcrow المتخصصة في التخطيط والتصميم والإدارة لمراجعة الدراسة السابقة وإعداد المخططات الشمولية الأولية للمحاور الأربعة وقد قدمت شركة هالكرو تقريرها النهائي في منتصف عام 2008 والمتضمن تقييم الموقع وإعتماد تقرير بوز الن هاملتن على الرغم من تباين وجهات النظر فيما بينهم حول الكثافة السكانية المتوقعة ومداها المنظور. وقد عقد إجتماع إعلامي حاشد في معان تم عرض المشروع الطموح أمام جلالة الملك بشكل إستعراضي وخيالي دون إفساح المجال للمختصين الأردنيين للحضور ولا حتى النقاش لمن حضر منهم، لأن الهدف كان الإبهار وقد خُيل للمتتبع بأن هذه المنطقة ستتحول في غضون سنوات إلى سيليكون فالي الأردن. وما أن إنفض الجمع وازيلت شاشات عرض الداتاشو عاد المدراء التنفيذيون ومسؤلي العلاقات العامة إلى عمّان، وتركوا خلفهم آرامات الأحلام الوردية في إنتظار التطبيق العملي على أرض الواقع.
لقد إنشئت شركة تطوير معان الحكومية، والتي عُينت كمطور للمنطقة ونصبت آرماتها التنموية في منطقة نفوذها وبدأت الشركة بتنفيذ جزء من سكن الطلاب ضمن المنطقة السكنية المقابلة لبوابة جامعة الحسين إبن طلال، وعلى الرغم من التنبيه بما سيتسببه الموقع الجديد في إزدياد عزله المدينة وقطع تواصلها مع الجامعة التي إنشئت لتحريك عجلة التنمية هناك. كما أن موقع واحة الحجاج على الطريق الصحراوي (8 كلم شمال معان) سيحرمها من النزير من الفائدة المتأتية من وقوف قوافل الحجاج فيها.
إن العقدة الرئيسية في هذه المنطقة التنموية كانت وما زالت في الإدارات التي تُعطل تفعيل المنطقة الصناعية التي من المفترض أن تكون المحرك الاقتصادي للمنطقة وللأردن قاطبة والتي أصبحت بفضلها بؤرة طاردة للإستثمارات مما يضع ما إنجز في مدينة معان الصناعية في مهب الريح وقد كان من المؤمل أن تركز المنطقة على الصناعات الثقيلة معتمدة على الموارد الطبيعية المتوفرة في المنطقة بما في ذلك الإشعاع الشمسي والبازلت والكاولين والسيليكا بالإضافىة إلى حوض ضخم جداً لمياه صالحة للشرب ... هذا بالإضافة إلى مثلث السياحة الذهبي (البتراء- رم- العقبة) فإن توفرت كل هذه الموارد فما الذي ينقصنا إذن يا جهابذة التنمية الإقليمية؟
بالإضافة إلى الإنجاز الجد متواضع، إن لم نقل المعدوم لكي لا يزعل علينا مدراء وأعضاء مجلس إدارة هيئة المناطق التنموية (وهم كثر) فقد ظلت هذه الهيئة المستقلة بعيده عن المعانية أنفسهم وتم إهمال التركيبة الإجتماعية البدوية في مجملها والتي تفتقر إلى التدريب المهني الذي سيرفد الصناعة بالعمالة المطلوبة لتتحول المنطقة إلى منطقة تنموية جاذبة للسكان. فالمطلوب هو تفعيل ما كُتب على آرمه مركز التدريب المهني وإشراك الشباب والفتيات به وتوجيه الدراسة في جامعة الحسين بإتجاه علوم الطاقة الشمسية والميكاترونكس. هذا ولا ننسى وجود مناجم شركة الفوسفات في تلك المنطقة ووجود حوض الديسي المائي الضخم وشبكة الطرق الممتازة وأرضية مناسبة لإعادة تأهيل سكة الحديد والقرب من ميناء العقبة والبتراء ووادي رم، هذا كله يجعل منطقة معان التنموية الأكثر ملائمة للإستثمار بها من قبل الدولة والقطاع الخاص، فهل سنفيق من الوهم ونتجه نحو الحقيقة التي لا مناص منها وهي أن لدينا شيء حقيقي يمكن البناء عليه ونحتاج إلى مزيد من العمل الميداني المخلص وبمشاركة حقيقية من أبناء معان والمجتمع المحلي في العملية التنموية.
مقياس الإنجاز هو النتائج على الأرض وإنعكاساته على حياة الناس في الجنوب ومقدار ضخ إيرادات في خزينة المملكة، وأي فذلكة إعلامية من يجيدون صياغة عقود عملهم وتمديدها على حساب معاناة الشعب الأردني الذي ما زال ينتظر منهم النتائج هو أمر مرفوض ويدخل في باب الفساد الإداري وليس لدي أدلة أكثر مما ذكرت يا دولة الرئيس فشمس معان لا تغطى بغربال هيئاتكم المستقلة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات