تهجئة اولية لصفحة الوقائع الاردنية


عقب رفع الدعم عن اسعار المحروقات، واندلاع مظاهرات الاحتجاج الشعبي على هذه الفعلة الشنعاء، دخلت العلاقة المتوترة اصلاً بين الحكم والمعارضة مرحلة جديدة اتسمت بالتصعيد المتبادل، والتوتر الاضافي، والتباعد المتزايد الذي تمثل في اقدام المتظاهرين على رفع شعار اسقاط النظام من جهة، وفي اقدام اجهزة النظام على استعادة سياسة القمع والاعتقال من جهة اخرى•
هذه المرحلة الجديدة تنذر بالخطر، وتبعث على الكثير من الحذر، وتؤذن بالمزيد من التصلب والتعصب والمباعدة بين الحكم والشعب، وتمهد السبيل لتبديد القواسم المشتركة ونسف جسور التفاهم والتراضي العام، ولا سيما ان بعض اصحاب الرؤوس الحامية من كبار المسؤولين باتوا يقدمون الحل الامني على الحل السياسي، ويؤثرون الشدة والعنف على اللين والتروي وسعة الصدر•
يوماً بعد يوم تتهيأ اجواء التصادم، وتتكاثر نذر الانفجار ومؤشرات التصعيد والتعقيد والاستقطاب الحاد•• واذا لم تتضافر جهود كثيرة لتدارك الامر، واستباق الخطر، واعتماد لغة التحاور والتشاور، وسكب مياه باردة على الرؤوس الحامية، فالخوف كل الخوف ان تقع الفأس في الرأس، ويحدث ما لا تُحمد عقباه، ويمسي حالنا مثل حال غيرنا من الاقطار العربية المفعمة بالدم والعنف والاضطراب•
يوماً بعد يوم تتسع دائرة المحتجين والمتذمرين، وتحتضن الى جانب قوى المعارضة التقليدية والحراك الشعبي، نخباً وشرائح وقطاعات اضافية من المتقاعدين العسكريين والامنيين وكبار المسؤولين السابقين، في حين تشهد القاعدة الشعبية والنخبوية لنظام الحكم ضموراً وانكماشاً وعداً عكسياً في معظم المدن والبوادي والارياف، وحتى بين المراكز والنوادي والتجمعات المحسوبة تاريخياً على النظام•
ورغم ان الكثيرين ممن يراقبون بؤس التجربة الاخوانية في حكم مصر، يتخوفون من الهيمنة الاخوانية على صنع القرار الاردني، ويخشون ان تصب اية اصلاحات سياسية جدية وحقيقية في خانة الجماعة الاخوانية الاردنية•• الا ان الكل الشعبي مصمم على انتزاع حقوقه في حياة ديموقراطية، وملكية دستورية، وعدالة اجتماعية، وتنمية اقتصادية، وملاحقة فعلية لاوكار الفساد والفاسدين•
سلفاً، وقبل كل شيء، يتعين التحذير الشديد من اصحاب الرؤوس الحامية، ومن اعتماد الحل الامني، واستبعاد فضيلة الصبر والحوار والتعقل وطول البال وهدوء الاعصاب، فقد ثبت في طول الوطن العربي وعرضه، ان الحل الامني لا يجلب الامن، ولا يحقق الهدوء والاستقرار، بل لعله اقصر الطرق المؤدية الى التفجير والتخريب والارهاب، خصوصاً وقد اصبحت المنطقة العربية، في الوقت الراهن، ساحة مستباحة تعبث بها الاصابع الصهيونية، والعصابات التكفيرية، والاحصنة الطروادية من عملاء الطابور الخامس الدائرين في الفلك الامريكي، والمجندين لتسعير الفتن والحروب الاهلية، وتنفيذ مخططات التقسيم والتفكيك والتوطين والتكفير بالوحدة الوطنية، والهوية العربية، والانتماء القومي•
تخطئ الدوائر الحاكمة كثيراً اذا توهمت ان القمع اجدى من الاقناع، وان اعتقال الاطفال يمكن ان يرهب الرجال، وان نزف الدم يمكن ان يطفئ السنة الحرائق، وان استحضار الذهنية العرفية القديمة من شأنه اعادة عقارب الساعة الى الوراء•• لقد تغير الزمان، وتبدلت الظروف والاحوال، وتعدلت موازين القوى بين السلطة والشعب الذي بات صاحب الكلمة العليا، وسيد المواقف والساحات والمعادلات•
في الاوقات العصيبة والازمات الحادة، لا مكان للنزق والعنطزة والاستكبار، ولا مجال للارتجال والفبركة والاستعجال والاستسهال•• بل لا بد من الحصافة والذكاء والابداع•• لا بد من الحلول السياسية وليس التعسفية، ومن المخارج التوافقية وليس العرفية والفوقية، ومن التزول عند ارادة الشعب وليس التمادي في الصلف والعناد ونهج الوصاية والاستبداد•
لسنا مع "اخونة" المعارضة والحراك الشعبي وتجييرهما لصالح الاسلام السياسي، ولسنا مع صيحات المراهقة والمزايدة والمبالغة التي تتجاوز سقوف العمل السياسي والنضال السلمي، ولسنا مع اقل اهتزاز لاركان الدولة وهيبتها ومركزيتها وسيطرتها على كامل سلطاتها وصلاحياتها ورعاياها•• غير اننا بالمقابل لسنا مع حكومات "العين الحمرا"، ودعوات "الضرب بيد من حديد"، وزبانية المراوغة والتسويف والكلمات المتقاطعة والحلول الشكلية والمناورات الاعلامية والضحك على الذقون والدوران في الحلقات المفرغة واللعب في الوقت الضائع•
ليس امام اهل الحكم سوى الاعتراف بحقائق الزمن الراهن ومعطياته ومستجداته، والتكيف الذكي والسريع مع هذه الحقائق والمستجدات والحيثيات، والاستجابة الفورية لما ينجم عنها من نتائج واستحقاقات ومتطلبات، والبحث الدائب عن قواسم مشتركة ونقاط تفاهم والتقاء مع اطراف المعارضة والحراك الشعبي التي ما زالت تطلب الحوار وتمد يد المصافحة والمصالحة، خلافاً لبعض المعارضات العربية الاخرى التي ترفض الحوار مع حكام بلادها، وتستعذب الاستقواء عليهم بالقوى والمراكز الاجنبية•
حين شكل عبد الله النسور حكومته الراهنة تفاءلنا خيراً، وتخيلنا ان تباشير المعارضة قد وصلت الى الدوار الرابع، وان الرجل الذي حجب ثقته البرلمانية عن اربع حكومات سوف يأتي بما لم يستطعه الاوائل، ويجترح اداءً وزارياً نوعياً غير مسبوق، ويتربع على كامل مساحة الولاية العامة والسلطة التنفيذية، ويقدم لنظام الحكم ما يفيده وليس ما يريده، ويرعى ولادة حقبة نيابية وانتخابية جديدة ومجيدة تستقطب مباركة ومشاركة اوسع قطاعات الشعب، وتثير ندم الحركة الاسلامية والمتذيلين لها من دعاة مقاطعة صناديق الاقتراع•
غير ان دولة الرئيس المفتون بالبلاغة اللفظية والاضواء الاعلامية سرعان ما اغتال تفاؤلنا، وخيّب املنا، حين اقتدى بنهج الرئيس انور السادات الذي كان يحرك غماز سيارته يساراً لكي يتجه بها يميناً، ويرفع اجمل الشعارات وافضل العناوين لكي يملأها باسوأ المحتويات والمضامين•• فما ان جلس دولته على سدة السلطة حتى خلع قناع المعارضة المستعار، واسفر عن مهمته الحقيقية المتمثلة في رفع الدعم عن اسعار المحروقات، ضارباً عرض الحائط بمهمته المعلنة والمزعومة والمتمثلة في رعاية مشروع الانتخابات النيابية العتيدة•
وهكذا•• فقد كسر رئيس الوزراء عصاته من اول غزواته، ثم تمخض فولد قراراً جائراً بحق الاغلبية الشعبية الكادحة التي لا تكاد تجد قوت يومها•• الامر الذي ادخل البلاد والعباد في مأزق جديد، واطاح بالعملية الانتخابية من اساسها، وافقدها ما كان لها من شعبية واهمية، واسدى بذلك اكبر خدمة الى دعاة مقاطعتها، والتشكيك في جدواها، والطعن سلفاً في مخرجاتها، بل واعتبارها اختباراً لقياس شعبية نظام الحكم برمته وليس اداء الحكومة فقط•
مرة اخرى، ومن جديد، يُثبت هذا النوع من الحكومات الاحادية التشكيل والتمثيل، والهابطة على الشعب بالمظلات، انه عبء ثقيل على القاعدة الشعبية والقمة الرسمية معاً، وانه جزء بائس من مخلفات الماضي الذي لا محل له حالياً من الاعراب، خصوصاً في هذا الظرف العربي المتوتر والمشحون والمفتوح على كل الاحتمالات والمفاجآت، التي تتطلب من الجميع اقصى درجات الحيطة واليقظة والحكمة والتوافق الوطني العام !!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات