قرارات إدارية تصفها الرئاسة المصرية بالإعلانات الدستورية


المتابع للشأن المصري بدأ يلمس مدى الاستخفاف بقيمة الدساتير وذلك من خلال ما يراه من تلك القرارات التي يتم وصفها بالإعلانات الدستورية وللأسف فأن الكثير من الناس لا يدرك حقيقة دستورية وقانونية وهي أنه لا يحق بأي شكل من الأشكال أن يقوم مرسي بإصدار أي إعلان دستوري وذلك لما يلي :

1: أن السلطة التي تضع الدساتير هي السلطة المؤسِسة حيث تقوم هذه السلطة بوضع الدستور والذي بدوره يوجد جميع السلطات في الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية ويحدد صلاحيات كل سلطة وكيفية ممارستها لعملها في الدولة
2: إن مرسي هو رئيس السلطة التنفيذية دستورياً حيث قدم عبر الشرعية الدستورية وقد أقسم ثلاث مرات على الالتزام بالشرعية الدستورية التي جاءت به ولذلك لا يحق له أن يتجاوز صلاحياته الدستورية بإصدار أي إعلان دستوري وأن يضع نفسه في مكان السلطة المؤسِسة كما لا يحق لرئيس مجلس الشعب أو أعلى هيئة قضائية إصدار إعلانات دستورية وهذا متعارف عليه في كل الديمقراطيات المعاصرة ومعمول به في كل الدول الديمقراطية أو حتى الدول شبه الديمقراطية

بالطبع قد يقول البعض بأن مرسي له شرعية ثورية وهذا غير صحيح فهو وصل إلى الرئاسة عبر الشرعية الدستورية لذا لا يجوز له مخالفتها كون أن جماعة الإخوان وافقت منذ البداية على السير في هذا الدرب ثم إن الشرعية الثورية تكون في بداية الثورة وليس بعد سنتين ومن المؤكد أنه لا يحق لمن قدم عبر الشرعية الدستورية أن يقول للناس أريد العودة الأن إلى الشرعية الثورية كون أن هذا الأمر بحد ذاته مخالفة دستورية تطعن في الشرعية الدستورية له

وقد يقول البعض بأن هناك من أجاز لمرسي إصدار إعلانات دستورية ولنا أن نقول لهؤلاء إن هناك فرق بين أهل العلم وبين أصحاب الأهواء وأنه ليس كل خلاف معتبر فعلى سبيل المثال قروض صندوق النقد الدولي حكم عليها أهل العلم بأنها من الربا الحرام فهل لو خرجت علينا بعض قيادات جماعة الإخوان لتقول بأن قروض صندوق النقد الدولي من الحلال هل كان لقولهم اعتبار شرعي ؟ بالطبع لا لكون الحكم الأول وهو الحرمة صادر عن أهل العلم أما الحكم الثاني فإنه صادر عن أهل الأهواء كذلك في مسألة الإعلان الدستوري ففقهاء القانون الدستوري يقولون أنه لا يحق لمرسي إصدار أي إعلان دستوري ولم يخرج عن هذا الكلام إلا قلة ممن ينتمون إلى جماعة الإخوان أو يدورون في فلك الجماعة

وقد يقول البعض بأن مرسي بيده السلطة التنفيذية والتشريعية لذا يحق له ذلك فنقول لهم بل لا لأن السلطة التي تضع الدستور هي بطبيعة الحال تكون فوق وأعلى من السلطات الثلاث وفي حقيقة الأمر أن مرسي أصدر قرارات إدارية وصفها بالإعلان الدستوري حتى يحصنها ويمنع الطعن عليها وهدفه الأساس كان حماية الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى من الحل وهي مكاسب الإخوان وليس حماية الثورة كما يزعم ولذلك يكاد يظهر للعيان عدم حرص مرسي على إيجاد دستور توافقي بقدر حرصه على تمرير هذا الدستور الذي يخدم المصالح الحزبية للجماعة وللأسف يستخدمون اسم الدين في تمرير الدستور وكأنهم سيحكمون في اليوم التالي بالشريعة وهو وإن تراجع عن قراراته لكنه ترك ما ترتب عليها صحيحاً وبالتالي لا معنى لتراجعه فهو يريد حماية مصالح جماعته

وقد يقال بأن الاستفتاء هو الفيصل فلماذا لا تكون هناك موافقة عليه وصاحب الكثرة يفرض كلمته وهذا مرفوض لأن الاستفتاء يكون على ما هو قانوني ودستوري فعلى سبيل المثال لا يتم استفتاء الناس على شيء محرم لنعلم هل يقبل الناس به أم لا بل لا بد أن يكون الاستفتاء على شيء قانوني وهذا ما لم يحصل فمرسي بقراراته منع القضاء من الحكم على مشروعية وقانونية الجمعية التي تضع الدستور وبالتالي كيف يريد من الناس الذهاب إلى استفتاء على دستور مختلف حول شرعيته ثم نقول لهؤلاء ما الضامن من عدم تزوير نتائج الاستفتاء في ظل التصريحات المسبقة من قبل جماعة الإخوان بأن الشعب سيقول نعم للدستور ؟ من المؤكد أن نعم لا تجعل من الحرام حلالاً ولذلك لن يمر دستور لا يحظى بالتوافق الوطني وإن مرر من خلال التزوير فهو لن يستمر

نحن نعلم أنه ولو مرر هذا الدستور فإن الإخوان لن يحكموا الشريعة بل سنجدهم يتذرعون ويقولون نحتاج إلى وقت والوقت قد يحتاج إلى عقود وبالتالي سيكون لدينا دستور يحقق مكاسب الإخوان السياسية دون أن يلمس المواطن المصري أي تطبيق للشريعة على أرض الواقع اللهم إلا الشعارات

ونظير هذا الأمر مسألة اتفاقية كامب ديفيد فالإخوان كانوا يطالبون مبارك عبر عقود بإلغاء كامب ديفيد وعندما وصلوا إلى الحكم قالوا للناس نحتاج إلى وقت ثم خرجت شعارات التعديل وغيرها لكن من المؤكد أن كل ذلك سيبقى مجرد شعارات فلن تتغير كامب ديفيد ولن يتم إلغاءها أبداً حتى وإن استمر الإخوان في الحكم لعقود وكذلك بالنسبة للشريعة فهم لن يطبقوا الشريعة ولو حكموا مصر لعقود لكنهم يستخدمون الدين والشريعة للوصول إلى الحكم ثم يحكمون بالعلمانية تحت شعار نحتاج إلى وقت والأيام ستثبت صحة ذلك إلا إذا قدر رحيل الإخوان عن الحكم في مصر وهذا بلا شك متروك للشعب المصري ...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات