المحكمة الشعبية !


 في الحقيقة الشعب الأردني كغيره من الشعوب العربية التي تمر بمخاض عميق ينتج عنه تغيرات جذرية تشمل كافة المفاهيم السياسية والاقتصادية والقضائية والعسكرية، ولعل ما تناهى إلى مسامعنا ينفي كل ثبات ظاهري يبدو على قمة الهرم السياسية والاقتصادية والعلمية والتربوية وغيرها ، سيما وأن القرار يأتي من القاع المجتمعي الذي يمر بتغيرات عنيفة ، من شأنها أن تعصف بكل شيء ، ويتجلى لنا ذلك بوضوح حين ندرس تلك الفئة العمرية التي تطالب بما تسمية ( محكمة الشعب ) ، هذه الفئة التي تمتد من سن 15 إلى 30 من العمر، وكمتخصصين نعلم أن العلماء قد اختلفوا سواء علماء التربية أو النفس في تحديد خصائص هذه المرحلة وطولها ، غير أن ما يعنينا هو أن هذه المرحلة تشهد تحوّلات وتغيرات جوهرية في اهتمامات الشباب وسلوكه الاجتماعي واتجاهه نحو الاستقلال والفردية ، ما يخلق التناقض بينه وبين البيئة التقليدية التي تحيط به ، وبخاصة أنه يريد أن يحرر نفسه من قيود الأسرة والمدرسة التي قيّدته طويلاً،وهو يريد في تلك المرحلة أيضاً أن يختار محيطه الاجتماعي الذي يندمج فيه ويتكامل معه ويكون قادراً على اتخاذ القرار وتحقيق ذاته ، هذه الفئة العمرية وجدت نفسها في عصر العولمة وقضاياه ومشكلاته ، والعولمة وإن كانت مشروع كوني للمستقبل كما يطمح واضعوه ومفكّروه والداعون إليه ، فإن الجيل الجديد هو الأسبق بالتعاطي مع هذه العولمة وأدواتها ، فالكمبيوتر والإنترنت وشبكات المعلومات المعقدة أصبحت في متناول أيدي الشباب في سهولة ويسر ، ولو تعمقنا أكثر لوجدنا أن هنالك ثورة على المفاهيم القديمة ، وهنالك مفاهيم جديدة خارجة عن المألوف جاءت لتحل محل المفاهيم القديمة ، والسؤال هل يرضى هذا الجيل بأن يسرق كما كان سرق من قبل الآباء والأجداد ؟ وهل يرضى بأن يصفق بحرارة وهو جائع ومصا رينه في معركة وجودية لا حدودية ؟! كيف ؟ وهذه الفئة من الشباب يعرفون عن الحاكم أو المسئول كما يعرفون عن أنفسهم وعائلاتهم ! وإذ تشكل هذه الفئة في الأردن الغالبية العظمى ، فإن لها حق التفكير المستقل ، خاصة وهي ترى أن مسألة الفساد ما زالت تدار عبر الذهنية القديمة التي تحسب أنها ما زالت في فترات زمنية أصبحت قديمة جداً وإن كانت لا تتجاوز بضع سنيين ، لأن هنالك قفزات مذهلة ، ونحسب أن المحكمة الشعبية وإن كانت من ملامح الثورة الجديدة التي يطرحها علينا هذا القرن الجديد ، إلا أن ما يميزها ذلك المضمون ، الذي يضع في الذهنية الثورية إصدار الأحكام من خلال متخصصين في القضاء الأردني سواء من القضاة الكبار أو المحامين ذو السمعة الدولية ، نعم إنهم الشباب الأردني ، والذين يقسمون أن العقوبات ستصل إلى حد الإعدام والرمي العلني بالرصاص لكل من يثبت تورطه في سرقة المال العام بأي من الطرق التقليدية أو غيرها ، وقد حاولت مناقشة بعض الشباب حيث أفادوا لقد سرقوا أدوارنا ولم يكتفوا بسرقة أموالنا والحكم علينا بالفقر المزمن ! بالطبع الموضوع يحتاج إلى دراسة شاملة ، ولكن هل يعطينا أولئك الشباب المندفعين الوقت لكي ندرس أفكارهم ؟ المشكلة أنهم مؤمنين إيمان قطعي ، أنهم ومن خلال محاسبة الفاسدين والمفسدين يحطمون صنم الاستبداد ، ذلك الصنم الذي يتضمن صفات المستبد (بكسر الباء من أجل إحياء المستبد بفتح الباء) بهم (المستعبدين)وطبيعة العلاقة بينهما، والبيئة التي يعيشون فيها، هنالك العديد من المفاهيم التي أذهلتني ، يرفضون قطعياً منظومة الاستبداد التي تبدأ بالتكبر والاستعلاء إلى أن تصل حد التأله ، ولا يكتفون بذلك بل يطرحون المسألة من الناحية الدينية ، ويذكرون بغض الله للمستبد وسخطه عليه لأنه ينازعه صفة الجبار وينازعه الإلوهية بصفة عامة ! بالله عليكم ماذا نفعل مع هؤلاء الشباب ؟! في تقديري المتواضع ومن منطلق مسؤولياتي الإنسانية والأمنية على المستوى العالمي : أعتقد أننا أمام عدة مشكلات مركبة أولها عدم قدرتنا على التفاعل مع نظام التأهيل المستمر والذي من شأنه أن يرتقي بالإنتاجية الإنسانية إلى أضعاف ما هي عليه الآن ، وقد ثبت لدينا ومن خلال التقارير التي تفيد أن التأهيل المستمر استطاع رفع إنتاجية الإنسان في الدول المتقدمة 7 أضعاف خلال القرن الماضي، بينما نجد أن إنتاجية الإنسان العربي تتراوح من 15 – 20% من إنتاجية الإنسان في الدول المتقدمة على أحسن تقدير ، هذا عدا عن أزمة الكفاءات العلمية في الوقت الذي تتنافس جميع دول العالم حالياً فيما بينها على من يملك أكبر عدد من العلماء والباحثين ، ونحن العرب أكبر طاردين لهم ، أنا لا أعرف كيف سنصل إلى مرحلة الرفاهية بدون العلم و التكنولوجيا ، وكيف نتناسى أن الإنسان والتنمية البشرية لهما الدور الأساسي والأهم في الارتقاء بالعلم والتكنولوجيا مضافاً لذلك أزمة فرص العمل وأزمة التنمية عموماً ! في الحقيقة نحن نعيش في ظل مجموعة من الأزمات الخارقة والحارقة والمتفجرة ، وعلى سيرة المتفجرة يحدثني أحد الأصدقاء قائلاً : أنه في أحدى الجلسات القروية والتي تضم مجموعة من الكبار والصغار في بيت الشعر الأردني ، أنه قال على غرار الحديث عن المحكمة الشعبية ( ما بدنا يصير فينا زى ما بصير في سوريا ) فرد أحد الكبار : خليه يصير يا سيدي خلينا نجرب شو يعني يعيش ألي يعيش وبموت ألي يموت ) وهذول الحرامية بنعرف كيف نحاسبهم ؟ وإذا كان الكبار يتحدثون بهذه اللغة فما بالكم بالصغار ؟ الوضع ليس كما يظن البعض قمره وربيعي الوضع غاية في الخطورة ومن يصور الأمر على نحو غير ذلك إما واهم أو أن ذلك منتهى فهمه ! أنتم لا تهتمون لا بعلماء ولا بباحثين ولا بمتخصصين ولا بإنسانيين فقط تهتمون بأنفسكم ، وباقي الأنشطة على رب العباد ، لماذا ؟ أين مسؤولياتكم ، هنالك مليارات سرقت من بلد يعيش على المعونات ، بلد أصبح رغيف خبزه منة من الآخرين ، لماذا ؟ من أوصل الأردن إلى هذا الحد ؟ النظام ؟ بالطبع لا ، لأن نهج النظام الإنسان أغلى ما نملك هنالك أيدي خفية ، وهذه الأيدي إن لم تكف يدها عن البلد حتماً ستقطع وبالقانون الإنساني هذه المرة ، أرجوكم ، لا نريد أن يظهر الوجه الأخر للشباب الذي لا يطالب إلا بمحاسبة الفاسدين والمفسدين ، وها نحن نمد أيدينا من أجل بناء إستراتيجية التخطيط العلمي السليم ، لهؤلاء القادة الشباب في عموم الأردن الأغلى ، هذه الإستراتيجية التي تأخذ مطالبهم في محاكمة الفاسدين في أهم أولوياتها، تعالوا نربط أبناءنا بوطنهم وقد تعلقوا بدول امنت بإنسانيتهم ، وأخيراً أتمنى من الله العلي القدير أن لا نصل إلى مرحلة تفرض علينا ما يسميها البعض محكمة الشعب !

خادم الإنسانية .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات