حيّ الطفايلة والشابسوغ


يا إنسان كثر الحديث عنكم أيها الطفايلة وشو جابكم لعمّان وأنتو طفايلة، سألني جبر. يا عزيزي، محل ما تُرزق تِلزق، صحيح؟ نعم صحيح، ولكن صار ما إلنا غير سيرتكم، الطفايلة إعتصموا ... الطفايلة هتفوا، الطفايلة إخترقوا كل السقوف حتى وصلتم لطبقة الأوزون. بتعرف يا جبر لما بسمع هالكلام بفكر أهاجر على القفقاس، رديت على جبر. بالله عليك لا تزعل منيّ ولكن فهّمني شو حكايتكم.

إسمع يا عزيزي، صحيح أن عمّان مدينة قديمة ويعود المكتشف من معالم الحضارات التي تعاقبت عليها الى الألف السابع قبل الميلاد وهو مكان يعرف بعين غزال، أكيد بتعرفه، والعمونيين إنشئوا مملكتهم في عمّان في الأف الثالث قبل الميلاد وأسموها (ربة عمون) كما إحتلها الآشيريون ثم البلبليون إلى أن وقعت تحت السيطرة اليونانية في القرن الرابع قبل الميلاد.

يا أخي أنا سألتك عن الطفايلة وأعطيتني درس في التاريخ، أدخل في الموضوع داخل عليك. صبرك عليّ يا جبر، يا عزيزي، لقد مدّ العرب الأنباط، أكيد سمعتهم فيهم بُناة البتراء كنزنا وتحفتنا في الأردن، مدوا سيطرتهم إليها في أواخر عهد البطالسة اليونانيين وبقيت كذلك إلى أن وقعت المدينة تحت الإحتلال الروماني في مطلع القرن الأول الميلادي بعد سيطرتهم على مدينة البتراء.

بفهم من كلامك بأن عمّان كانت وجهة يقصدها الحُكام والناس منذ آلاف السنيين. عليك نور، فإذا سُمح لجميع هؤلاء التوافد إلى عمّان فلِم تستغرب قدوم الطفايلة إليها. ولكن يا إنسان الطفايلة من الأردن وأراضيهم خصبة وعندهم 360 عين ماء، شو جابكم ... بعدك ما أقنعتني.

صحيح بأن حي الطفايلة هو أكبر أحياء عمّان كونه أكبر تجمع لأبناء محافظة واحدة في العاصمة، فلا الكركية ولا المعانية ولا غيرهم بكثرة الطفايلة الذين إنتشروا في كل من جبل التاج وجبل الجوفة. والصحيح أن غالبية العشائر التي تقطن الحي هي من قرى الطفيلة وليسوا من قصبة الطفيلة، فغالبيتهم من عشائر الثوابية من قرية عيمة والذين ينسبون إلى الصحابي الجليل، إبن عم رسول الله (ص) جعفر بن أبي طالب الذي استشهد في معركة مؤتة في قرية المزار قرب الكرك في العام الثامن للهجرة 629 ميلادي ويوجد في الحي مسجد بإسمه يعد مركزا دينياً وثقافياً ذو حضور مهم في حياتهم اليومية.

ولكن لم تقل لي، كيف لا تسكن في الحي مع جماعتك وما الذي أتى بكم إلى جبل الطهطور. يا جبر يا عزيزي، نحن من قصبة الطفيلة، يعني من القلعة وحارتها تُعرف بحارة الكلالدة، وقد قدم الوالد رحمه الله الى عمّان في بداية الخمسينات من القرن الماضي وقبل تشكل حي الطفايلة، وقد أتى للعمل وتبعه والده كونه كان ولده الوحيد ومن ثم توالى قدوم الأقارب للدراسة والعمل في عمّان وتعرفنا على حضرتك مثل ما بتعرف في جبل الطهطور.

أكيد بتعرف بأن عمّان بنيت على الجبال إنطلاقاً من المدرج الروماني ومحيطه. وكان هناك نقطتين اساسيتين تشد إنتباه المخططين بالفِطرة وهي المدرّج والقلعة، فصعد راعي عمّاني (أبو منِور) بغنمه وحماره إلى جبل القلعة سعياً وراء العشب الأخضر ولما وصل سفح الجبل تذكر بانه قد نسي صرّة الأكل، فصاح على مِنور (ما كان في خلوي مثل ما بتعرف) اللي كان بيخمخم عند المدرج ليرسل اليه الزوادة على الحمار، فأرسل الحمار لوحدة والحمار بيعرف طريقه، مش مثل بعض الناس، وعلى ذكر الحمار والله انه مظلوم عندنا نحن العرب وهو موضوع تندر ولا أدري لماذا، ولدرجة ما هو مهم فهو شعار الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية وزعيمه أوباما. يا راجل رجعت تسرح، خليك في الموضوع، ما علينا، الحمار اعطى ظهره للمدرج ونزل، ولحقه الراعي يشد به بالعكس والحمار مُصرّ على النزول من الجهة المعاكسة للمدرج ومشى بمحاذاة وادي الحدادة وترك الديوان الملكي حسب المسمى الحالي إلى يساره، ثم التف يميناً وإذا به أمام ساحة المُدرّج. ولاحظ مِنور بأن القربة فاضية.

أي قربه يا إنسان، يا جبر قربة الماء زوادة الراعي كانت معلقة على الحمار وكانت تهرّب، وانتبه مِنور على هالشغلة وحمل الطعام وملء القربة بالماء ورافق الحمار صعودا الى ابيه الراعي سالك أثر نقاط الماء على الأرض، وسريعا ما وصل مِنور وحماره الى الراعي الأب، وكان هذا الإكتشاف أساس تخطيط الطرق في مدينة عمّان ... حمار قدام والناس وراه.

يا جبر، عمّان مهبط الأفئدة ووجهة الملهوف ومصدر الرزق ... فقد قصدها الشراكسة قبل الطفايلة وموطنهم الأصلي هو ساحل البحر الأسود في شمال القفقاس، ووصلوها في عام 1876 وأقاموا بداية في المُغر والخرائب الرومانية ثم بنوا بيوتهم من الحجارة والطين وغطوا سقوفها بجذوع الاشجار والقصب والطين الذي كان متوافر بكثرة في وادي عمّان، وقد سُمي شارع الشابسوغ بإسم أولى قبائلهم كونه يقع في الجزء الذي سكنوه من عمّان، وقد سكنت العائلات الشركسية الأخرى في الأجزاء الجنوبية من عمّان فسُميت الأحياء بأسماء قبائلهم الكبرى مثل حي الابزاخ الذي يقع في منطقة الشارع الإيطالي وحي القبرطاي في وسط المدينة وإمتدادا إلى شارع السلط وشارع وادي السير.

والآن عمّان كبرت، ولكن عليك يا جبر أن لا تنسى بأن الشراكسة أحيوا عمّان واضحو فيها أقلية، وأن الطفايلة أعطوها الروح فأصبحوا يمثلون صوت الأكثرية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات