فتحي عامل النظافة بعيد عن السياسة


فتحي عامل نظافة, نعرفه في الحي بالزبال أبو محمود, رجل خمسيني من سوهاج في صعيد مصر, يفتح الله عليه جزاء خدمته لنا في حي الضباط القابع إلى الشمال من قصر العدل في اربد المدينة. وفتحي عامل نشيط يقظ, يكنس الشارع كل صباح, يلملم القمامة في أكياس ليست مخصصة لها, ويحتمل انفلات القمامة منها لهشاشتها, ويزيد بحث القطط" فيها عن بقايا الطعام في أكياسها تمزقا", لينشر ما فيها على مداخل المنازل وفوق الأرصفة ! مهام فتحي قاسية, لكنه عامل نشيط, يأتي في الصباح الباكر مع طلوع الشمس, ينظم ما يجمع في عربته المتهالكة, وينقلها بحرفية للحاويات العديدة في شوارع الحي العتيق. يصعب على فتحي المشهد في مواسم قطاف الزيتون ومثل هذه الأيام من السنة, لتزداد معاناة فتحي بسبب الزيادة الطارئة على أعماله, هو لا يتذمر جهرا, أو أن ينبس ببنت شفه, لكنه يتألم ! فتحي يخدم حينا بأمانة منذ أكثر من عقد من الزمان بكل كفاءة واقتدار, ولا يتوانى في تنفيذ ما قد يطلب منه احدنا في مساءل خدمية خاصة. النساء في الحي يقدرن جهد فتحي ويتعاطفن معه, وبعضهن يزودنه بكأس من الشاي, يشربها على الرصيف خارج الأسوار, وتتعامل الخادمات الآسيويات في بعض البيوت مع فتحي بتعال, لتداخل المهام الموكلة في الاختصاصات للفريقين, هو لا يبالى ويبدو أنه لا يضيق ذرعا بمهامه المحددة. مهمة فتحي دقيقة وهامة ولو غاب لأمر ما يمتلئ الحي بالقمامة حيث يترفع أغلب السكان عن القيام بواجبهم ! فتحي لا تشغله السياسة ولا الحراك, ولا يعلم حتى تفاصيل ماذا يدور في بلده مصر من أحداث, ولا يتابع أخبار المظاهرات في ميادين بلاده, سألته يوما بعد تنحي الرئيس حسني مبارك عن رأيه, فأجاب بعدم اكتراث وقال: حاميها حراميها, الله يجيب اللي فيه الخير يا بيه.
كل الخدمات في حينا يقدمها لنا مصريون وأسيويون, كما في بلدنا بشكل عام, أي أن مجتمعنا يخدم من غيرنا. أراضينا تفلح من وافدين ومطاعمنا تدار بالتنفيذ والنكهة من وافدين. سيارتنا يغسلها وافدين ومحطات البترول ومحلات بيع الدجاج وبيع اللحوم... منازل السادة والسيدات من شرائح واسعة من طبقاتنا العليا و الوسطى, تصان وتنظف بسواعد خادمات, أغلبهن مولودات في ركن بعيد, من الجنوب الشرقي الآسيوي.

في بيوتنا خادمات, ولأطفالنا مطعمات حاضنات, ولحوائج كهولنا وصيفات. أما نحن فمحتارون, أو متسائلون, هل اقتصادنا في غرف الإنعاش أم في غرف العمليات ؟ وهل نحن مجتمع فيه تشوهات بنيوية, تحتاج لتصويب وإصلاح ! وما هي أول خطوة ضرورية وملحة, كي يخدم مجتمعنا الأردني نفسه, لئلا نكون عالة على خدمة الوافدين. لقد أصبح مجتمعنا أو يكاد, مجتمع بلا أقدام ! فهل آن لحكومتنا الرشيدة أن تبدأ بخطوات عملية تجبرنا على تحمل المسؤولية, وخدمة بعضنا البعض. لقد عمر الآباء الأرض أكثر منا, بالغرس و الزراعة للتين و للزيتون والقمح..., لدينا بطالة و فقر وربما جوع قل أو كثر ولكن لدينا أيضا" ثقافة العزوف عن بعض الأعمال ونعتبرها معيبة و مسيئة لشخوصنا وأبنائنا وربما عشائرنا. فهل يصار إلى تقليص العقود و من ثم إيقافها على مراحل زمنية. قد يحتاج المجتمع لخدمات محددة ومحسوبة, ليس لترف السيدات والسادة فيها نصيب, ومنطلقات لمظاهر لا طائل منها. ونحتاج لنماذج و قدرات إداريه عصامية, أشبه بما كان يفعل الشهيد وصفي التل, الذي كان يحرث حاكورة منزله بنفسه ويتناول الإفطار يوم الجمعة مع عمال أردنيين, جلوسا" وإياهم على تراب الكمالية. ليس هنالك إحصائية دقيقة للوافدين, لكن بعض الإحصائيات الجديدة تشير إلى رقم بحوالي المليونين. متمنيا" أن يكون بعضهم كما فتحي "أبو محمود الزبال" في الجهد والصدق والإخلاص والمسلك !
طوبى لعامل الوطن والنظافة فتحي, وطوبى لكم أيها الوافدين ولخدماتكم الجليلة. أقدر عاليا مهاراتكم, ومبارك عليكم وفركم وتحويلاتهم من العملات الصعبة, مقابل جهدكم وعرق جبينكم, نغبطكم ولا نحسدكم عليها. ونقول لأبنائنا بكل ثقة وروية: لا يوجد في العمل أعمال رفيعة و أخرى هابطه, فالرفيع فينا هو الذي يعمل والوضيع فينا هو العالة على جهد ألآخرين, وينتظر أن تمطر عليه السماء ذهبا وفضة. فتحي قدوة للعامل المخلص وفيه وفاء لمهمته الجليلة, وفيه درس لنا ولحكومتنا الرشيدة, ومثل فتحي حقيق بالثناء وبالإشادة وله منا كل الاحترام وله منا الثناء وحسن الوفادة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات