فلسطين مائة وأربعة وتسعون


دموع وتصفيق، إيمان وخذلان، هوية وفقدان أمل، احتفال وعزاء، مزيج من المشاعر تبعثرت واللوحة الالكترونية في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك تضيء بالأخضر رقم مائة وثمانية وثلاثون، ليعقبها موجة عناق وتصفيق، ومسيرات في ربوع الضفة الغربيَّة وقطاع غزة من أنصار حركة فتح الذين يبحثون عن ومضة نصر في زمن انكسارات للحركة، وعن كينونة تعيدهم لرأس الهرم من جديد بعدما اختطفت المقاومة نصرًا معنويًا قبل أيام في معركة غزة الأخيرة..... ولكن!!
الفرح لَم يكن فتحاويًا نقيًا وخالصًا بل كان فلسطينيًا مع تباين التعبير، لماذا فلسطينيًا؟ لأنّ هذا الشعب الذي يناضل منذ خمسة وستون عامًا يبحث عن ذاته، ويبحث عن دولة، بما أنّه الشعب الوحيد الذي لا زال بلا دولة في القرن الحادي والعشرين...
نصف القمر الفلسطيني احتفل وأطلق العنان لاحتفالاته دون حساب حدود هذه الاحتفالات، وإنّما رد على عنجهية الاحتلال، أصبحت الوسيلة أهم من الغاية ووسيلة هذا النصف مقارعة الاحتلال، والإحساس بالانتصار عليه، ولو بأضعف الإيمان... أما نصف القمر فكانت ليلة اكتست بسحابات سوداء قاتمة حالكة الظُلمة على ربوع اللاجئين وفلسطين الداخل 1948، الذين شعروا بأنّهم أصبحوا غرباء، ولَم يعد لهم هوية، وتبخر حلم دولتهم فلسطين.... نصفي القمر معهما الحق في مشاعرهما، ولكن أين الحق من الاعتراف بفلسطين عضو مراقب بجمعية الأمم المتحدة؟ وأين اللاحق؟
بعيدًا عن الصياغات العاطفية الرمزية، في تناولنا للموضوع في جزئه الأوّل من ناحية وصفية للحالة الإنسانيَّة لهذا الشعب أو الجزء منه، وبعيدًا أيضًا عن جدية السياسيِّ، والإيمان المطلق غير المؤطر بنوازع الحقد والبغض لفئة على حساب فئة، لا بد من كلمة في سجل التاريخ، أنّ نصري الحقيقي هو يوم أنّ أدوس بقدمي وروحي وجسدي قرية أجدادي الّتي أُقتلعنا منها عنوة، يوم أنّ نعانق شواطئ حيفا، ويافا، وعكا كالنوارس العائدة، ونغرس في تل الرّبيع زهرة الرّبيع، وياسمينة الحرية... ويوم أنّ أسير رافعًا صور شهدائنا الذين ذهبوا لأجل هذا اليوم.
أما الحالة السيَّاسيِّة العامة للرقم 194 فهي خطوة على نهج برنامج المرحليَّة الذي تمّ إقراره من المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974، والذي بدوره أصبح إيمان تكتيكي لجميع فصائل العمل الوطني الفلسطيني- دون حركة الجهاد الإسلاميِّ-. الّتي لا زالت تؤمن أنّ فلسطين هي الّتي عرفناها بكتب التأريخ. إذن فهنا الحالة تأتي متساوقة مع قناعات كُلّ القوى الممثلة للحالة الشعبيَّة الفلسطينيَّة بما فيها حركة حماس الّتي باركت الخطوة رسميًا، وكذلك أمنت بدولة على حدود 1967 على لسان رئيس مكتبها السيَّاسيِّ الأخ خالد مشعل، وعليه يكون كم فئة كبيرة غلبت فئة قليلة، عكس للقول الإلهي كم فئة قليلة غلبت فئة كبيرة، وهو الجائز المنطقي في الحالة الفلسطينيَّة الّتي تحولت في التاسع والعشرين من نوفمبر-تشرين ثانٍ-2012 إلى دولة عضو مراقب بالأمم المتحدة، ورفع رايتها على هذا المبني الذي قرر قبل خمسة وستون عام تقسيمها، ليعود من جديد بقبولها عضو مراقب، والمفاصلة هنا أنّ دولة محتلة هي الكيان تصوت ضد دولة صاحبة حق، وأيّ مفاصلة تاريخيَّة تنصف المقارنة والمقاربة.
أعلنت دولة فلسطين رسميًا كعضو مراقب وهي خطوة صغيرة في درب طويل يحتاج لجهد واستثمار هذه الخطوة التي تَعتبر قفزة في التاريخ المؤمن بأنصاف الحلول، والممكن السيَّاسيِّ، تحتاج لإعداد للخطوات القادمة، واستغلال تبعات هذه الخطوة في:
1.الانضمام للمؤسسات الدوليَّة الأخرى وخاصة محكمة الجنايات الدوليَّة، لتقديم قادة الكيان لهذه المحكمة على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطينيِّ منذ تشكيل عصاباتهم الصهيونية، حتى قصف منزل عائلة الدلو في حرب غزة الأخيرة عام 2012، هذا أهم ما في نيل عضوية الدولة المراقبة.
2.السعي الدؤوب والحثيث على وضع العالم والأسرة الدوليَّة أمام مسؤولياته ومهامه لدولة محتلة، هي دولة فلسطين، والاضطلاع بمسؤولياته تجاه شعب محتل في دولة عضو في الأمم المتحدة.
3.التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينيَّة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني الذي يعتبر أكثر من نصفه لاجئ ومشرد في أصقاع اللجوء والشتات ورفض أيّ مشاريع دون حق العودة لهؤلاء اللاجئين، والعودة ليس للدولة 194 بل لمدنهم وقراهم التي اقتلعوا منها.
4.إعادة اللحمة للجسد الفلسطيني الذي لا زال منذ خمسة أعوام ينزف انقسامًا وفرقة، واستغلال توحد الرؤوس في كأس الدولة 194، لتوحيد الجغرافيا، بعدما توحدت المواقف السيَّاسيِّة.
إذن فالحدث الدبلوماسيِّ والسيَّاسيِّ الذي أعقب الحدث المقاوم في هذا الشهر، لا يتطلب منا تبادل الهجوم والدفاع كعادتنا الفلسطينيَّة منذ انطلاق الثورة عام 1964، بل يتطلب أنّ يبدأ بالتفكير والتخطيط والتنفيذ لمرحلة أخرى، وخطوة أخرى على طريق تحقيق الحلم الأسمى وهو دولة فلسطين، فالمؤمن بفلسطين 194 يعمل لأجلها، والمؤمن بفلسطين التاريخيَّة يبدأ من الأولى لينطلق إلى الثانيَّة، وأنّ الحدث سيَّاسيَّا هو خطوة لا يمكن تكبيرها بمجهر الرغبات والعواطف الحزبيَّة الفئوية، ولا يمكن تصغيرها بنفس الرغبات والعواطف بل هي خطوة أولى في سلم خطواتنا الطويل نحو فلسطين التاريخيَّة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات