استحقاقات الأمة العربية والحوار الأميركي ـ السوري


لا شك أن الإدارة الأميركية الجديدة ـ شأنها شأن معظم الإدارات السابقة في البيت الأبيض ـ  ترى المنطقة من منظور الأمن الإسرائيلي فيما يتعلق بمقاومة الاحتلال وكذلك فيما يتعلق بإيران وتخصيب اليورانيوم. فهي ترى أن حق إسرائيل أن تحظى بالأمن غير مرتبط بإنهاء الاحتلال. ومن حقها أن تكون دولة محتلة وآمنة في الوقت ذاته، ومن واجب العرب أن يجلسوا بهدوء في المخيمات وتحت الاحتلال وتحت الحصار ويتابعوا نشرات الأخبار حول المفاوضات وأن يحتفوا بهذا المبعوث الأميركي أو ذاك!!

هذه حقيقة لا بد من تأكيدها عند أية قراءة للسياسة الأميركية حيال الشرق الأوسط، إضافة إلى أن المؤسسة الأميركية استنتجت كل ما يلزم استنتاجه من فشل سياسة الحرب التي قادتها إدارة بوش، ولقد بدأت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية بداية تعتبر طيبة في الشرق الأوسط، نسبة لسياسات الإدارة السابقة، من خلال رحلتها الأخيرة، وذلك عندما أعادت التأكيد على الالتزام الأميركي بحل الدولتين للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وأظهرت عدم رضاها عن سياسة إسرائيل في هدم المباني بالقدس الشرقية، وأعلنت عن بدء حوار مع سوريا، ودعت إيران إلى مؤتمر دولي عن أفغانستان.. وبالطبع تفاءلنا خيراً بهذه البداية الدبلوماسية لإدارة أوباما في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد التزاحم الدبلوماسي الأميركي على البوابة السورية.

رغم أن الحوار الأميركي ـ السوري كان  من الأمور المتوقعة منذ تسلم أوباما مهامه في البيت الأبيض.. لأن أوباما أشار مراراً قبل توليه الرئاسة وبعدها إلى رغبته في إجراء حوار مع سوريا، وأعتقد أن هذا الحوار يعكس من جهة ثانية فشل إدارة بوش في إدارة الملفات الساخنة في المنطقة.. فالأمريكان يدركون حجم الدور الإقليمي الذي تلعبه سوريا، ويدركون أيضاً أنه لا حلول إقليمية دون تعاون حقيقي من سوريا، إن كان في لبنان أو العراق أو الأراضي الفلسطينية المحتلة..

السوريون في المقابل لديهم حقوق ومطالب ويعتقدون أن الإدارة الأميركية السابقة كانت من الحماقة بحيث أنها تجاهلت هذه المطالب والحقوق.. كلا الجهتين يعتقدان اليوم أنه لا بد من الحوار لحل القضايا العالقة بينهما..

وهناك إشارات إيجابية من الطرفين حول جدوى هذا الحوار .. فالسفير السوري في واشنطن عماد مصطفى صرح عقب اجتماعه مع فيلتمان : بأن الاجتماع قد يكون بداية صفحة جديدة في العلاقات، وأن سوريا مستعدة لمناقشة جميع القضايا.

كذلك أتت تصريحات جون كيري الذي أكد على الإيجابية العالية عند الرئيس الأسد حيال الحوار مع أميركا على قاعدة المصالح الثابتة لسوريا، لتضيف جدية أكبر لهذا الحوار.

أكيد أن واشنطن تسعى لفك الارتباط بين المسارين السوري والإيراني.. وكذلك لحمل سوريا على المساعدة في تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية في الضفة والقطاع، خصوصاً بعد حرب غزة وحالة التوتر الشديد الذي ساد المنطقة .. والموقف السوري الداعم لحماس. بالمقابل السوريون يريدون دوراً أميركياً فاعلاً في محادثاتهم مع إسرائيل .. فالجولان المحتلة استحقاق وطني أولاً .. وأعتقد أن المحادثات مع إسرائيل لن تصبح جدية وفاعلة دون دور أميركي جاد وفاعل..

ويبدو أن السوريين كان لهم مطالب واضحة من الإدارة الأميركية، تم تحميلها للدبلوماسيين الأميركيين الذين زاروا المنطقة مؤخراً، وعلى رأس تلك المطالب، أنه يجب على الولايات المتحدة أن تفصح بالتفصيل، عن رؤيتها الخاصة بالتسوية السلمية للصراع العربي - الإسرائيلي، وأن تعلن صراحة تصميمها على حل الصراع وليس فقط الاكتفاء بإدارته.

ثم يجب على الولايات المتحدة كبح جماح النزعة العسكرية الإسرائيلية بدلاً من إطلاق العنان لها، كما فعلت إدارة بوش أثناء حرب لبنان 2006، وعندما قامت تل أبيب بضرب المنشأة النووية السورية المزعومة عام 2007، وضرب غزة خلال شهري ديسمبر ويناير الماضيين. ويجب على الولايات المتحدة -بشكل خاص -أن تقف بصرامة في وجه أي تفكير نحو توجيه ضربة جوية إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية.. كما قال الأكاديمي البريطاني باتريك سيل والمختص بشؤون الشرق الأوسط.

إضافة إلى أن هدف الولايات المتحدة يجب أن يكون هو تحقيق السلام الدائم، بمعنى أنه يجب أن تكون هناك حركة منسقة على المسارين السوري والفلسطيني معاً لأن أي محاولة لدفع السلام بين إسرائيل وسوريا قدماً للأمام، مع تأجيل حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لمرحلة لاحقة هي محاولة محكوم عليها بالفشل. على نفس المنوال، فإن التركيز على المسار الفلسطيني، على حساب إهمال المسار السوري كان في حقيقته وصفة للفشل. وعلى الرغم من صعوبة الحركة المتزامنة على المسارين في الوقت نفسه فإنه يجب الإقرار أن أيهما لن يصل إلى نهايته من دون الآخر.

وأخيراً، ينبغى على الولايات المتحدة الإصرار على التجميد الفوري والكامل للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة. بدون هذا التجميد سوف يكون مصير أي مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو الفشل.

ومن المعروف أن السوريون يجيدون لغة التفاوض مع أميركا، فنفسهم طويل، ولا يستعجلون الأمور لأنهم لا يريدون التنازل عن دورهم الفاعل إقليمياً وعربياً .. ولا يريدون التنازل عن ثوابتهم الوطنية والقومية في آن..

فقد كان حافظ الأسد من أشد معارضي السلام المنفرد الذي عقدته مصر مع إسرائيل عام 1978، خارجة عن وحدة الصف العربي، ورفض الدخول في مفاوضات سلام قبل انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة.

وفي المذكرات الشهيرة للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، هناك ما قاله الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، يعود اليوم إلى واجهة الأحداث دون أن يفقد شيئاً من أهميته وعمق رؤيته، يقول كارتر في مذكراته:

(إن الأسد قد أكد لى .. أنه تم السماح لإسرائيل بدخول الأمم المتحدة في عام 1949 من خلال الفقرة الشرطية الواضحة التي تنص على أن اللاجئين الفلسطينيين سوف يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم . أو تعويضهم بالكامل عن كل ما فقدوه من ممتلكات ، وقبيل عام 1967 – طبقا لما قاله – فإن إسرائيل كانت تجبر أعداداً إضافية من سكانها العرب على مغادرة الأجزاء الصغيرة المتبقية من أراضيهم ؟.. في مخالفة صريحة لاتفاقيات الأمم المتحدة التي أقسم الإسرائيليون على احترامها ، كذلك فإنه يرى أن إسرائيل بدأت حرب عام 1967 لكي تستولي على المزيد من الأراضي العربية.

واستشهد بكلمة أحد قادة إسرائيل الكبار .. الذي أعلن أنها ليست إلا خطوة وسيطة تجاه الوصول إلى "إسرائيل العظمى" ، وأن كل أفعالهم منذ ذلك الوقت - طبقا لأقوال "حافظ الأسد" - أظهرت أطماعهم التوسعية ، لقد كان "الأسد" مقتنعاً بأن الإسرائيليين لا يريدون السلام .. .. وإنهم سيحاولون - دائما- أن يحبطوا المفاوضات ويفشلوها .. بينما يتوسعون جغرافيا ، ثم أكد أنه من حيث المبدأ – لا يحق لأي قائد عربي أن يوافق على أي توسعات في حدود إسرائيل القانونية .. مهما كانت شدة رغبته في السلام.

لقد حاولت أن أقنع "الأسد" بأن الإسرائيليين مستعدون للسلام .. إذا كان القادة العرب موافقين على التفاوض معهم مباشرة وبنوايا خالصة ، ووصفت له التزام إسرائيل الكامل بأمن دولتهم الصغيرة .. وحاجتهم لأن يكونوا مقبولين ككيان دائم في منطقة الشرق الأوسط ، لكن "الأسد" أشار إلى أن الضفة الغربية تشكل 22% فقط من المساحة التي كانت موضوعة تحت الانتداب الإنجليزي (حوالي ربع ما استولى عليه الإسرائيليون).. وأدانهم بسبب توسعهم في مرتفعات الجولان السورية .. قائلاً : -إنه من غير المقبول أن تصر على تأمين حدودك من خلال الاستيلاء على أراضي الآخرين ، لماذا يجب أن تكون حدودهم الآمنة قريبا من دمشق وبعيداً عن تل أبيب؟".

ثم أضاف .. وكأنه يفكر بصوت مرتفع : "إننا دائما ما نتحدث عن الدين .. لو أنهم أخذوا القدس منا .. فإننا - كمسلمين – سنكون بلا أرواح ،إنّ ما لا أستطيع فهمه .. هو أن يُطلب منا التفاوض (بشدة) للعودة إلى حدود 1967 .. وأن نقوم باستبعاد القدس فقط".

لا أعتقد أن المطالب السورية اليوم خرجت عما قاله الرئيس الراحل حافظ الأسد قبل ربع قرن لكارتر.. ويبدو أنها المطالب العربية الحقيقية والتي تعبر عن نبض الشارع العربي، وأنها ستظل قائمة ما دامت إسرائيل ترفضها، وأميركا تدعم هذا الرفض الإسرائيلي، دون وجه حق



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات