صُنع في الصّين!


شكت كاتبة مصرية من هيمنة الصين على كل شيء ، فهي التي تصنع سجاد الصلاة وبوصلة القبلة ، وآلة التسجيل التي تحدد موعد الاذان ، بعد ان اصبح الفول يأتي معلبا من شنغهاي وشقيقاتها الاسيويات.

تقول الكاتبة ، اخيرا اصبحت الحلوى الشعبية التي يقبل عليها الناس في الاعياد صناعة صينية فما الذي تبقى لنا؟

ان الامة التي استجابت الى موعظة تطلب منها ان تسعى من اجل العلم حتى تصل الصين ، اصبحت الصين هي التي تطرق ابوابها ، ليس فقط لان ما يسمى التنين قد خرج من القمقم ، بل لان العرب تحولوا الى محترفي استهلاك ليس فقط للسلع بل للمفاهيم والرؤى ايضا لم يبق امام من توكلوا ولم يعقلوا ناقة او بعيرا الا ان ينتظروا المطر والهواء من اقصى الشرق بعد ان عاشوا عليه زمنا وهو يأتي من الغرب. ، لكأن قدرنا هو ان نكون رهائن لهذا او ذاك تارة تحت شعار القطاع العام الذي انتهى الى قطيعة وتارة اخرى تحت شعارات الخصخصة التي يسميها اشقاؤنا المغاربة «الخَوصصة»،

من حق تلك الكاتبة ان تعلن عن تذمرها وهي ترى علب الفول تحمل حروف اللغة الصينية ، وتشاهد التماثيل والادوات التراثية والفولوكلورية وقد مهرت ايضا بتوقيع صيني.

ان العرب الان عاطلون عن الحياة كلها ، وليس عن الصناعة والعمل فقط ، لان لديهم ما هو اهم وينهمكون فيه ، كالحروب شبه الاهلية والعودة الى ما قبل التاريخ وما قبل الدولة رغم الزعم بانهم يعيشون حقبة ما بعد الحداثة،

وليس فائض الثراء هو ما ادى الى هذا التكاسل على الصعيدين المادي والمعنوي ، بل هو فائض الترهل والبطالة والاركان الى ما تيسر حتى لو كان مجرد حصى يغلي في قدر ماء،

ورغم كل ما يعزف على مدار اللحظة على وتر التنمية بمختلف مجالاتها الا ان الانيميا هي التي تتصاعد وتبلغ نسبة كارثية ، فالطلاق بائن بينونة كبرى بين ما يقال وينشر وما يمارس بالفعل ، واحيانا يكون الافراط في الادعاء بمثابة التعويض عن كل ما هو مفقود.

وتلك لعبة قديمة متجددة ، يساهم الاعلام المسيس والمسير في تسويقها ، وطرحها بديلا للواقع،

العربي الذي بلغ ارذل العمر بمقياس حضاري يستورد حتى عباءته وكوفيته وعقاله من اوروبا والصين ، حتى لغته التي طالما اعتز بها باعتبارها كما قال جاك بيرك تنفرد بين لغات العالم برسالتها الانطولوجية او الكونية ، اصبح يرطن بها.

وهناك الاف اللغات معرضة للانقراض خلال العقد القادم ، وثمة لغات محلية تنقرض بمعدل واحدة كل يوم او اقل من يوم.

لم يبق امامنا كعرب الا ان نقول بالصيني الفصيح ما عجزنا عن قوله بالعربي الفصيح ، واذا استمرت هذه المتوالية فان العربي سيصبح في المدى المنظور كائنا مترجما.

فالترجمة سواء كانت فورية او بتصرف لا تتعلق فقط بالنصوص ، انها تشمل الكائنات ايضا ، واذكر ان كاتبا عربيا شم رائحة هذا الزمن عن بعد فكتب قبل اربعة عقود قصة طريفة عن عربي يقرر ان يقشر نفسه وما يغلفه من مظاهر الحداثة كالبصلة ، ثم ينتهي الى لا شيء.

ملابسه ، وسيارته ونظارته الطبية ، وحذاؤه وعلبة الدواء التي في جيبه وقلمه وساعته كلها مستوردة من خارج بلاده ، انه يجد نفسه عاريا في الصحراء.

لن نختلف حول حدود الترميز والمبالغة في تلك القصة ، لكن ما تهدف اليه اوضح من ان يحتاج الى تفسير او تأويل واذا كان هناك تقليد صناعي قومي يمهر المصنوع بعبارة صنع في هذا البلد او ذاك ، فان العربي كانسان قد يجد نفسه ذات يوم وقد كتب عليه.. صنع في الصين،،.



تعليقات القراء

لينين
هذا الكلام صحيح لأن العقل العربي عقل متلقي وليس عقل محلل وناقد نحن بحاجة لإعادة إنتاج العقل العربي أولاً.
22-03-2009 01:55 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات