فيلكس يشخص حالتنا من الفضاء


خمس سنوات من التعب والجهد والتحضير وأموال أنفقت بمكانها الصحيح , لم نسمع صخبا ولا صوتا ولا حراكا ولا مطالبات ولا سخط على قوانين أسست لتكميم الأفواه ضد الفساد والمفسدين لتقول لنا الحكومات أنكر المنكر بأقل الأدبيات ألا وهو القلب . 

رجل واحد يلبس تي شيرت أسود , لم يلبس ربطة عنق أو بذلة أو سيارة فارهة من ثلاثة أرقام , لم يتقدم أحد لتجهيز الكرسي له ولم أشاهد مراسم , لم أشاهد رجل أمن , كان هذا الرجل يجلس بكل خبرة وحنكة لانجاز لبلاده عبر توجيه تلميذه النجيب المضحي بروحه لإثبات حقائق مع أن نسبة نجاته وبقائه على قيد الحياة كانت واحد في المائة بناء على مخاطر الرحلة وقوانين الفيزياء .

هذا الرجل أغرقه الشيب , كان يجلس إلى يسار المشاهد وتنتظم خلفه الصفوف مليئة بالأشخاص المنهمكين بالمشاهدة والمتابعة ولم يتلفظ أحد منهم بلفظة واحدة أو صرخ ليعطي تعليمات محددة , وعائلة الرجل الطائر تجلس مترقبة بداية انجاز أو موت عزيزها .

هذا الرجل الرشيد تحمل الأمانة بكل اقتدار وبدأ يسأل الرحالة فيلكس عن الأجواء وعن ضغط الهواء وهل ملئت البذلة بالهواء وكثير من تفاصيل العلم أنا وغيري نسمعها ولا نعرفها كثيرا , وبدأ العد وبكل هدوء وسكينة وطمأنينة قفز فيلكس وكأنني أشاهد هذا الرجل الشيبة يمسك الحبل وبكل اقتدار ويقود السفينة , وبدأ ينظر إلى الثواني الثلاثين الأولى وهي الأخطر من عمر القفزة التي تجاوزت الثمانية والثلاثين كيلو متر .

بقي هذا الرجل الشيبة بهدوئه والطاقم يستمع وتجاوز المرحلة الخطرة ذاك المغامر ليفقد توازنه , ويصبح ألعوبة بيد الهواء ودوران هو أكثر ما كان يحذر منه الرجل الشيبة , ولم ترتعد فرائص الرجل القدير مدبر الأمور بعد الله تعالى , بل أعاد الأسئلة لفيلكس هل تسمعني وأعاد توجيهه ليسيطر على نفسه مرة أخرى ويهبط هبوطا مدويا وحاملا معه الكثير من الاكتشافات وكسر الكثير من القواعد الفيزيائية .

رجل بشري يخترق حاجز الصوت , يصعد مسافة 39 كم بثلاث ساعات وينزل من نفس المسافة بثلاث دقائق والموجه واحد ومسير الأمور بعد الله واحد وعندما وصل إلى الأرض هذا الرجل الطائر لم يهبط في مكان سيء بل اختير بعناية .

هبط وتقدم إليه رجل واحد من المروحية تحدث معه , ثم جاء ثلاثة رجال وتفقدوه ثم جاء مصور فوتغراف ليلتقط مجموعة من الصور ومن أكثر من كاميرا ثم حضرت محطة تلفزيونية لتجري معه اللقاء , وهنا التنظيم وهنا الرجل الرشيد ما زال ينظر ويجلس في مكانه رغم تصفيقة وتنفسه الصعداء لنجاح مهمته وحفاظه على هدوئه وعدم استفزاز الحضور أو المشاهدين بقي يتابع الكبسولة التي حملت فيلكس وهي تعود وتهبط كما هبط فيلكس وبنفس المكان وبكل سلامة واقتدار لأنها مكتسب غال الثمن .

كل هذا برجل رشيق وحكيم وخبير , همه هم أمة , يبحث عن النجاح في عالم المستحيل بالنسبة لنا , كل هذا ونحن في الأردن منذ سنة ونيف غيرنا حكومات بعدد الحصى , ولم يتغير حالنا , ولم نبتلى برجل رشيد في رئاسة الحكومة يخرج الأردن من ضيق الأزمات إلى جنان الراحة والسعادة .

لم يكن الهم سوى تكميم الأفواه , وعجزت حكومات متعاقبة على إيجاد آلية لإيصال الدعم لمستحقيه , لم يفكر أحد في حل جذري للمستوى الطبقي الذي يحدث ولماذا المواطنين قسّموا إلى عدة أقسام من فقير إلى وسط إلى غني إلى برجوازي , وقُسمنا إلى عمان الغربية وعمان الشرقية وفارق الطبقية مقيت جدا بناء وأشخاصا .

بين فيلكس وبين مدربه ثقة لم تأتي من فراغ , فقد أسلم فيلكس حياته لهذا الرجل الأشيب , ووثق بكل تعليماته , وكان يعلم يقينا أنه سيصل إلى بر الأمان بناء على ما تم بناءه بين الرجلين .

في الأردن ما زلنا نبحث عمن نثق به يوفر لنا ما نريد أو اقل ما نريد , فقد امتلأ الأردن بالوزراء والاتجاهات وأثقلت ميزانية الدولة بوزراء ونواب , مراسم ومظاهر دجل أوصلتنا إلى الحضيض .

بلد مشتعلة ووزير حكومة يشتهي الفلافل في مطاعم هاشم , ومنكوبين في مخيمات اللاجئين بدل من تقطيب الجبين والبكاء على حالهم يأتينا كبير الوزراء بسنسال ذهبي لامع ليقول لهم يا جياع أنا ثري , كيف ولماذا والى متى .

أين أنت يا فيلكس وأن مدربك من وزرائنا وحكوماتنا
الأردن بحاجة إلى رئيس وزراء يجلس مكان الرجل الأشيب في غرفة واحدة ومعه وزرائه ويقودون الأردنيين إلى بر الأمان.
كفانا فلم تعد الشمس تغطى بغربال الكذب والتصريحات المبطنة وقول دون فعل هذه هي رسالة فيلكس الأردني إليكم في الدوار الرابع .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات