الأمير الحسن يدعو إلى إحياء مفهوم "الوقْف من أجل التعليم"


جراسا -

دعا سمو الأمير الحسن بن طلال إلى إحياء مفهوم "الوقْف من أجل التعليم" وتفعيله من أجل دعم الأبحاث والتفكير النقدي في الوطن العربي؛ مشيراً إلى أنه على مدى عدّة قرون في التاريخ الإسلامي، تمّ تمويل التعليم بواسطة المنح من الجهات الدينية والخيرية وبالدعم السخي من الأفراد المعنيين. فجامعة الأزهر، على سبيل المثال، قدمت التعليم المجاني والدعم لأجيالٍ لا تعد من الطلاب، ليس فقط من العرب، بل من أقطار العالم الإسلامي قاطبة. وفعلت ذلك بتمويل من الأوقاف، التي انتهى عملها حديثاً عندما استحوذت الحكومات على الأوقاف والنظام التعليمي، ولم يعد يرى الناس أي مبرر للتبرع للتعليم.

وأضاف سموه في كلمة رئيسية خلال افتتاح مؤتمر "تنمية الجامعة والتفكير النقدي"، الأسبوع الماضي في دولة الكويت بتنظيم من الجامعة الأمريكية في الكويت وكلية دارتموث، أننا "بحاجة إلى أن نتعلم من الممارسات الجيدة الموجودة في أجزاءٍ من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب؛ حيث تخصص شركات الأعمال الكبرى الموارد السخية للأبحاث بشكل منتظم. إن شركات الأعمال في العالم العربي قد نسيتْ تقليد الوقْف ولم تقمْ لحدّ الآن بنشر الممارسة الجيدة المتبعة في الغرب لدعم الأبحاث".

وقال الأمير الحسن إنه يجب النظر إلى التفكير النقدي على أنه واجب ديني وتعليمي. فصقْل التفكير النقدي "هو السبيل الأفْضل والهدف الأسمى للتعليم، خصوصاً التعليم الجامعي. فعندما يصبح هذا مبدأ أساسياً للتعليم، عندئذٍ، يكون بمقدور نظمنا التعليمية أنْ تتقدم بشكْلٍ ملائمٍ لمتغيرات العصْر، وأنْ تعدّ الأفراد والبلدان لمواجهة المستقبل"؛ مضيفاً أن التعليم الجامعي لا بد أن يهدف إلى "غرْس القيم الفكرية الضرورية وحب الفضول في أذهان الطلبة والباحثين بحيث يمتلكون الشجاعة الفكرية بدلاً من الجبْن الفكري؛ التواضع الفكري بدلاً من التكبر الفكري؛ التعاطف الفكري بدلاً من الانْغلاق الفكري؛ الاستقلال الفكري بدلاً من التكيف الفكري؛ النزاهة الفكرية بدلاً من النفاق الفكري؛ المثابرة الفكرية بدلاً من الكسل الفكري؛ الثقة بالعقل بدلاً من عدم الثقة بالعقل والبرْهان؛ الإنصاف الفكري بدلاً من غيابه".

وشدد سموه أن الجامعات تقدّم الإعداد الأفضل لطلبتها "عندما تغرس في عقولهم ضرورة نشْدان الوضوح؛ الصواب؛ الدقة؛ وثاقة الصلة بالموضوع؛ العمْق؛ سعة الأفق في التفكير؛ المنطق؛ الدّلالة؛ وفوق كل شيء الإنصاف. إن هذا يضمن صقْل العقول التي يمكن أنْ تحلل وتتعمق في البحث وتوجد الحلول للمشكلات وتوسّع من حدود المعرفة إلى أبعد الآفاق. بذلك، يمكن للطالب أنْ يحقق النضْج على المستوييْن الشخصي والفكري. وفي الوقت نفسه، يتمّ إغناء البلدان في أفضل مواردها؛ الموارد البشرية".

وقال الأمير الحسن "إن التركيز على التعليم للحياة؛ التعليم الذي يبْني قدرات الفرد، هو الذي يمكّن طلبتنا من إدراك الفرص والإمكانات التي تنتظرهم في القرْن الحادي والعشرين. وهو القرن الذي يكتنفه التسارع في الاختراعات والاكتشافات. من دون ذلك، تقلّ فسحة الأمل، خصوصًا في هذه الأيام. ففي نهاية المطاف، نجد المنافسة محتدمة بيْن الكثير من الأمم، التي تمتلك معدلات نمو جيدة، والتي ترى القيمة التي يمكن للتعليم وتعليم التفكير النقدي أنْ يغرساها في الأذهان".

وأضاف سموه "يجب أنْ تُمنح القيمة العليا للبحث؛ المقالات؛ مشروعات الأبحاث المستقلة؛ وكتابة الأطروحات على مستوى الماجستير والدكتوراة. فهي التي  تتطلب من الفرد طرح الأسئلة وتقديم الحلول للمشكلات والإتيان بالآراء والعمل بشكل فردي وكذلك ضمن فريق. لكن، لسوء الحظ، لا يتمّ تدريس طلبتنا من أجل تحدّي النظام التعليمي، أو تحدي المدرّس، أو تحدّي زملائهم، والأهمّ من ذلك، لا يتمّ تدريسهم ليتحدّوا أنفسهم".

وقال الأمير الحسن "إن برامج التبادل التعليمي... إضافة إلى المناظرات العامة القوية ومؤتمرات المواطنين، لها دور حيوي في تنمية قاعدة مشتركة للسلوك تمثل جزءاً من تأسيس أخلاقيات التضامن بين الشعوب، التي تتجاوز الاختلافات السياسية والدينية. إن إدراك الأهداف المشتركة والتجارب والقيم يمكن أن يسمح لمجتمعاتنا بالبقاء في عالم يتمتع بالاستقلال المتكافل".

وأكد سموه الحاجة إلى التفكير المبدع غير التقليدي الذي يشجع الطلبة في مؤسسات الدراسات الحرة على تعلّمه. "حيث يتمّ التركيز في تعليم الطلبة على كيفية التعلّم وليس على موضوعه فقط، بحيث يشكل ذلك الطريقة التي يفهمون بها العالم. إنّ المفارقة التي تبدو للطلاب الذين يدرسون محليّاً في عالمٍ معولم تمثل واحدة من أكثر الفرص تشويقاً في القرن الحادي والعشرين. ويمكن تحقيقها فقط بواسطة تعليم الطلبة التفكير الناقد بشأن محيطهم، ومساعدتهم على فهم الكيفية التي تكون عليها البيئات على اختلافها في السياق العالمي".

وكان أمير دولة الكويت سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح استقبل سمو الأمير الحسن بن طلال والوفد المرافق له بمناسبة زيارته للكويت. وحضر المقابلة سمو الشيخ نواف الأحمد، ولي العهد الكويتي، ووزير شؤون الديوان الأميري الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح.

وخلال زيارته دولة الكويت التقى سمو الأمير الحسن عدداً من رجال الفكر والثقافة في مبنى مجلة العربي حيث جرى حوار أكّد خلاله سموه على أهمية قيام مشروع ثقافي عربي موحد، يرتكز على فكرة الأمن الثقافي التي اصبحت غائبة عن أغلب المشاريع العربية. كما أكد على ضرورة التركيز على الثقافة القانونية كجزء مهم في المشروع الثقافي، مشدداً على فكرة الانتقال بالاقتصاد العربي من شقه الريعي إلى الجانب الاستثماري الانتاجي.

كما قام سموه بزيارة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي حيث اطلّع على تجربة المؤسسة ومشاريعها وإسهاماتها العلمية والثقافية. إلى جانب زيارته للأمانة العامة للأوقاف حيث اطلع سموه على مركز نظم المعلومات بالأمانة والمهام التي يقوم بها واستخدامه للتقنيات الحديثة من خلال شبكة الانترنت، كما اطلع على إدارة الوقف الجعفري.

وشارك سموه في مائدة مستديرة حول "بناء الجامعات الرائدة" في مقر الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. والتقى عدداً من المسؤولين والشخصيات العلمية والثقافية والفكرية في دولة الكويت.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات