الهيئة النووية والمفاعل .. ارقام خاطئة ومغالطات وتجاوزات!


بالاشارة الى التقرير بعنوان «مختصون: المفاعل النووي في \"العلوم والتكنولوجيا\" يخضع لدراسة بيئية شاملة» والذي نشر في صحيفة الغد بتاريخ 11/9/2012، حول مشروع المفاعل النووي في مدينة الرمثا، أجد نفسي مضطراً للرد وذلك بسبب تضمن التقرير العديد من المفاهيم الخاطئة والمغالطات الصادرة عن مختصي هيئة الطاقة الذرية الاردنية.

يدّعي احد المختصيين « أن أهم إشاعة يتم ترويجها عن المفاعل البحثي هو حاجته للمياه بكمية كبيرة من أجل عملية تبريده، مؤكدا أن كل يوم تشغيلي للمفاعل يحتاج به المفاعل إلى 11 مترا مكعبا من المياه فقط يتم تدويرها وإعادة استخدامها، وقد يحصل بها بعض الفاقد بسبب التبخر»
وأستغرب من تكرار هذه الارقام الخاطئة والتي هي بعيدة كل البعد عن الواقع، ولكن أود التأكيد ان مياه تبريد المفاعل التي يتم تدويرها تبلغ حوالي 600 متر مكعب في الساعة، اي ان ما يقارب من 14 الف متر مكعب من المياه يومياً ستدور في ابراج التبريد المائي وليس 11 متر مكعب كما تدعي الهيئة. اما الفاقد والذي يجب تعويضه فيبلغ حوالي 200 متر مكعب يوماً او مامقداره 65 الف متر مكعب سنوياً، هذه هي الكمية التي سيستهلكها المفاعل في ظروف التشغيل العادي وليس في حالة وقوع حادث نووي.

ويتابع أحد المختصيين في هيئة الطاقة الذرية الاداء بأن « المفاعل الإنتاجي المنوي إقامته في الخربة السمرا في محافظة المفرق، سوف يحتاج إلى 20 مليون متر مكعب من المياه سنويا، علما أن إنتاج محطة الخربة السمرا من المياه العادمة سنويا هو 120 مليون متر مكعب سوف يقوم المفاعل نفسه بتصفيتها وجعلها صالحة للاستخدام الزراعي على أقل تقدير»
دعوني اعترف انه وبعد اكثر من 25 عاماً كمهندس نووي لم اسمع قط بمصطلح « المفاعل الإنتاجي»، فالمفاعل في المفرق هو مفاعل طاقة او قدرة (NPP) اي انه سيستخدم لأنتاج الطاقة الكهربائية، وهنا يجدر الاشارة الى ان الهندسة النووية هي علم وأختصاص وصناعة لها تعابيرها المهنية ومصطلحاتها الدالة ولا يجوز للحابل والنابل اختراع مصطلحات وتصنيفات ليس لها اساس من الصحة. فاستخدام مثل هذه الكلمات تدل على ان المتحدث هو من خارج الصناعة النووية وليس على دراية بلغتها الفنية ومصطلحاتها المتعارف عليها، كما انه قد يساهم في تضليل المجتمع وتشويش افكاره.

فبالنسبة الى كميات المياه اللازمة لتبريد مفاعل الطاقة فانها تقدّر بحوالي 65 مليون متر مكعب سنوياً، تمثل كامل انتاج محطة الخربة السمرا من المياه العادمة، والذي تراوح بين 50-60 مليون متر مكعب خلال السنوات القليلة الماضية. اما الفاقد والذي يجب تعويضه فيبلغ حوالي 25 مليون متر مكعب سنوياً ، وهي الكمية التي سوف يستهلكها المفاعل في ظروف التشغيل العادية وليس في حالة وقوع حادث نووي حيث سوف يحتاج الى كميات أعظم بكثير!.
اما الادعاء بأن المفاعل سيقوم بتصفية المياه وجعلها صالحة للاستخدام الزراعي، فهو كلام خطير وخاطيء ويتنافى مع ابسط المفاهيم العلمية، فالحقيقة ان المياة التي ستخرج من دائرة تبريد المفاعل النووي غير صالحة لأي استخدام مهما كان، بل على الاغلب سيتم التخلص منها في برك تجفيف ستشكل تحدي بيئي جديد يجب التعامل معه. ولذا فأن الزراعة التي تعتمد على مياه الخربة السمرا ستكون الخاسر الاكبر بعد تحويل ملايين الأمتار من المياه لتبريد المفاعل بدلاً من ري المزروعات، وهذه من اوائل الدراسات التي يجب اجرائها وتقييم مدى تأثيرها البيئي والاجتماعي والصحي والنفسي والاقتصادي على المنطقة.

ويتابع التقرير دعاوى هؤلاء المختصون قولهم > وهذه الدعوى تتنافى مع ابسط مفاهيم السلامة النووية التي تؤكد على وجودها وضرورة القيام بدراسات تقييم المخاطر (PRA) لحماية البئية والانسان من اثار الاشعاعات النووية.
لقد وضعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) المعايير والارشادات اللازم اتباعها لانشاء وتشغيل المفاعلات البحثية بشكل سلمي وآمن، وبينت ان هناك تسعة عشر قضية يجب دراستها وأخذها بعين الاعتبار قبل اختيار الموقع والشروع في عملية البناء لما لها من تأثيرعلى أمن وأمان المفاعل وسلامة المواطنيين، الأمر الذي يؤكد على وجود مخاطر حقيقية في منطقة المفاعل، وأدعو الاخوة في هيئة الطاقة الذرية على الاطلاع عليها قبل الشروع في بناء مفاعل نووي.
ان الأستمرار في بناء مفاعل نووي دون اي تراخيص او موافقات وفي غياب تام للمؤسسات الرقابية، وعدم الالتزام بأرشادات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتجاوز المعاييرالنووية الدولية الذي شهدناه سواء في تخطيط او تنفيذ هذا المشروع سوف يزيد المخاطر ويضاعف من احتمالية وقوع حادث نووي.
فالترخيص والرقابة النووية ليست عملية صورية مبنية على دراسات اكاديمية وأجراءات شكلية، فالدراسات المطلوبة تهدف الى الخروج بنتائج علمية وواقعية لوضعها امام صانع القرار لأتخاذ القرار الصائب لما فيه المصلحة العامة، وليس لتبرير قرارات متخذه سابقاً وذر الرماد في العيون بشأن مخاطر المفاعلات النووية والكميات الهائلة من المياه التي تستهلكها، والاثار الكارثية للحوادث النووية.
____
الكاتب: بكالوريوس وماجستير ودكتوراه في الهندسة النووية، متخصص في تصميم وهندسة المفاعلات النووية ‏وإدارة الوقود ‏النووي. مؤسس قسم الهندسة النووية في جامعة العلوم والتكنولوجيا، مؤسس ومدير مشروع مختبرات اليورانيوم ومخزن النفايات المشعة وأول منشأة نووية في الاردن، مدير عام الشركة الاردنية لمصادر الطاقة الأسبق، مفوض دورة الوقود النووي الأسبق.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات