أمريكا مستعمرة اسرائيلية


من المؤكد أن سياسة وأهداف واستراتيجية الولايات المتحدة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط ستظل ثابتة لا تتغير بتغير الادرارات، والذي يمكن أن يتغير هو اعادة تقييم الاهداف، وترتيب قائمة الاولويات، وادوات تحقيق الاهداف، فاوباما الذي وعد العالم بولايات متحدة جديدة، ووعد العالم الاسلامي بفجر وشيك، ووعد العرب بعلاقات يسودها الاحترام المتبادل، ووعد الفلسطينين بحل الدولتين، وعد الجميع بكل شيء ولكنه لم يعطي احدا اي شيء.
ويبدو الارتباط الاستراتيجي بين امريكا والكيان الصهيوني والذي تحول ليكون ارتباطا عضويا وعاطفيا الى الحد الذي تتبنى فيه الولايات المتحدة جميع المواقف الاستراتيجية لاسرائيل سياسيا واقتصاديا وعسكريا بالقدر الذي يتعين معه تحقيق الاهداف والمصالح الاسرائيلية؛ فقامت الولايات المتحدة بتقديم الدعم السياسي والمادي والمعنوي غير المحدود لاسرائيل في احرج المواقف، الى حد استخدام حق النقض "الفيتو" ضد اي قرار يدين اسرائيل، حتى اصبح استخدام هذا الحق او التهديد باستخدامه متوقعا في جميع المواقف المحتملة والمستقبلية.
ويشير واقع هذا الارتباط العضوي والعاطفي الى ان اسرائيل قد حصلت على اكثر من 150 مليار دولار كمعونات من الولايات المتحدة منذ نشاتها وحتى الان، وفي هذا السياق فانها تعتبر الدولة الوحيدة التي تظهر قيمة المعونة المقدمة اليها في موازنات الوزارات المختلفة والوكالات الفيدرالية الامريكية وكانها ولاية امريكية، فعلى سبيل المثال تتضمن ميزانية وزارة الخارجية الامريكية بندا ثابتا يتعلق بتوطين اليهود في فلسطين، كما تتضمن ميزانية البنتاغون بندا يتعلق بتطوير انظمة التسليح في اسرائيل، كما تعتبر الدولة الوحيدة التي تحصل على الجزء الخاص بالمعونة الاقتصادية نقدا وعلى دفعة واحدة.
لقد ادركت اسرائيل منذ نشاتها عمق وحجم المصالح الاستراتيجية الامريكية في منطقة الشرق الاوسط بوجه عام، وفي الوطن العربي على نحو خاص، فاعتبرت ان هذه المصالح هي الدافع الرئيسي للولايات المتحدة لهذا الارتباط الاستراتيجي، ولذلك عملت اسرائيل على ابراز هذه المصالح على خريطتها الاستراتيجية من جهة، ثم عملت على تعظيم دورها واقناع الولايات المتحدة بقدرتها على صيانة مصالحها من جهة اخرى، على ان اعظم ما تضمنه الادراك الاسرائيلي هو اهمية تعظيم الوضع الذي يتمتع به اليهود في الولايات المتحدة، فقامت باستغلال ما يشتهر به اليهود من قدرة عالية على جمع المال، ومهارة فائقة على التنظيم، فسيطروا على اسواق المال، وامتلكوا دور النشر ووسائل الاعلام، وقد افرزت قدرتهم على التنظيم ما يعرف باللجنة الامريكية الاسرائيلية للشؤون العامة المعروفة ب"ايباك" مما ادى في النهاية الى السيطرة على المجتمع الامريكي من خلال جماعات الضغط اليهودي، وبالرغم من ان عدد اليهود في امريكا لا يتعدى 8 ملايين نسمة ، الا ان هذه القلة قد سعت الى السيطرة على مراكز صناعة القرار في الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، باعتباره المتحكم الوحيد في الحزانة الامريكية، ويسعون الى المشاركة في اللجان ذات التاثير على القرارات الاستراتيجي خاصة تلك التي تتعلق بدعم القدرات الاسرائيلية.
كما ادركت اسرائيل انها تحمل في بنيانها وهنا شديدا، وان هذا الادراك هو الدافع الرئيسي لهذا الارتباط، ويتمثل هذا الضعف في صغر مساحتها الامر الذي يشكل خللا في وضعها الاستراتيجي، وقد ادى هذا الاختلال الى سعيها الدائم للاستيلاء على مزيد من الاراضي للوصول الى اقصى حدود تؤمن عمق كيانها، مع تحقيق التفوق العسكري المطلق على الدول العربية مجتمعة، كما يمثل ضالة عدد سكانها الاشكالية الثانية في ضعف بنيانها، ونتيجة لهذا الضعف الشديد فقد تبنت عدة مبادئ تشكل عقيدتها القتالية والاستراتيجية، وتتمثل العقيدة القتالية في تطبيق نظرية الحرب الخاطفة حتى لا يتاثر اقتصادها عند التعبئة العامة لمدة طويلة، وعدم قبولها خسائر بشرية جسيمة، مع ضرورة نقل العمليات الحربية خارج اراضيها، اما العقيدة الاستراتيجية وهي الاهم فتتمثل بضرورة الارتباط بقوة عظمى لتامين وجودها ككيان.
وبالرغم من الادراك الكامل لاسرائيل بان الولايات المتحدة تضمن امنها وتصون بقاءها ، الا ان الطبيعة الاسرائيلية الحذرة والمتشككة قد فرضت عليها ان تضع في اعتبارها امكانية حدوث اي متغيرات اقليمية او دولية تؤدي الى تغيير مرتكزات الاستراتيجية الامريكية في المنطقة، او تؤدي الى افول نجم الولايات المتحدة كما هو متوقع، ولذلك تسعى للبحث عن قوة عظمى صاعدة تكون بديلة عن الولايات المتحدة كالصين مثلا التي تعتبر ضمن كل القراءات القوة العظمى الاولى القادمة، حتى اذا اختلت المعادلة الاستراتيجية العالمية تخلت اسرائيل عن الولايات المتحدة ووجدت البديل المناسب الذي يضمن بقاءها، وهو ما فعلته مع بريطانيا العظمى عندما تخلت عنها بعد ان اصدرت لها وعد بلفور بعد بروز الولايات المتحدة كقوة عظمى في النظام الدولي ثنائي القطبية، ومن قبلها تخلت عن المانيا في مرحلة التخطيط والاعداد لانشاء الوطن اليهودي، فهي دائما ما تكون على استعداد لان تتخلى عن الجميع بعد تحقيق الهدف الذي من اجله يتم الارتباط، فهل تحصل الولايات المتحدة على استقلالها من اسرائيل قبل ان تتراجع مكانتها الدولية وهو التراجع الذي بدات ملامحه تلوح في الافق بعد الاخفاقات العسكرية في العراق وافغانستان وما سببته من ازمة اقتصادية حادة قد تؤدي الى انهيار النظام الراسمالي برمته؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات