عادةُ التزوير .. أول الرقص حنجلة


حكى بعضُ مَن سَبقونا - هازلا - قِصّةَ القِطِّ الذي قرَّرَ التَّوبة مِن إيذء الفئران، وتوّجَ تَوبته بأداءِ فريضة الحج، وتناقلت الأنباءُ خبرَ عودته، فقرَّرت الفئرانُ أن تبعثَ مَن يَستطلِعُ الخبرَ، وَفِعلاً ذهبَ أحدُها، ونظرَ بحذرٍ مِن شِق الباب؛ فإذا بالقطِّ يُمسكُ سِبحةً وسِواكاً، وعلى رأسه عَمامةٌ بيضاء، لكنّه ما إنْ لَمَحَ الفأرَ حتى ألقاها جميعا، وَوَثبَ وثبته المعهودة، فانطلقَ الأخير بسرعةِ البرقِ مقطوعَ الأنفاسِ، فلمّا سأله رِفاقُهُ عن الخَبَرِ، قال: حَجِّي؟؟ نعم حَجِّي، لكنَّ النَّطة هي النَّطة.
هذا هو تماما حالُ رُموزِ الفساد الذين سرقوا سلطةَ الشعبِ مع الشعبِ الطيّب، يُقسِمون الأيمان أنهم تَغيّروا والأفعال تُكذّب ما يُقسمون عليه، وحاشاهم أنْ يَرتفعوا لِودَاعَة القِطط، وحاشا الشَّعب الأبيّ أن يَهبط لِرتبة الفئران، لكنّه المثلُ نَضربُهُ لِتَقريبِ الصورةِ، وتَوضيحِ المشهد.
ففي ظِلّ الدّعاية الرسمية، والوعود القاطعة بإجراء تحوّل جذري في النّهجِ والآلية الانتخابية، يجتمعُ القومُ جهارا في بيت أحد النُّواب لتشكيلِ القائمة الوطنية برعاية الديوان العامر، والوعود بالدّعم اللامحدود والمؤازرة ، معَ أنَّه من المفترضَ فيه (أي الديوان) أنْ يقفَ على الحياد؛ ليكون راعيا لمشروع التحول نحو النزاهة، وضامنا له!!!
أنْ يصبح للديوان مُرشحُ علني، ومنافس حصريّ في الميدان السياسي لم يَعُد أمراً يُمكن إخفاؤه، أو إنكارُ وجوده، وهو عُنوان صارخٌ على تشابك الخيوط بين مؤسسة العرش وامتدادتها داخل مؤسستي التشريع التنفيذ.
في الحقيقة ليست المصداقية والشفافية والنزاهة في الحياة النيابة الأردنية - بِلغة علم الأحياء - ألا سِمة مُتَنَحِّيَةٍ في التَّركيب الجِينِّي لا صفةً سائدةً ، إيْ أنّها لا تكونُ إلاّ في أجيال مُتباعدة على شَكلِ ومضات ما تلبث أن تغيب.
الإصرار الرَّسمي - وعلى أعلى مستوى - على قانونِ الانتخابِ الإقصائي، وإطلاق الفتاوى بحرمة المقاطعة ووجوب المشاركة، وفتح باب التسجيل ليكون بلا سقف زمني، واستحداث مراكز التسجيل في كل مؤسسة وقرية وبادية، وإكراه المراجعين على التسجيل واستلام البطاقات، وعقد الندوات التَّوَعَوِيَّة، ونشرِ المقالات التَّعبَوية التَّحْشِيديِّة - كلُّها مؤشرات سلبية تَكشف عن نَوايا غير طيبة، وتؤكد الهواجس حول العملية الانتخابية القادمة بكل تفاصيلها.
في الحقيقة ليس أمامَك لِتَختبرَ الشّيخَ العَجوزَ الذي تَعّودَ الدّبكة في الأعراس أيام شبابه، وأعطى العُهود لأبنائه بالتزام الوَقار آخر عُمره إلا أنْ تَصحَبَهُ إلى أقربِ عرس، ثم تُراقبَ رُدودَ أفعاله؛ لِتضع يدك على قلبك، وتتأكّد مِن صِحَّة المثلِ القائل: ( أولُ الرّقصِ حَنجلة).
لقد أصبح النظام كصاحب المطعم الذي يَجُولُ بأُصبَعهِ في مِنخارِه، وهو يُقسمُ للزبائن بأنَّه سَيُقَدِّمُ لهم طعاما نظيفا.
في الحقيقة أيضا أن قِمّةُ الغَباوة أنْ تُكَرِّرَ ذاتِ الأخطاء، وأن تَرجوَ في كلّ مرة أن تحصلَ على نتائج مختلفة.
هذه سيرة النظام مَعنا، منذ خمس وستين عاما؛ يُمطرُنا بالوعود، ويَصدعُ رؤوسَنا بالضّمانات، ويفاجئُنا في كلّ مرة أنّه يَعتمدُ في تَنفيذِ ما وَعَد به على ذات الوجوه والشخصيات، ويَستخدمُ في ذلك نفسَ الأساليب والآليات،، ويَقرأُ على رؤوسِنا عند سرير نَومِنا ذات القِصّة ويكرِّرها، ويَتوقع مِنّا أن نذهب في النوم العميق الذي يُريحُه مِن شقاوتنا.
بالتأكيد لقد أصبح التزويرُ والتَّزييفُ في الفعل الانتخابي والإداري طبعاً وعادةً في بنيةِ النظام وأركانِه ، وليس مِن السَّهل تَخليصه منها، لأنّها أصبحت جُزءا مِن وَعيهِ الدّاخلي (اللاشعور)، وتتحكم بكلِّ قراراته وما يصدر منه من مواقف، ولا يُمكنُ للعادة أن تَنكسرَ أو تَتغير، إلا باستعداد ذهني ونفسي كاملين، يُزيلان أثرها من الوعي الباطن بوعي جديدٍ وإيمانٍ راسخٍ يقتلعُها مِن جُذورها، وهذا ما لا يَمْتَلكُه أصحابُ القرار بعد.
إنّه ممّا كانَ يَصنعُه الجَاهِليون في صَدرِ الإسلامِ إذا أرادوا الدُّخول فيه، أن يَخلع أحدُهم عباءةَ الجاهلية على أعتابِ الإسلام قبل الدخول - على حَدّ تعبيرِ سيد قطب - ونِظامُنا الرّشيد يُريدُ أن يُقنعنا بتحولاته نحو العصرِ الجديد وهو مُتَمسّكٌ بعباءته البالية وعقليته العرفية!!!!
مِن المقطوعِ فيه إلى هذه اللحظة أن النظام غير قادر على استيعاب المتغيرات، ونَحتاج جميعا إلى خُطوة راشدة، تَعصِمُنا مِن المخاطر المترتبة على المغامرة، والأملُ أنْ لا يقوم الخطيبُ بِعَقدِ قران الآنسة نزاهة وأختها شفافية، ويؤجل العرس الديموقراطي، لأنهما قاصرتان لم تنضجا بعدُ، والحكمة تَقتضي التأجيلَ، حتى تَتحقّقَ الشروطُ اللازمة لإتمام العقد: العقل والبلوغ والرضا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات