حكومة إنفراج سياسي ..


الحكومة والدوائر الرسمية الأخرى، ومعها وسائل الإعلام تعاملت مع حديث الملك إلى وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) والمنشور في صحف 13 أيلول الجاري، باعتباره حسماً نهائياً للموقف الرسمي، والقاضي بإجراء الانتخابات النيابية في نهاية هذا العام، على أساس قانون الانتخاب الذي تقدمت به حكومة د. فايز الطراونة وأقره البرلمان الأردني مؤخراً.
وعلى ضوء هذا التقدير للخطاب، والذي إعتبرته الأوساط الرسمية بمثابة "خارطة طريق للاصلاح السياسي"، إتخذت الحركة الإسلامية قرارها بالاستمرار في مقاطعة الانتخابات النيابية تسجيلاً وترشيحاً وانتخاباً، فيما تراوحت أشكال إستجابة بقية القوى ما بين إعلان المقاطعة أو المشاركة، وإن خيَّم الغموض على مواقف بعض الأحزاب والتيارات القومية واليسارية.
ورغم أن الصورة العامة لا زالت تؤكد على إستمرار التمترس والتخندق ما بين الموقف الرسمي وبين المعارضة وفي مقدمتها الحركة الإسلامية، فإن الحياة علمتنا أن لا نأخذ الأمور بظواهرها، أو كما تود الأطراف المختلفة تصويرها. فصانعو القرار الرسمي لا يستطيعون أن يجزموا بقدرتهم على انجاز الانتخابات البرلمانية قبل نهاية العام، ولا يمكن القطع أن قانون الانتخاب، موضع الخلاف والانقسام الوطني، لن يكون مرشحاً للتعديل في الأيام الفاصلة حتى إتضاح موعد إجراء الانتخابات، وعليه فإن موقف الحركة الإسلامية وبقية القوى المترددة في إعلان مشاركتها من عدمه، يبقى مرشحاً للتغيير، بالرغم من أن المؤشرات الراهنة لا توحي بحدوث مثل هذا التغيير، حيث الشد السياسي لا زال في أوجه.
لكي تقدم السلطة التنفيذية على إجراء الانتخابات يجب أن تكون أعداد المسجلين في قوائم الناخبين، والحاصلين على بطاقة انتخابية، قد تجاوزت مليوني ناخب. ومن المفضل أن تكون قد وصلت إلى ما بين 2.5 مليون و3 مليون ناخب. هذا، إذا أرادت حقاً أن تثبت للرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي، بأن الربيع العربي قد مر من هنا، في الأردن، أو بالأحرى أن الربيع الأردني قد أثمر حقاً في إحداث أثر ما في حياة البلاد، وأن للإصلاح السياسي مستقبل مرئي.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر جهود استثنائية، لا تقتصر بطبيعة الحال، على الهيئة المستقلة للانتخابات، وإنما تشمل أساساً خطوات أخرى أكثر أهمية، في مقدمتها الإسراع بحل المجلس السادس عشر، وتكليف شخصية سياسية موثوقة وتحظى بالقبول العام بتأليف حكومة جديدة تتألف من رموز وطنية نظيفة وذات صدقية سياسية، لتوفير أجواء مريحة تشجيع المواطنين على الإقبال على الاقتراع، وكلما إتخذت هذه الخطوة بسرعة، فإن مفاعيلها على الرأي العام والمواطنين سيكون أكبر وأسرع، وربما تمكنت الهيئة المستقلة للانتخابات من الاستفادة من الفسحة المتبقية على إنتهاء موعد التسجيل في نهاية هذا الشهر، لتحفيز المواطنين على الإقدام على تسجيل أنفسهم قبل فوات الأوان.
لقد تجاوزت الهيئة المستقلة للانتخابات في الأيام الأخيرة بعض القوالب البيروقراطية التي حكمت عملها، وإتخذت عدداً من الخطوات التي "تفصل" ما بينها وبين الحكومة الراحلة، والتي لا خلاف على أنها كانت أكبر عائق في وجه تحفيز الناس على التسجيل، وفي توفير أجواء الثقة المطلوبة في إجراء انتخابات نزيهة وذات صدقية، إذ إن لونها السياسي الصارخ برجعيته ومواقفها الاستفزازية للمعارضة ولأصحاب المواقف السياسية المستقلة على حد سواء، قد فاق كل حد.
إن لقاء المفوض العام للانتخابات، السيد عبد الإله الخطيب، مع قادة الحركة الإسلامية لإبداء المرونة السياسة تجاه التسجيل، هي خطوة بالاتجاه الصحيح لفصل الهيئة عن الحكومة، لكنها ليست كافية. ولا شيء يمنع الهيئة من أن تبادر إلى تشكيل لجنة وطنية عليا للتشاور في الشأن الانتخابي، وأن تدعى إلى عضويتها الحركة الإسلامية والأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة والكفاءات الانتخابية والنقابات المهنية والمجتمع المدني والحراكات في المحافظات المختلفة، للتشاور وتبادل الآراء بشأن الخطوات القادمة للهيئة، فيما يخص التحضير للانتخابات.
ومن المستحسن أن تبادر الهيئة المستقلة إلى ذلك قبل إنتهاء مدة التسجيل. ولو كنت مكان أصحاب القرار في الحركة الإسلامية وغيرها من القوى المقاطعة، لما امتنعت عن المشاركة في اجتماعات هكذا هيئة، حتى ولو كان ذلك لتكرار بيان موقفها من القانون الانتخابي ومن العملية الانتخابية برمتها. فمثل هذه الهيئة ستكون ذات طبيعة استشارية، والمشاركة فيها لا يؤثر على قراراتها بالمقاطعة أو المشاركة. لكنها فرصة لإبداء النصح، ولتشجيع الهيئة على العمل والتصرف باعتبارها هيئة مستقلة عن الحكومة والسلطات التنفيذية.
هذا، إضافة إلى أن وجود مثل هذه اللجنة يوفر للهيئة المستقلة مظلة للحوار الوطني ولتبادل الآراء والمقترحات بشأن النظام الانتخابي والدور المنشود للهيئة المستقلة للانتخابات، خاصة وأنها تحل، لأول مرة في تاريخ الأردن، محل وزارة الداخلية في الإشراف على الانتخابات وإدارتها. إن تواجد المعارضة إلى جانب قوى سياسية ومدنية وخبراء في لجنة كهذه، يعد إحدى المسؤوليات الوطنية المهمة لتفعيل آليات وضمانات النزاهة والشفافية الانتخابية. لكن قبل ذلك، هل تقدم الهيئة المستقلة على المبادرة بإيجاد هكذا منبر تشاوري لمساندتها في عملها، وهل تسارع إلى دعوة أسماء موثوقة للمشاركة في عضويتها؟!
وغني عن البيان أن هناك خطوات أخرى مطلوبة من الهيئة المستقلة للانتخابات، من مثل مضاعفة جهودها الإعلامية والتوعوية لدعوة المواطنين إلى التسجيل عبر مختلف وسائل الإعلام، ولا سيما الإذاعات المحلية ومحطات التلفزة الوطنية والخاصة، وأن لا تتردد في فتح مراكز تسجيل إضافية للناخبين وتسريع إجراءات التسجيل وإصدار البطاقات.
كذلك على الهيئة التفكير مسبقاً في تشجيع الترشيح ضمن القوائم الوطنية، وتشجيع الاقتراع لمصالحها، وليس فقط للدوائر الفردية، ولعل ذلك يكون موضوع مقال مستقل في المستقبل القريب.
لقد سبق أن أشرت إلى أن حديث الملك إلى وكالة الأنباء الفرنسية ليس بالضرورة الكلمة الأخيرة في موضوع قانون الانتخاب، أو في موضوع الانتخابات المبكرة. فهو يتحدث عن برلمان جديد "في حلول العام المقبل"، ولم يجزم بأن هذه الانتخابات سوف تجرى نهاية العام الجاري. وعليه فإن الباب يجب أن يبقى مفتوحاً أمام الحكومة المقبلة، وأمام خطوات أخرى لترطيب الأجواء السياسية الداخلية، قبل تحديد الموعد الرسمي للانتخابات. أولاً للوصول إلى عدد مسجلين لا يقف عند "الحد الأدنى المقبول لإجراء انتخابات ذات مصداقية"، وإنما للوصول إلى تسجيل أعلى رقم يمكن بلوغه من المواطنين في سن الاقتراع. وثانياً لتمكين الحكومة الجديدة ورئيسها من تحرير البلاد من الأجواء السياسية القاتمة التي أشاعتها حكومة فايز الطراونة، ومن تنفيس الاحتقانات الداخلية، ما يفتح الباب أمام مناخ سياسي صحي للوصول إلى هذا الاستحقاق الانتخابي الكبير.
لقد تحدث الملك عن "نقلة تاريخية نحو تشكيل الحكومات البرلمانية"، مع إنتخاب البرلمان القادم. ولا أعرف كيف يمكن أن يتحقق ذلك بدون الاقدام أولاً على تنفيس الاحتقانات الداخلية ووضع حد لحالة القطيعة ما بين الحكم والمعارضة، وبدون حكومة إنفراج سياسي تؤهل الأوضاع الداخلية للإقبال على الانتخابات المقبلة، وإتخاذ خطوات تفتح الباب مجدداً أمام توافقات مفصلية على تعديلات في قانون الانتخاب، تسمح لجميع القوى والتيارات السياسية بالمشاركة في الانتخابات المقبلة، وتمكن المجتمع الأردني من استعادة الثقة بمؤسسات الحكم، ومن تحمل أعباء الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية، هذه الأزمة التي لم يكن مسؤولاً عنها، لكن يطلب إليه اليوم دفع أثمانها الباهظة.
الأيام الفاصلة سوف تضع أصحاب القرار في الدولة الاردنية على المحك، والاختيار ما بين الاستمرار في أسلوب إدارة الأزمة، وبالأحرى "أسلوب مفاقمة الأزمة"، وبين أسلوب التصدي للأزمة، بمختلف مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية، والإقدام على مصالحة تاريخية مع المجتمع السياسي والمدني.
إن الأسماء التي تم تداولها، في الأيام القليلة الماضية، لتولي تأليف حكومة الإشراف على الانتخابات في غالبها لا تبشر بالخير. وأنا شخصياً بت، منذ زمن، في عداد المتشائمين، "الذين جربوا المجرب" مراراً وتكراراً. لكني، مثل غيري من الأردنيين، لن أكف عن الأمل بفتح صفحة جديدة لهذا الوطن.



تعليقات القراء

قيس الاول
كم من الاخطاء ترتكب باسمك ايتها الأنتخابات الوطنية فهناك الكثير الذين اغتنوا من تحت شعار الحرص على رصد الأنتخابات ومراقبة الانتخابات وهناك من اشتروا الفلل والسيارات من وراء ادعاء تشكيل التحالفات المدنية الوهمية لمراقبة الأنتخابات للاسف حتى الانتخابات اصبحت مصدر للترزق
19-09-2012 02:58 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات