وفينا عين تطرف


نعيش هذه الأيام في العالم الإسلامي أياماً ملتهبة، تستمر فيها تداعيات الفيلم المسئ للإسلام، ذلك الفيلم الذي أثار مشاعر الكثير من المسلمين الغيورين على دينهم ونبيهم، وهبوا للرد على ذلك الفيلم كل حسب طريقته.
وهنا لا يمكن لنا إلا تسجيل الرفض التام لمثل هذا الفيلم، وهذه الأفعال "الإستفزازية" المستمرة، والتي يتعمد المتطرفون من غير المسلمين إثارة المسلمين وإخراجهم عن طبيعتهم من خلالها.
نقول هنا "إخراجهم عن طبيعتهم" لأن ديننا لم يأمرنا بكثير من الأعمال التي رافقت ردود الأفعال في الأيام الماضية، من أعمال تخريبية، وإعتداءات، وقتل وحرق لسفارات الدول كما حدث في مصر وتونس وليبيا، وغيرها من البلدان العربية.
دين الإسلام لم يكن يوماً يدعو إلى مثل هذه الأفعال، ونبي الرحمة والسلام كانت تصله الإساءات من المشركين في حياته، بل ويراها بعينه أحياناً وكان رده عليها في كثير من الأحيان "سلاماً".
لا يعقل أن نخرب ونكسر ونقتل لأننا ندافع عن نبينا، وهو نبي الرحمة والسلام، فالدفاع عنه ضد الخطأ بحقه لا يكون بإرتكاب الأخطاء أبداً، ثم ما علاقة السفارات بالأمر حتى نعتدي عليها ونحرقها ونكسرها، وكأن الأمر صدر من خلالها لإنتاج مثل هذا الفيلم!!
هل نسينا كيف كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يتعامل مع سفراء الدول، ليست فقط تلك التي تربطه بها معاهدات أو إتفاقيات، بل وحتى الدول المعادية لدولة الإسلام في عصره، هل نسينا كيف كان يحرص على إكرامهم وعدم التوجه إليهم بأي أذى مهما حملت الرسائل التي يحملونها من أذية وإساءة.
ثم متى قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً أرسلته إليه إحدى الدول صديقة كانت أم عدوة؟!
إن ما علينا أن نلتفت إليه هو أن مثل هذا الفيلم والأعمال الإستفزازية لا يقصد بها إلا إستفزاز المسلمين وإظهارهم بصورة لا تليق بهم أبداً، صورة من يعشقون القتل والدمار، ليخرج أصحاب الفيلم ويقولوا للعالم أرأيتم أننا على صواب !!
تبقى يا حبيبنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم جوهرة الأنبياء والرسل، والتي لا تتأثر أو ينطفئ نورها بسبب حقد أسود داخل قلب إنسان تافه، لم يعرف معنى إحترام الأديان أو الأنبياء والرسل، ولم يعرف معنى خاتم الأنبياء والرسل الذي زين الله به عقد أنبياءه ورسله على مر التاريخ.
كلنا مع إظهار مشاعرنا برفض مثل هذه الأفلام السخيفة، وكم تمنينا رؤية المسلمين في جميع أنحاء العالم ينظمون تظاهرة "مليارية"، يقفون فيها صفاً واحداً بدون تخريب أو تكسير أو إعتداء على أحد، ليرسلوا من خلالها رسالة ستهز العالم بأسره هي "لبيك يا رسول الله".
لنعبر عن حبنا لنبينا صلى الله عليه وسلم بإلتزامنا بهديه، والذي قال هو عنه: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، صححه الألباني.
وختاماً نتذكر ذلك الصحابي الذي نصح لله حياً وميتاً، ذلك الذي طلب صلى الله عليه وسلم من أصحابه أن يبحثوا عنه بعد نهاية معركة أحد، فقام أحد الصحابة يبحث عنه حتى وجده في الرمق الأخير، فقال له: رسول الله يقرئك السلام، وقد أرسلني أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ فقال له: بل أنا في الأموات، ثم قال: أبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام، وقل له سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله عنا خيراً يا رسول الله، جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، ورسولاً عن قومه، وقل له سعد لم يمت إلا بعد أن قتل خمسة من الكفار، وقل له إني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً يا رسول الله.
ثم قال سعد: وأبلغ الأنصار مني السلام، وقل لهم سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم إن خُلص (أصيب بسوء) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم وفيكم عين تطرف، ثم مات رحمه الله.
ويعود الصحابي ويبلغ النبي صلى الله عليه وسلم الرسالة ويقول: يا رسول الله، مات سعد بن ربيع ويبلغك السلام، ويبلغ الأنصار السلام، ويقول لهم لا عذر لكم إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رحمك الله يا سعد نصحت لله حيا وميتاً.
ووالله لا عذر لنا نحن أيضاً إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا وفينا عين تطرف، فلنحافظ على سنته وهديه، ولنكن خير نصير له، وعلى نشر سنته وتطبيقها بصورتها الصحيحة بدون تفريط ولا مغالاة أو تطرف.

جزاك الله عنا يا حبيبنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم خير ما جزى نبياً عن أمته .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات