شخصيات وطنية


كثُرت هذه الأيام الشعارات الضدية، شعارات موالية، ومعارِضة، وشعارات مع ، وشعارات ضد ، حتى أصبحنا نعيش في غابة من الهتاف، والصراخ دون أن يسمعنا أحد ،وفي العادة حين تكثر البضاعة، والمروجون من أجلها يقل الإقبال عليها من باب الشك في صدقها ، وتبدأ بعدها عبارات السخرية من هذه الشعارات ، هذه بعض ملامح الصورة التي وصلنا إليها ، والسبب كثرة الفِرق، والتجمعات، وكثرة الشللية، والسحيجة ،وقلة الوعي الذي شاب مفهومي الولاء، والانتماء.
الشعارات إذا كثُرت فسُدت ، وفقدت مضمونها، ومعناها الحقيقي ، وقديماً قال الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان لمجموعة من الشباب المتحمس وهم يهتفون : فلسطين عربية ، أجابهم : وطنٌ يُباع ويُشترى ، وتصيحُ فليحيا الوطن ، وأنا اليوم تُذهلني عبارة – شخصيات وطنية شريفة ، وكأن هناك شخصيات وطنية غير شريفة ، وإذا توقفنا عند عبارة شخصيات وطنية التي أصبحت تُقال لكل الناس دون معرفة معناها الحقيقي أقول متسائلاً : هل الشخصية الوطنية هي للموظف أياً كانت وظيفته وخدم الوطن بإخلاص ومحبة وانتماء هو شخصية وطنية؟ فإذا كان كذلك فكل موظف مخلص هو شخصية وطنية ، وإذا كان المقصود فقط الموظف ذو الراتب العالي جداً ، والرتبة العالية جداً ، فأقول لماذا التمييز بالمركز وليس في الأداء ، وهذا طبعاً أمر مرفوض من الجميع .
أفهم أن يُقال عن العالم زويل إنه شخصية وطنية لأنه قدم لوطنه الكثير ، وأفهم أن يُقال لنجيب محفوظ وللشابي ولعرار ولعمر أبو ريشة، ورجالات العشائر الذين يحقنون دماء المواطنين كذلك ، كما يقول الإنجليز عن شكسبير ، ولا يقولون عن طوني بلير مثلا إنه شخصية وطنية ، فهل رتبة دولة أو معالي كلقب وظيفي هي تصريح بحمل لقب شخصية وطنية حتى لو أخلص أو خان الأمانة ؟
يعرف الكثيرون أنني ممن يحترم أسماء كثيرة من الذين يحملون اللقبين سواء دولة أو معالي ، حتى لو جمع بينهما وهذا جائز ، ويعرف الكثيرون أيضاً أن بعض من تولى هذه المناصب وقعت عليه شُبهة ، فلنتق الله بالألقاب ولنعط لكل فرد حقه ، فكم من شخصية وطنية حقيقية في الأردن لم تستلم منصباً رفيعاً ، أو غليظاً في أجهزة الدولة ، لكنها تستحق اللقب على ما قدمته للوطن ، إن المميزين في الإبداع العلمي، والفني ، والكتابي، والوظيفي ، والرياضي هم شخصيات وطنية ، وحديثاً فإن من أحرز ميداليات ذهبية لإسبانيا اعتبروهم رموزاً وطنية أدخلوا إسبانيا إلى عالم سحري جديد، ورفعوا علمها عالياً، وما زال بيليه رمزاً من رموز البرازيل ، ومردونا رمزاً من رموز الأرجنتين ، وهما شخصيات وطنية ، ونوال المتوكل المغربية هي شخصية وطنية .
قال تعالى : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، وتؤكد الكتب السماوية ، والأحاديث النبوية أن الرسل هم بشر ، لا تمييز بينهم وبين البشر إلا بحملهم الرسالة ، وعندنا كل شخص تسلم منصباً وزارياً أطلق على نفسه شخصية وطنية ، وهو يعلم أن الناس من خلال عمله يمنحونه هذا اللقب الشريف ، وأنه لن يكتسبه بفعل وظيفة بل بفعل مواقف وطنية .
أنا مع كل شخصية وطنية حقيقة ، ومع حرية كل مواطن ، ومع حرية حرمة البيوت ، هنا أتذكر عندما كانت قريش تريد قتل محمد عليه السلام جمعت من كل عشيرة رجلاً ليضيع دمه بين القبائل ، وهذا ما يعرفه كل الناس ، أما تكملة القصة فقد سها عنها الكثيرون ، فعندما وقفوا أمام الباب قالوا لأبي الحكم اكسر باب بيت محمد فقال : لا أفعلها حتى لا تقول العرب أن أبا الحكم روّع بنات محمد ، أليس لنا عبرة بأبي جهل يا علماء؟؟!!!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات