الطيب صالح وادوارد سعيد


منذ رحيله قبل فترة قصيرة, والروائي السوداني, الطيب صالح, موضوعا لمقاربات ودراسات واسعة لا سيما روايته الشهيرة, موسم الهجرة الى الشمال, التي تكتسب اهمية مضاعفة هذه الايام مع عودة الحديث عن علاقات الشرق مع الغرب والاستشراق الاستعماري الجديد.

الرواية, كما هو معروف, تدور حول دكتور سوداني في الاقتصاد حّول بيته في لندن الى خيمة شرقية للبخور والصندل واجتذاب النساء الشقراوات فيما يشبه الحرب وتعويض الهزائم السياسية بانتصارات (جنسية), لكن بطل الرواية, مصطفى سعيد, يخسر هذه الحرب مع المرأة التي تزوجها, جين موريس بعد ان اهانته بتحطيم كل رموزه: المزهرية والمخطوط العربي والسجادة الاصفهانية فإضطر الى قتلها والعودة الى السودان والزواج من حسنة ثم الغياب في النهر, فيما يشبه الاعلان عن صعوبة التعايش مع الغرب.

ورواية الطيب صالح المذكورة واحدة من روايات عربية حاولت التصدي لهذا الموضوع ومنها رواية سهيل ادريس (الحي اللاتيني) ورواية توفيق الحكيم (عصفور من الشرق) وعمل الطهطاوي (تخليص الابريز في وصف باريز) وكلها تدور في باريس.

وفيما كان الطيب صالح واضحا في موقفه فإن الروايات السابقة ظلت ملتبسة وكان علينا انتظار كتاب ادوارد سعيد حول الاستشراق لنؤسس موقفا معرفيا نقديا من هذه القضية التي ابتدأها طه حسين في عملين: (الشعر الجاهلي) تصدى للمستشرق مارجوليوش وكتابه حول الثقافة, واكملتها الروايات الفرنكفونية للكتاب العرب المعاصرين (أمين معلوف والطاهر بن جلون) وكذلك ثلاثية الجابري حول العقل العربي.

وأيا كانت الملاحظات السياسية حول ادوارد سعيد فلا غنى عنه لاعادة قراءة الطيب صالح ومجمل الروايات العربية وكذلك الاعمال الفكرية التي لم تتحرر من مركزية الثقافة الرأسمالية التي تهمش الشرق وتعيد انتاجه كما تريد.

وتأتي اهمية كل ذلك مما نلحظه عند الكتاب الذين يوصفون بالليبرالية وهم يسوقون للدوائر الرأسمالية, خاصة الامريكية والفرنسية كحاملة لمشروع تحديث وتمدين ودمقرطة للشرق.

واذ ادعو الزملاء في الهيئات الثقافية والفكرية لمقاربات جديدة في رؤية العلاقة بين الشرق والغرب وتكريس ندوات وورشات لها فلا يزال ادوارد سعيد هو القاسم المشترك لهذه المقاربات.

كما لفت انتباهي ايضا, مراجعة نقدية اخرى تستحق الاهتمام للعراقي سامي مهدي لكتاب طه حسين (الشعر الجاهلي) الذي اعتمد كما هو معروف على شعر امرؤ القيس بشكل خاص. فحول مهدي هذا (الشاعر) من مادة استشراقية تحتل اللغة العربية الى مشروع ايديولوجي بعد الاسلام الى محصلة طبيعية لوحدة مبكرة من الايلافات وطرق القوافل والقبائل العربية التي جاء الاسلام كنتيجة لها.. .

 


mwaffaq.mahadin@alarabalyawm.net



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات