الإخوان المسلمين ونزع فتيل الطائفية


أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله محمد بن عبدالله _صلى الله عليه وسلم_ للعالمين جميعا، وبعد وفاته ومع نهاية عصر الخليفة الراشد عثمان بن عفان وحتى نهاية حكم الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب وتنازل السبط الأول الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان_ رضي الله عن الصحابة جميعاً_ برزت المذاهب السياسية الإسلامية الكبرى الثلاثة ؛ وهي أهل السنة والجماعة والشيعة والخوارج. وقد تفرع من تلك المذاهب السياسية تيارات أخرى كثيرة.
وتلك المذاهب لم يكن أصلا خلافها، وسبب تباينها عقدياً أوفقهياً، بل كان سياسياً . وكان يتمحور حول إدارة الدولة وتولية المناصب فيها، وكيفية توزيع المال . ولم يكن منشأ الخلاف حول الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج ولا غيره من القضايا التعبيدية.
وذهب كل اتباع مذهب من تلك المذاهب للاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، لدعم وتقوية رأيه؛ وذلك من أجل غلبة حجته على غيره. ولذا فعلي _ رضي الله عنه _ عند توجيهه ابن عباس للحوار مع الخوارج، أشار عليه باستخدام السنة العملية للرسول _ صلى الله عليه وسلم _ بدلاً من استشهاده بالقرآن لأنه حمال وجوه، ولأن السنة العملية خاصة، ما هي إلا تطبيق عملي للقرآن .
ومن البدهي القول إنه لا يوجد مذهب من تلك المذاهب له الأراء والمواقف العقدية أو الفقهية المختلفة تماماً عن المذهب الأخر، ولذا نجد تداخلاً فقهياً بين تلك المذاهب معاً، سواء كان ذلك في الفقه أو السياسة ، ولا يتسع المقال لعرضها، فمثلاً يتجه الشيعة للقول بمسائل العقيدة بما يتوافق مع مذاهب المعتزلة في أغلب أقوالهم، وحتى في المذاهب الفقيهة ترى تداخلاًً شديداً أيضاً...الخ
ثم اتسع الخلاف السياسي فيما بعد وأصبح كل قائد فرقة سياسية، أوقائد لإقليم سياسي أو جغرافي ما، يسعى لاستخدم واستغلال الخلاف السياسي السابق بين المذاهب الكبرى على أنه خلاف عقدي وفقهي ، وقد يصل به الأمر لإخراج صاحب المذهب المخالف من الملة، ويعمل بكل جهده لتعميق شق الخلاف، وذلك من أجل تثبيت حكمه وملكه. مع أن الثابت أن علي _ رضي الله عنه_ لم يكفر الخوارج مثلاً،ولم يطبق أحكام الكفار عليهم، وإن كان قد حاربهم وقاتلهم، ولكن ليس بسبب كفرهم، بل بسبب خروجهم وإنشقاقهم على الإمام ، ولذا فميتهم مسلم عاصي ، ولا تسبى نساؤهم وأولادهم ...الخ
وكنتجة حتمية لااستخدام المذهبية والطائفية لتحقيق الغايات والمآرب السياسية، اتسعت شقة الخلاف عملياً بين المذاهب الكبرى الإسلامية، وبين الاتجاهات الفرعية في كل مذهب . ولذا فقد برزت خلافات واستخدمت فيها المذاهب لأغراض وأهداف سياسية .
ونحى البعض ليضخم الخلافات الفقهية الفرعية بين المذاهب ، واختلاف الاجتهادات الفقهية بين الأئمة، على أنها أسباب كافية للتخريب والتدمير وإزهاق الأنفس والأرواح، وترويع الآمنين. بل ذهب البعض إلى عدم جواز الصلاة من الشافعي خلف الإمام الحنفي . وفي بعض فترات الجمود العقلي والمذهبي قال البعض بحرمة زواج أهل مذاهب السنة الفقهية من بعضهم.
والدافع الرئيس لذلك هو السياسة ، وقد أفتى بذلك علماء السلطان المنافقون الذين جعلو الدرهم والدينار والذهب والفضة مقدم على القرآن والسنة، ووحدة الأمة، ورص صفوفها، وأن الدين فيه متسع لكافة تلك الأراء، فأخذ هؤلاء من علماء السوء يفتون للحكام كما يريدون وبما يريدون.
وتاريخياً حدثت بعض الحروب والنزاعات بين تلك المذاهب استخدم في السلاح وسالت فيها الدماء، ومنها حرب الدولة العثمانية مع الدولة الصفوية مثلاً. وكذلك في داخل المذهب الواحد برزت خلافات حول أحقية الرئاسة والزعامة. ففي الدولة العباسية برز الخلاف أيهما أولى بالخلافة العلويين المنتسبين لعلي بن أبي طالب أم العباسيين المنتسبين لعبدالله بن عباس ...الخ
واليوم وفي ظل تدهور الأوضاع السياسية في الوطن العربي والإسلامي والذي يتشكل بصورة أساسية وغالبية من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وتياراتهم، يظهر النفخ الطائفي واستغلاله لأغراض سياسية، ونبش الماضي، وإظهار وتضخيم الخلافات، والسعي من الجهات المعادية خارجياً، ومن منافقي الأمة داخلياً، لإشعال نار الفتن والحروب بين المذاهب الإسلامية. وعندئذ ستأكل الحروب الأخضر واليابس، وستقضي على مقدرات الأمة، وتزهق أرواح شبابها، ولن يستطيع أي مذهب القضاء على المذهب الآخر، والخاسر الوحيد هي الأمة جمعاء.
ويتساءل العديد من الناس ، من القادر على وقف هذا التدهور،ونزع فتيل الفتنة الطائفية، بين المسلمين ، وخاصة بين السنة والشيعة؟ لأن الحرب والفتنة الطائفية إن وقعت _ لا سمح الله _ لن تطال دولة واحدة فقط، بل قد تمتد للعديد من الدول العربية والإسلامية، ولن ينجو من آثارها أحد.

وللجواب عن ذلك التساؤل، أرى أن المسؤلية تقع بالدرجة الأولى على الأنظمة والحكومات الرسمية العربية والإسلامية، بوقف حملات الشحذ، والإثارة الطائفية، والنظرة المذهبية الضيقة، وتغليب مصلحة الأمة على مصالح ورغبات المذهب والبقعة الجغرافية الضيقة. ومراعاة مصلحة الشعوب العربية والإسلامية قبل النظر لمصلحة الحكام الشخصية. ويتبع لهذه الأنظمة المؤسسات الدينية الرسمية، بالإضافة لمؤسسات الإعلام الرسمي، فعليها واجب الدعوة للتآلف والتراحم، بدلا من التباغض وقط الصلات.
والمسؤولية الأخرى تقع على الأحزاب والمنظمات الإسلامية والعربية ، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين ، والتي تعتبر أكبر تنظيم سني على مستوى الوطن العربي والإسلامي، وعلى مستوى العالم، والتي لها الامتداد الشعبي والفكري الهائل في العالم أجمع، ولها المؤسسات الاجتماعية والثقافية ...الخ والتابعة مباشرة لها أو للمؤسسات الأخرى التي تدور في فلكها، ولذا عليها مسؤولية تاريخية ودينية، لوقف التحشيد السني الرسمي ضد الشيعة وإيران خاصة، لدفع شبح الحرب ، أو الانجرار لها.
وتزداد تلك المسؤولية على جماعة الإخوان المسلمين أيضاً، بعد توليها زمام الحكم في عدد من الدول العربية والإسلامية، كمصر وتونس وتركيا والمغرب ...الخ
ولذا فعلى جماعة الإخوان المسلمين بقيادتها العالمية الممثلة بالمرشد العام، وأيضاً على القيادات العليا المحلية في الدول المختلفة، وخاصة في الأردن ممثلة بالمراقب العام للإخوان المسلمين فضيلة الدكتور همام سعيد التحرك سريعاً لرأب الصدع ووأد الفتنة. حيث أن فضيلته من خيرة علماء الأمة، وصاحب نظرة وسطية، وفهم واسع ، وعلم غزير، وثقافة عالية، ونظرة سياسية ثاقبة، وكلمة مسموعة ، فعليه واجب التحرك لدرء الشر.
وتقع المسؤولية الشعبية كذلك على الأحزاب والمنظمات الشيعية وفي طليعتها حزب الله اللبناني، وأتباع الصدر في العراق، ومن قبلهم المؤسسة الدينية في إيران، والتي يجب عليها درء الفتنة، وحسن المعاملة للسنة في إيران، والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
فليس من المقبول ولا المعقول الزج بمقدرات الأمة في حرب إسلامية داخلية شاملة بين أتباع المذهب الشيعي والسني، وليس من الحكمة كذلك تحويل الخلافات السياسية بين بعض الحكام ، وتخوفهم على كراسي حكمهم، إلى حروب طاحنة بين الدول، وإلى فتنة داخلية بين الشعوب، تستنزف طاقاتها ، وتذهب ببهائها. وكما يقال : تستطيع أن تحدد ساعة الصفر لبدء الحرب ولكن لا تستطيع تحديد ساعة نهاية الحرب.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات