الغفلة ام التغافل


في كتاب كليلة ودمنة الذي ترجمه ابن المقفع من الفارسية قصة الرجل الذي فر من عدو له فاتى على شجرة تمتد على هوة سحيقة في قعرها افعى ضخمة فاغرة فاها و في اصل الشجرة فأران ابيض واسود ما ينفكان عن قرض ساق الشجرة وهي على وشك ان تهوي بالرجل إلى قعر البئر حيث الافعى بانتظاره. وبينما الرجل في تلك الحال شاهد قرص عسل على فرع الشجرة فنسي ما هو فيه من الخطر واتجه إلى القرص وشرع يلعق العسل ويتلذذ به . يضرب الحكيم بيدبا هذا المثل لدبشليم الملك ليبين له كيف ينشغل الإنسان بمتع الدنيا الزائفة عن آخرته وما ينتظره بعد موته .وما الفأران الاسود والابيض إلا الليل والنهار, وما العدو الذي يطارده إلا الموت.
ان انشغال الناس عن الاخرة ,على ما به من حمق, لهو اهون عندي من انشغال العرب عامة والاردنيين خاصة عما ينتظرهم في قادم الايام. فالاهتمام بالآخرة يحتاج إلى عقل كبير و حكمة و تأمل ورقي وترفع عن المتع الحسية لا يناله إلا ثلة من الاولين وقليل من الاخرين. أما انشغالهم عن مآلات الحرب في سورية فهو غير مبرر ابدا. فهولا يحتاج إلى كثير من بعد انظر أو الحكمة أو الرقي أو التأمل أو الترفع عن المتع الحسية. بل ان الاهتمام بهذه الاخيرة هي من اكبر دواعي الاهتمام بما يجري وما سيجري لهم. ومع اني لا ادعي ان عندي الحل الأمثل والمخرج الأسلم للورطة التي وجد العرب و إلاردنيون انفسهم بها إلا ان ما يدهشني تغافل الناس عن الكارثة القادمة, بل هم يتصرفون وكأنهم بانتظار بركة ستحل ونعمة ستهل وحظ عظيم بعد غيبة سيطل . فلم يتغير في سلوكهم شيئا يشي بتوقعهم لكارثة. ففي الافراح تهرع النساء إلى الصالونات يصففن شعورهن ويجملن خدودهن وقبلها إلى الاسواق ينتقين اجمل الملابس واغلى العطور. و تعزف الموسيقى ويجلب المطربون وتوزع الحلوى وتطلق الالعاب النارية موازية لالعاب النار المميتة في درعا والحراك وتل شهاب. وتطلق الاعيرة النارية وكأنها صدى لقنابل الموت في الشمال .وفي الصالات يستقبل العرسان بالجوقة الموسيقية بلباسها التقليدي وطبولها الكبيرة وابواقها الطاغية واصناجها المزغردة.. وفي ليلة العيد تنشغل النسوة ساعات طوال يحضرن كعك العيد, وفي صباح العيد توزع الشوكلاته والنوجة والراحة المحشية. اهكذا تورد ابل الحرب ؟ أم هكذا نزعم التعاطف مع الاهل والاحبة والاقرباء والانسباء في بلد لا يفصلنا عنه إلا نقاط تفتيش وختم جوازات؟ هذا اذا لم نكن نحن المستهدفين بعدهم كما يعرف كل عاقل.وماالفرق بيننا وبين دجاج في قفص بعضه يذبح وبعضه يتسلى بنقر الحب وشرب الماء والتأفف من طول المقام.
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)الاحقاف﴾.
صدق الله العظيم



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات