"الإخوان" بين الإدعاء والممارسة


لم يكن حرص "الإخوان المسلمين" في أي مرحلة على خوض أي انتخابات على اختلافها "برلمانية – بلدية – نقابية – طلابية..."، ببعيد عن نَهم الظهور وخاصة الإعلامي وحُب لفت الأنظار وتحقيق أكبر استفادة ذاتية ممكنة حتى لو كان على حساب الآخرين. حيث أن "موسم الإنتخابات" بغض النظر عن المشاركة فيها أو عدم المشاركة، إنما تُعدّ فرصة ذهبية لارتداء ثوب المناضل والمعارض الأوحد على الساحة. وهذا ليس تجنياً، ودليلنا في هذا هو القول المأثور لقيادات الإخوان "اجعلوا الناس ينشغلون بكم". وبات هذا القول بمثابة فرض عين بالنسبة للتنظيم حتى يومنا هذا.
ولو تمعنا في ردة الفعل "الإخوانية" المنفعلة على ساحتنا الأردنية تجاه المشاركة في الانتخابات، وإن بدت للبعض غير غريبة على أدبيات "الإخوان" وسوابقهم التاريخية، فإنها تكشف بوضوح عن أزمة حادة في مفهوم الديمقراطية وفي آليات ممارستها لدى "التنظيم" سواء مع أعضائه أو تجاه القوى السياسية الأخرى. فلا هم يرضون بخسارة، ولا احترام لإختلاف في الرأي أيضاً، ناهيك عن التحدي التام لكافة قواعد العمل المدني المفتوح بخلط الدين بالسياسة والمطلق بالنسبي في ظل إصرار مريب على تكرار أخطاء الماضي وتجاهل كافة الأصوات - ومنها أصوات إخوانية- التي تنادي بضرورة إجراء مراجعات على إعتبار أن الديمقراطية هي ثقافة وممارسة اجتماعية متكاملة. وفي هذا يقول المفكر المصري المعروف جمال البنا، وهو شقيق مؤسس جماعة "الإخوان المسلمين" المرحوم الشيخ حسن البنا: "أسوأ ما بُلي به الإخوان أنهم لا يقرأون ولا يتثقفون، بل مَن يفكر فيهم ويناقشهم يطردونه من الجماعة، لأنهم لا يريدون أحداً أن يفكر، بل يسيرون على فكر واحد غير قابل للتغيير وغير متجدد، وبالتالي كل من تثقف وفكّر خرج من الجماعة، وهم يرفضون الرأي الآخر ولا يريدون مناقشة أي فكر مخالف ويعارضهم".
ولو بحثنا في تفسير هذا الموقف المتعنت، لوجدنا أن الحلقة الضيقة جداً والحاكمة لـ "التنظيم" تستند في موقفها وفق إعتقاد أن اللحظة التاريخية الراهنة أكثر ملائمة لقطف ثمارها، خاصة وأنهم يحتاجون جداً إلى "الشرعية الجماهيرية" في وقت تتآكل فيها "شعبيتهم" بشكل كبير وبسرعة لم يكونوا يتوقعونها. ويبدو أنهم استقروا على قراءة وحسابات منطقيّة تؤكد أن "ربيعهم" الحالي، قد لا يتكرر وعليهم أن يستثمروا اللحظة وخاصة الحوار "الأمريكي الإسلامي" من قبيل الضغط نحو القبول بالجلوس والتفاهم معهم، وإنتزاع الإقرار بهم كشريك سياسي قوي لا يمكن تجاهله في إعادة تشكيل الخرائط على الأرض. لذا فإنهم يراهنون على أن الدولة تحتاج إلى عمليات "تجميل داخلية" لاسترضاء "الخارج" الذي يراقب الأداء السياسي في المنطقة كلها ويبحث في إمكانية التعاون مع "البديل" وهو "الإسلام السياسي". وعلى هذا فإن واقع الحال يكشف وبشكل واضح جداً "المنطق الإخواني" المتحايل في فهم وممارسة الديمقراطية. فالقراءات تؤكد أن "الإخوان" لم يحسموا خياراتهم بعد، لكنها سياسة المراوغة، حيث تتواتر الأخبار عن وجود اتصالات ولقاءات علنية وأخرى "سرية" تتعلق بتنسيق المواقف أثناء الاستحقاقات الإنتخابية القادمة. مما يزيد من ارتباك الأحزاب السياسية وكافة القوى والحراكات، فيتسَابَق بعضها لخطب ودهم، وينتظر البقيّة منهم الفعل ليقوموا برد الفعل.
أخيراً نجزم أن النوايا ليست مجالا للنقاش. ربما بعد عدة سنوات من الآن وبعد أن يهدأ المخاض سنجد من يكشف لنا الوقائع. لكن الحقيقة التى لن يختلف عليها أحد، هي أن غريزة الناس لا تخطئ، وتفهم جيداً مَن الذي يريد لهم الخير، ومَن الذي لا يريد الخير إلا لنفسه، فالفرق شاسع بين الإدعاء والممارسة، وبينهما مسافات صحراوية كبيرة، لا يغطيها إلا من آمن بقضية مصيرية تصب في صالح الوطن استراتيجياً، وليس في صالح خطاب آني، أو مزاد مؤقت من شأنه أن يكشف فوراً زيف إدعاء صاحبه ويفقده إحترام الآخرين.. ليبقى السؤال مفتوحاً ومتعجِّباً حول العَجز الديمقراطي والمراوغة المستمرة. وعلى "الإخوان" إذا أرادوا أن يستعيدوا "شعبيتهم" ألا يلجأوا لهكذا ممارسات على طريقتهم الخاصة. فالشعب الأردني لن يستطيع أحد أن يستقطبه بالمرواغة والتحايل أو يفرض عليه شيئاً.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات