القهر والكبت


الشعب العربي يعيش منذ زمن ليس بالقصير حالات متناقضة، متداخلة ومتشابكة تكاد تفقده توازنه ، بعد أن خطفت منه القدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة في نظامه السياسي، والاجتماعي، والعسكري أيضاً ، هذه الحالات هي حالة الوعي ، واللاوعي، واللا...مع ، واللا...ضد ، حالة الجهل والفهم، وحالة الأمان والخوف ، وإذا سألته في أي حالة أنت تعيش ؟ نظر إليك باستهجان ، وفكر طويلاً ومرر يده على لحيته وأجاب مبتسماً وكأنه قد فاز بالجواب الذي سيفحمك فيه ، ويرد على مثل هذا التساؤل الساذج ويقول بكبرياء : أنا عايش وبس ، ألا يكفي هذا ؟ وكم سيكون الحاكم العربي مرتاحاً من هذه الإجابة، وكم سيكون مسروراً من الحالات التي يعيشها شعبه مادامت سوف تبقيه على صراع مع الذات .
ضمن هذه الحالات ، لو أُتيح لنا وِقفة مع أنفسنا وسألنا بصوت عالٍ أي حال نعيشها نحنُ ؟ هل هي حالة القهر ، أم حالة الكبت ؟ فماذا ستكون الإجابة ؟وهنا أريد أن أوضح مفهوم الكبت، ومفهوم القهر من وجهة نظري، والتي قد تتطابق ، وتوافق وجهة نظر الكثيرين .
القهر هو أن يُسمح لك بالسير آمناً بالمسيرات، والمظاهرات التي تُجبر فيها على رفع شعارات تمدح فيها الحكومة ، وترفع صورة الحاكم عالية مرفرفة فوق الرؤوس ،حتى يُطلقوا على مسيرتك اسم مسيرة سلمية، ويُسمح لك بالهتاف بما لا يجرح مشاعر الحاكم والحكومة ، فالقهر أن يُسمح لك بالقول ، لكن ما يريدون ، لا ما تريده أنت ، وهذا الأمر تُمارسه كل الحكومات التي تُفكر جيداً كيف تُطيل عمرها مع شعب يُريد فقط الهتاف والصياح والخروج بالمظاهرات .
القهر هو أن يكون لديك مجلس نواب، أوهموك أنه منتخب ، وأنك أنت الذي انتخبته ، ومع ذلك فهو غير فاعل ، بل هو مأمور بتعليمات من وظفوه ، القهر أن يكون لديك مجلس وزراء ، لكنه لا يحل ولا يربط ، فهو مرهون أيضاً بالتعليمات ، القهر أن يكون لديك أحزاب ، ولكنها خالية الدسم – دايت .
أما الكبت فهو أن تمنعك الحكومة من الكلام بالمطلق ، وتُغلق عليك الأبواب ، وتحرمك من التنهيد ، حتى تكاد تنفجر غضباً بوجهها ، أرجو أن أكون قد أجبت في أي حالٍ نعيش هذه الأيام ، بل منذ قرون.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات