أهم المشكلات التي تواجه متقاعدي الجيش والأمن .


لا يدرك معاناة أبناء هاتين المؤسستين الوطنيتين إلاّ من تشرّف بالخدمة فيهما , وهذا شرف لا أدعيه ,لأنّ خدمتي مدة عامين مكلفا لا تؤهلني للحديث عن شرف تلك المعاناة ولكنّها جعلتني أدرك ماذا تعني حياة الجندية فمن ذاق عرف , وليس المخبر كالمعاين , ونظرا لأنني من بيئة أغلب رجالها قد خدموا في هاتين المؤسستين فإنّ تلك المعاناة قد بقيت ماثلة في ذهني , دائمة الحضور كلما شاهدت أحدهم سواء أكان عاملا أم متقاعدا .
ولا أدري من أين أبدأ وكيف أبدأ في الحديث عن هذا الأمر الشائك المتشابك فأكتفي بالقول بأنّ المجند بمجرد حصوله على شهادة التعيين لا يعود مالكا لنفسه وإنما تسير حياته وفق قوانين دقيقة صارمة تتعلق بأدقّ التفاصيل في حياته , علاوة على كونه مشروع شهيد في حالة تأهب طيلة خدمته واستعداد لتلبية نداء الواجب الذي لا يدري متى يأتي .
ومما لا يخفى على عاقل مدرك أنّه لولا هاتان المؤسستان ( العسكرية والأمنية ) لما كان هناك وطن ولا أمن ولا استقرار ولا استثمار , ولكانت الحياة كحياة غاب أو حياة البحر.
والأمر الطبيعي أنّ من ارتضى الحياة الشاقّة , وحمل روحه على كفّه طيلة خدمته التي لا تقلّ عن عشرين عاما , ووفر للوطن الأمن والاستقرار _ أن توفّر له الحياة الكريمة التي تصون ماء وجهه عمّا لا يليق به , ولاسيما أنّ المتقاعدين من هاتين المؤسستين هم رديف للعاملين فيهما في ساعات المحن والخطر .
إنّ هذه الشريحة من أبناء الوطن تعاني علاوة على تدني الرواتب التي لا تسدّ 30% من احتياجاتها لتوفير العيش الكريم _ من مشكلات أغلبها مفتعل ولا علاقة له بمقولة قلّة الموارد , وضعف الإمكانيات , فرأيت أن ألخصها بنقاط مقرونة مع حلول مقترحة لحلّها , وها هي بين يديّ من يهمّه الأمر :
1.الاقتطاع من الراتب لدى العمل بالمؤسسات الحكومية :
الفاتورة الشهرية للأسرة الأردنية التي معدلها سبعة أفراد بحدود أربعمائة دينار شهريا فقط لتوفر لها مستلزمات الحياة البيولوجية غير محتسب معها أجرة البيت , ونفقات الطلاب الجامعيين , والواجبات الاجتماعية , والنفقات الطارئة والتي لا تقلّ بحال من الأحوال عن قريب من تلك الفاتورة , ومعلوم أنّ الرواتب التقاعدية قلّما تغطي الفاتورة الأولى ؛ ولذلك فإنّ المتقاعد مضطر للبحث عن عمل لتوفير هذه النفقات , ونظرا لأنّ العمل في العقود السابقة قلما يوجد إلاّ في القطاع العام فقد كان الراتب التقاعدي يتعرّض لاقتطاع بحيث لا يبق منه إلاّ القليل بحجّة أنّ المتقاعد يعمل في مؤسسة حكومية , ثمّ عدّل هذا القانون في السنوات الأخيرة ليعفي من تقاعده بحدود 300 دينار , ويقتطع ممن زاد على ذلك , وهذا الاقتطاع هو عين الظلم لثلاثة أسباب
•أولهما أنّ التقاعد حقّ مكتسب فلا يجوز مصادرته أو الاعتداء عليه .
•الثاني : أنّ المتقاعد يقدّم خدمة في الموقع الجديد الذي يعمل به , ولولا الحاجة إليه لما تمّ تعيينه فلا يجوز الامتنان عليه بذلك ومصادرة حقّه في راتبه وهو يقدّم خدمة إضافية للوطن .
•إنّ المفترض أن يكون الراتب التقاعدي كاف لصاحبه ولا يضطره للبحث عن عمل آخر في آخر عمره , وبما أن ذلك غير متوفر فلا يجوز خلقا ولا إنسانية ملاحقته ليبقى فريسة للفقر والعوز .
2.شركات الأمن والحماية :
وعندما قامت الدولة ببيع القطاع العام وخصخصته فقد كان المأمول أن تتحسن ظروف المتقاعدين بإتاحة الفرصة لهم للعمل في مؤسسات وشركات القطاع الخاصّ مقابل رواتب مجزئة , فتفتقت عبقرية مصّاصي الدماء عن تشكيل شركات خاصّة لهذه الغاية تقوم بالتعاقد مع القطاع الخاصّ وتزودهم بحاجتهم من المتقاعدين العسكريين , ولا تعطي المتقاعد مما يدفعه القطاع الخاصّ لتلك الشركات إلاّ بحدود 50% في أحسن الأحوال بحسب ما يفيد بذلك كثير من المتقاعدين , وإن لم يكن هذا العمل يندرج تحت بند التجارة بالبشر فلست أدري كيف تكون تلك التجارة .
وحلّ هذه المشكلة لا تحتاج إلى استيراد خبراء ولا عبقرية فذّة , وذلك أن الرواتب التي تدفعها شركات القطاع الخاصّ لا تقلّ عن أربعمائة دينار لا يحصل المتقاعد إلا على أقلّ من نصفها , ويذهب الباقي لتلك الشركات , وكل ما تحتاجه هذه المشكلة هو أن تحتكر مؤسسة المتقاعدين العسكريين هذه الخدمة وتكتفي باقتطاع يتراوح بين [ 5- 10% ] من تلك الرواتب, وأن تكون خاضعة لإشراف الأجهزة الرقابية في الدولة .
3.الأوضاع الصحية :
معلوم أن المتقاعد يقتطع منه شهريا مبلغا مقابل التأمين الصحي , ومعلوم أنّ الخدمات الصحية متدنية جدّا , وربما لا يحصل على هذه الخدمة إلا بعد مواعيد طويلة وهو يعاني من المرض ويصارع الموت ويصرخ من الألم بحجة نقص الأسرّة أو نقص الأدوية , فما الذي يمنع من معالجة هذا المنتفع بالمستشفيات الخاصّة في حال عجز المستشفيات الحكومية عن معالجته لأيّ سبب كان , أوليس من المخجل أن نرى المتقاعد الذي أفنى زهرة شبابه في خدمة وطنه متحملا الحر والقرّ والخطر والتعب والسهر يقع فريسة للمرض أو يشاهد زوجته أو أحد أبنائه يذبل أمامه من المرض وهو ينتظر مواعيد الفحوصات والصور ؟؟ أو يذهب ذليلا مطأطئ الرأس يبحث عمّن يتوسط له ليصل إلى حقّه بالموت بدون ألم !!
4.مكرمة الطلاب :
لمكرمة أبناء المتقاعدين العسكريين قصّة طريفة , فكثير من المتقاعدين مسجّلون من مواليد الزرقاء وغيرها من المدن وذلك عند استصدار شهادات الميلاد في الستينات والسبعينات , فترتب على ذلك أنّ أبنائهم في التنافس على تلك المكرمة ينافسون مع محافظة الزرقاء مثلا فيحرمون من تلك المكرمة التي نالها آباؤهم بصبرهم , وتعبهم , وتضحياتهم وهم في الجيش والأمن العام , وليس لهم ذنب إلاّ لأنّ الأب سجّل من مواليد الزرقاء في وقت مضى عليه أكثر من أربعين عاما , ولم يشفع لهم أنّ يكون الأب نفسه درس في المدارس النائية في البوادي والأرياف الأردنية , وأنّ ولده لم يدخل الزرقاء في حياته قط ...... إنّها قصّة محزنة مبكية عندما يصبح الأرشيف الإداري الذي مضى عليه خمسون عاما هو المقدّس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه ويتسبب في حرمان أبناء هذه المناطق المظلومة من حقوقهم في تعليم أبنائهم ..... ولن أقترح حلّ لهذه المشكلة لأنّها لن تحتاج إلاّ إلى تحديث المعلومات أو على الأقل اعتماد المدرسة التي درس فيها الطالب , فهل هذا يحتاج إلى معجزة .
5.مكرمة الإسكان :
يظنّ البعض أنّ الإسكان للمتقاعدين هو منحة ولا يدري أنّه قرض بأقساط ميسّرة , وقيمة هذا القرض بالنسبة للأفراد وضباط الصفّ هو سبعة آلاف وخمسمائة دينار , ومن شروط الحصول عليه أن يكون المتقاعد مالكا قطعة أرض ليبني عليها أو يملك بيتا لتوسعته وترميمه , ولنا على ذلك الملاحظات التالية :
•أنّ المتقاعد لا يحصل على هذا القرض الزهيد إلاّ بعد تقاعده بعشرة أعوام على الأقلّ أي بعد خمسة وثلاثين عاما من حصوله على شهادة التعيين الأولى , ونتساءل طيلة هذه الفترة كيف يتدبّّر أمر سكنه ولاسيما أنّ السكن في الأعوام الأخيرة أصبح من الهواجس المقلقة لكل مواطن بعد ارتفاع أسعار الأراضي وكلفة البناء .
•هل هذا المبلغ الزهيد كاف لبناء بيت يتكون من غرفتين ومنافعهما وعلى فرض أنّه كاف فمن أين سيؤمن المتقاعد الأرض التي سيبني عليها بعد ارتفاع أسعار الأراضي كما هو معلوم للعموم ؟؟
•والأدهى من ذلك فإنّ هذا القرض لا يشمل جميع المتقاعدين ولذلك قصّة معروفة وغير مبررة .
6.الإعفاءات الجمركية للسيارات :
يشعر المتقاعدون بغصّة حول هذا الأمر فما الذي يمنع من التعامل معهم في هذه المسألة على قدم المساواة , فكلهم خدم الوطن , وضحى من أجله , وأفنى زهرة شبابه في خدمته ؟؟
7.تقاعد المعلولية : حيث ينقطع راتب من حصل على ذلك الراتب حال وفاته وتحرم منه الزوجة والأبناء .
هذه أهم المشكلات التي تواجه هذه الشريحة التي تعتبر الرديف للجيش وقوام الجيش الشعبي في الخطر , وهي التي بسهرها وتعبها وتضحياتها قد وفرت لنا وطنا آمنا مستقرّا تسير فيه الظعينة من الرمثا للعقبة لا تخشى ظلما ولا هضما ووفرت بيئة لأصحاب الاستثمار ليؤسسوا الشركات ويحتكروا الأقوات , فهل تحقيقها يحتاج إلى معجزات ؟؟؟؟؟؟




تعليقات القراء

سؤال
شو سيرتك الذاتيه يا فلاح
28-07-2012 01:37 PM
الى الكاتب المحترم
شكراً على هذا المقال..
تطرقت الى انة يتم اقتطاع جزء من رواتب المتقاعدين الذين يعملوا في مؤسسات الدولة لمن يزيد راتبة عن 300دينار تخبل واحد راتبة التقاعدي 301دينار يتم الاقتطاع منه.
من الناحية الصحية والمكرمة التعليم صحيح 100% ..اما المصيبة الكبري قرض الاسكان او ما يسمى بقرض(الورثة) بالنسبة اسكان الافراد 7500دينار ماذا يبنن ولو توفرت جميع الامور الاخرى ..هذا المبلغ ما بجيب بيت شعر..
واما الاعفاء الجمركي حتى ولو كان للضباط فقط فمن حق جميع الضباط الحصول علية لحملهم الارادة الملكية السامية فما الفارق بين الرائد والنقيب ..علماً بان جميع من تقاعدوا من رتبة نقيب الى ملازم كانت الخدمة لاتقل عن20سنة ومن حملة هذة الرتب من شارك في معارك الشرف والرجولة التى خضها الجيش العربي منهم من هم على قيد الحياة وندعو لهم في طول العمر ومنهم من قضى نحبة وندعو لهم بالرحمة فهم يستحقوا ان يمنحوا اعفاء جمركي ؛ علماً بان الاعفاء سيحرك السوق وتجارة السيارات .
29-07-2012 01:23 AM
محمد / م
الى مؤسسة المتقاعديين ( للتنبيه ) اذا صارلي 5 سنوات مشترك والله مشتهي شهوة انوا يتصلو فيه ويقولولي بس كل عام وانتم بخير شو اخبارك يا ابني يا اسيدي يعني بهل5 سنوات يعني مالحقني اروح عمرة والله انوا في ناس راحت 00000000000 هل يوجد تأييد
ساعدونا بالاعفاء الجمركي مثلا اذا وصل لرائد يا سيدي خليه لنقيــــــــــــب اذا صار عمرنا 46 سنه وما في سيارة خلينا نركبها اخر هل عمر وبعيدين ارحمونــــــــــــا
29-07-2012 01:37 AM
د. أحمد النيف
مشكور أبا الحارث على الموضوع القيم
أتمنى لك التوفيق
29-07-2012 02:51 AM
سامح
كل من عمل في سلك الدوله خدم الوطن فالموظف المدني خدم الوطن وهو جندي ايضا افنى زهره شبابه ولم يحصل على مايحصل عليه العسكري
شركات الحمايه التي يتحدث عنها الاخ ..ووصف مالكيها بمصاصي الدماء هم عسكريين فلايتم ترخيص شركة حمايه الا لعسكري ذي رتبه عاليه
التأمين الصحي في مستشفبات الجيش هو سوبر تأمين ويتمنى كل مدني لو انه يعالج في المستشفيات العسكريه وليس متدني الخدمات
الكتب يحاول ان يجد مزايا جديده للعسكريين علما انه من واجبهم خدمة وطنهم وبما ان الكاتب خدم في الجيش كمكلف فمن الاجدر ان يبحث عن حقوق المكلف الذي سلبت منه وقد افنى سبعة سنوات وليس سنتان فمدة الاحتياط هي مشروع عسكري ومابعدها تابع خدمة وطنه في القطاع العام
على ايه حال انا لا اقلل من شأن العسكريه ولكني اقول ان العسكريين اخذوا اكثر مما هو مفروض مقارنه مع المدنيين ولكن طبيعه البشر ان كل انسان يريد كل سيء لنفسه وكلنا نجعي اننا نحن فقط الذين نعمل وغيرنا نائم
هنا اود ان انبه الى ان الاصلاح ومحاربة الفساد ليس بهذه الطريق ولا بكثره المطالب
29-07-2012 11:48 AM
فلاح أديهم المسلم
إلى صاحب السؤال عن سيرتي الذاتية : أنا المواطن العادي النكرة الذي لا تربطني علاقة بجبهة ولا حزب , ولا رقم إلاّ الرقم الوطني ........ أنا الذي باسمي تتشكّل الهيئات ,وتعقد الاجتماعات وتتصارع الاتجاهات , والكلّ يدّعي تمثيلي , والدفاع عن مصالحي , والعمل من أجلي , أنا الأغلبية الصامتة المسماة بالجماهير التي لا تحسن التعبير , ولا تجيد التنظير , أتدرون ماذا أريد , وما الذي يزعجني حدّ القهر , وما الذي يعنيني وما الذي لا يعنيني؟؟ تحدثتم باسمي كثيرا , وأصغيت طويلا , فهل تمنحوني آذانكم ساعة من زمان لتسمعوا رغائبي , وآمالي , وآلامي , ومقابلها أمنحكم ظهري مدى الدهر لتتسلقوا عليه , وأكتافي لأرفعكم عليها , أنا لم أقرأ لآدم متز , ولا لميكافيلي ولا أعرف ماركس , ولا اميّز بين الشيعة والشيوعية , ولا أفرّق بين حزب التحرير ومنظمة التحرير , ولا أعرف فرقا بين الإخوان المسلمين والصوفيين وشيوخ الأوقاف وجماعة الدعوة , لا أعرف شيئا عن أنظمة الحكم , وقوانين الانتخاب , وصلاحيات البرلمان , والحكومة , لا أفهم مصطلحات اليبرالية والنيو لبرالية أو الديجتال أو السوق الحرّ ولا أنواع الملكيات والدساتير ولا أعرف فرقا بين إيدلوجيا وبيولوجيا وسيكولوجيا ...... نعم أنا لا أدري عماذا تتحدثون!! ولكنني أعرف نفسي , وأعرف معاناتي , وأعرف ما أريد
26-03-2013 06:05 PM
حسين الفقهاء
كل التقدير والمحبة للأخ الكاتب الأستاذ فلاح المسلم.
26-03-2013 07:57 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات