في هذه المقالة اود التركيز على المعنى البراغماتي "ما وراء الكلمات" وليس على المعنى الحرفي والدلالي للكلمات.البراغماتية هي فرع من اللغويات يدرس الطرق التي يساهم فيها السياق في فهم المعنى ويحتوي هذا العلم على العديد من النظريات والمذاهب الاخرى للسلوك اللغوي في الفلسفة وعلم الاجتماع واللغويات.ويدرس كيف ان نقل المعنى لايعتمد فقط على المعرفة اللغوية ( التركيب اللغوي و المفردات ) للمتحدث والمستمع ولكن ايضا على سياق الكلام والغاية المقصودة للمتحدث والى امور اخرى.
وهذه الدراسة تفسر كيف ان مستخدمي اللغة يتغلبوا على الغموض الظاهر في المحادثة وذلك لان المعنى يستند على الطريقة (الاسلوب) والمكان والزمان للكلام.وبكلمات اخرى،هي تتعلق بالمعنى الخفي او استنباط من بين السطور من خلال السياق والناس لديهم اغراض للمحادثة لاختيار شكل قواعدي دون الاخر، لتفضيل كلمة معينة دون الاخرى ، لتوظيف الطريقة الغير مباشرة والسلوك المهذب والاتيكيت.
تتميز هذه الدراسة بالديناميكية بمعنى ان الطريقة التي يستخدم فيها الناس اللغة هي ليست فقط مجرد انعكاس لمجموعة من المتغيرات السياقية والاجتماعية – الناس يستخدمون اللغة لاحداث التغيير، وهذه الدراسة لا تعنى بالمعنى ولكن في صناعة المعنى،
تنشأ احيانا مشكلات مشكلات في التواصل بين اطراف الحوار أو سو فهم مابين المتحدث والمستمع.أن العلم الذي يدرس التمييز بين ما يعنيه المتحدث حرفيا وما قد يعنية المتحدث يكلماته هو
Pragmatics
ويوجد امثلة عديدة حول هذا الفرع من اللغويات ونذكر منها التالي:
1) انا رجل
لا يوجد شئ مميز في هذا المثال باستثناء أن المتحدث أمراة ، وهنا المعنى الذي تقصده المراة هو يتجاوز المعنى الدلالي والحرفي للعبارة.وفي الواقع، وعندما نفكر فيها اي بمعنى ان رجلا قال تلك العبارة فانها تكون صحيحة بصورة واضحة ولكن عندما تقولها امراة فانها تكون خاطئة بصورة واضحة فانها تقصد معنى خفي وراء ذلك.
ولا نغفل دور السياق في تحديد المعنى .وعندما غالبية الناس يقولوا انهم :
2) انا انهيت للتو كتابا
فان المعنى المرجو من ذلك هو الانتهاء من قراءة كتابا.ولكن عندما يقولها محاضر في الجامعة فانه يقصد انه للتو انتهى من كتابة كتابا.لذلك فأن معرفة المتحدث سيساعدنا على معرفة ما هو المقصود في المعنى.
وأذا قال طالب في المرحلة الثانوية :
3) أنا استمتع بالمدرسة بشكل افضل الان
فانه قد لا يكون واضحا بالنسبة لمرجعية " الان " .هل هو يقصد أنه يستمتع بالفصل الثاني اكثر من الاول؟ أو هل هو يقصد انه يفضل المرحلة الثانوية على المرحلة الاساسية؟ وهذا يدل على وجود تفسيرات عديدة لتلك الجملة.ولأن المستمع لا يجد طريقة لفهم المعنى الصحيح فأنه ينصح بسؤال المتحدث حتى يوضح اكثر.وهذه القضية تناولها علم البراغماتيات تحت مسمى
Relevance
وثاقة الصلة بالموضوع كأحد المبادئ الرئيسية من اجل فهم واستخدام اللغة باسلوب صحيح.
وعندما يقول المتحدث :
4) أنا هنا الان وبالعامية – أني هون هسع
فان هذه العبارة تحمل ثلاثة ميزات فيما يتعلق بدراسة ما وراء الكلمات وفهم المعنى المنوي ادراكه.اولا
من المتحدث ؟
اين ومتى قيلت هذه العبارة ؟
" أنا " تعتمد على الشخص الذي قالها و "هنا" ايضا معناها واضح لكن تعتمد مرجعيتها على موقع المتحدث عندما قال الجملة.وبطريقة مماثلة بالنسبة لمرجعية "الان" يمكن ان تحدد بالوقت الذي قيلت فيه الجملة.
ثانيا،الميزة الثانية هي ما الذي تقوم به العبارات او ماذا يمكن ان نعمل بالعبارات.أي اذا سمعت ان قريبا لي ذهب الى المستشفى فأنني سأذهب مسرعا الى هناك واقول "انا هنا الان " التي تحمل معنى الاطمئنان المريح.واذا رجعت للبيت بعد العمل ورأيت اطفالي يتسكعون بدلا من قيامهم بواجباتهم المدرسية واقول " انا هنا الان" والتي ستحمل معنى التحذير الشديد.وأذا انا وصلت متأخرا الى الاجتماع وعرفت ان كل زملائي ينتظروني وقلت " انا هنا الان "اي اقصد واغبر عن الاعتذار.
ومثال اخر يوضح الفرق مابين المعنى الدلالي
Semantics
والمعنى الخفي "ماوراء الكلمات"
Pragmatics
5) من يهتم ؟ وبالعامية مين مهتم؟
وهذا المثال يثير قضية كيف هذه الالفاظ التي يكون معناها البراغماتي – لا احد يهتم – على خلاف مع المعنى الدلالي والحرفي
بمعنى هل يوجد شخص ما يهتم ؟ أو شخص يهتم – من هو؟ واحدى الطرق للتعامل مع هذه المشكلة هو ان "من يهتم ؟" هي مصطلح يعني لا احد يهتم.
وبالنهاية،ان هذا العلم هو طريقة منظمة لشرح استخدام اللغة في السياق وفي المواقف المختلفة ويركز على الجوانب الغير تقليدية للمعنى وقد يكون هذا العلم نقطة الانطلاق لكثير من الباحثيين اللغويين وبخاصة المتخصصيين في مجال اللغويات التطبيقية من اجل كتابة رسالة بحث ونظريات جديدة سواء على مستوى الماجستير او الدكتوراة.

محاضر في جامعة سلمان بن عبد العزيز - السعودية