رحمك الله يا مُلهمي


ورحم الأمّة من بعدك
ها قد انقضت خمس سنوات على وفاتك وما زلت انتظر ما كنت تحدّثني به من توقّعات حول احوال الأمّة العربيّة واحوالنا في الوطن والأسرة بشكل عام .
وما زلت اتذكّر عندما سقطت بغداد العروبة بيد ألامريكان وعندها قلت لي لقد انتهى حكم اخر زعيم سنّي للعراق وبدأ عهد التقسيم في المنطقة وهذا ما يحدث وقارب على الإنجاز تحقيقا للخطط الجهنّمية الإسرائيليّة الأمريكيّة .
وكأنّك كنت مدركا رحمك الله أنّ الأمة في انحدار فها هي فلسطين ضاعت في حياتك وتنمحي هويّتها بعد مماتك وكنت تتأمّل أن يتوحّد الفلسطينيّون في مواجهة العدو الواحد ولكن الشقّة تزيد والكل يعمل لصالح العدو عن إدراك أو عن جهل فالنتيجة سيّان وكما قلت لأبو عمار الذي اغتالوه بالبولونيوم انه لن يحرث الارض سوى عجولها فها هم الخنازير متشبتون بالكراسي وجوّالون في البلاد بينما العجول الذين قصدت أهلكهم الجوع والفساد والفقر والقهر .
وكم استقبلت في مزرعتك التي حجّمت مساحتها وقُسمت ارضها كما تقسّم دول العرب ولكن برضى الوارثون لأنهم ايضا محتاجون لتوفير التزاماتهم ولاهون في طلب الرزق وقد إستقبلت فيها الصادق والمنافق وصاحب الحاجة والمحبُّ لك لوجه الله واستقبلت الوزير والغفير واستقبلت الرجل والشاب والطفل البريئ والمرأة وكم صعد من تلك السقيفة بالمزرعة الكثيرين من اصحاب العلوم والاخلاق الى مراكز متقدّمة ولكن خاب حدسك في البعض ممن كنت تظنّ ان الزمان سيدوسهم وإذا بهم وزراء وذو مناصب .
اتذكر يا ابي رحمك الله يوم الحادي عشر من ايلول عام 2001 عندما كنت تُشاهد بالتلفاز الهجوم على الابراج في منهاتن بامريكا في مزرعتك بوجود رجال ذو شأن معك وقلت يومها ان من سيدفع الثمن هم الفلسطينيون اولا والعرب ثانيا وها نحن ندفع الثمن حتّى الآن .
كنت تقول رحمك الله لأحفادك ان الربيع سينوّر لهم وذلك الربيع حتى الآن قتل الملايين في العراق وستون الفا في ليبيا وعشرون الفا في سوريا والاف في اليمن واكثر من الف في مصر وتونس والبحرين والحبل على الجرّار وما زلنا نجهل نهاية هذا الربيع الذي كان حتّى الان سلسا على الاردنيين بعد ان اصبح الفساد عندنا منهجا واسلوب حياة بالرغم من بداية خطوات اصلاح حكومية على حساب المواطن دون المساس بمكاسب الفاسدين ومكانتهم في المجتمع بينما يريد الملك إصلاحا يشعر به المواطن ويغير حياته الى الافضل .
كم كانت حياتكم يا والدي افضل مما هي عليه الان في كل شيء يمسّ القيم والمبادئ والعقيدة وحتّى الخبز والماء وراحة البال نحن نعم تنعمّْنا بالتلفزيون والميكروويف والثلاّجة وغيرها من وسائل العصر التي زادتنا فقرا وجوعا وبطالة بعد ان لجأنا الى البنوك لنستدين ولجئنا الى الوظيفة المريحة على حساب الانتاج والانتماء .
انتم لم تكونوا تملكون الكثير من الاموال ولكنكم ملكتم الكثير من القناعة والقيم والعبادة والصدق لذلك كنتم اغنى منّا لأنّ ماملكتموه كان حقيقيا لكم امّا ما نملكه نحن الان فإمّا مال حرام بين يدي الفاسدين والمتنفذّين او مال ديون من البنوك او المرابين او غيرها من جهات الإقراض المختلفة بالحلال ام بغيره كل ذلك برغم ان الفترة زمنيا قصيرة ولكن تاثيرها كبيرا كان سلاحكم للردع هو اسداء النصح والارشاد بينما اليوم اسلحتنا الاحذية والمسدّسات.
كم يا مُلهمي يا من رحمك الله كنت تنصحني ان الرجل إذا اراد الستر في حياته يجب ان يبتعد عن القمار ومصاحبة الفاجرات لان في كليهما خراب البيت ماليا وأسريا وها نحن نرى ان من مظاهر الحضارة اللعينة للكبار حكاما ومحكومين وفاسدين وغيرهم لعب القمار خارج البلاد ومقارعة نساء الهوى والعياذ بالله لا ضمير يردع ولا قانون يمنع ولا ناس تسمع ولا دين يشفع وفقط هي اجراس الذلّ تقرع لأعين بلا مدمع.
النصيحة التي لم تسديها لي هي ان المخابرات بوّابة المناصب العليا انا اعرف انك حاولت ان توصل احدنا بالعائلة لمنصب عال ولكنّك لم تستطع لاننا لم نلج تلك البوابة قبلا وكنت تقول دائما ان الاردن يتميز بان المجتهد والمخلص فيه صعب ان يصل لكن المعارض والذي يشتم وصوته عال اسهل عليه الوصول لتلك المناصب فهذا طبع الادارة العليا في التعامل اويجب أن تكون ملتزما مع الجهاز كما يُقال له اما المعرفة والصداقة قلّما توصلك لتلك المناصب العليا وانا اعرف انك كنت تخاف علينا فلم تسدي لنا تلك النصيحة للإنغماس في ذلك الجهاز ولا زلت اذكر عندما قلت لصديق لك اطال الله في عمره وقد كان في اعلى سلّم الوظائف وكان ألأحبُّ لقلبك والأكثر حبّا واحتراما منّا للآن بانك تتمنى وتحلم قبل ان تموت ان ترى احد ابناؤك وزيرا وكان جوابه لك ان الوقت ما زال مبكّرا على ذلك وما زال الحال على ما هو عليه الوقت مبكرا واظنُّه سيبقى كذلك لحين تذهب النفوس لباريها لاننا كنا وما زلنا وسنبقى غير منافقين او متسلّقين كما اننا لم نكن في اولويّات غيرنا في حياتك فكيف بعد رحيلك يكفينا ما بنيناه بتعبنا وعلومنا وكفانا ابناء صالحين بيننا وانك كنت ابا لنا وجدّا لهم اوليست تلك النعمة اكبر من كلّ المناصب والكراسي.
يا من علّمتنا كيف يكون الحب بلا هدف والانتماء بلا دافع والتضحية بلا طلب والايثار بلا مبرّر والطيبة بلا تصنُّع والبسمة بلا إكراه والدمعة بلا تفكير والنخوة بلا تردُّد والإحترام بلا تمنُّن ورضى الوالدين بلا تأفّف .
يا من جعلتنا نؤمن بأن عدم تبسّمك في وجه الطفل جريمة وان عدم ملاطفتك ومجاملتك في الحديث مع الانثى مكروه وانّ عدم تقبيلك ليد الشيخ او العجوز يدل على نقص في فيتامين الحياء لديك وان عدم احترامك للعالم والمتعلّم يؤكّد زيادة في فيروس الجهل عندك وأن عدم سؤالك عن رفاق والدك دليل على مستقبل غير واعد
يا من علّمتنا ان جمال المرأة في سترها ورزانة الرجل في صدقه وجمال الطفل في برائته .
ربّ ارحمه ملء الارض والسماء وما بينهما رحمة وغفرانا وراحة واجعل مستقرّه
جنّة ورضوانا وعدتها للصالحين وكافلي الأيتام والمحسنين .
( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) صدق الله العظيم



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات