دلالات الزيارة الروسية لإسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن في المفهوم الإنساني


في الحقيقة هنالك أكثر من دلالة لهذه الزيارة التي يقوم فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن ، على رأس وفد كبير يشمل أكثر من 400 شخص من سياسيين ورجال اقتصاد ورجال أعمال ومعاونين ومستشارين ، مما يعطي الزيارة أكثر من دلالة و معنى ، ولإرسال رسالة مفادها أننا موجودين في المنطقة ، وفي إسرائيل تحديداً ، وقادرين على إدارة ملفات الغاز الطبيعي وإيران وسوريا، وقد ذكرت صحيفة 'هآرتس' العبرية أن الرئيس الروسي بوتين سيبحث خلال زيارته تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الملف النووي الإيراني، في اجتماع يشارك فيه أيضا كل من وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، ووزير الأمن إيهود باراك ، في حين أن بوتين سيشارك في تدشين نصب أقيم في نتانيا تخليداً لذكرى انتصار الجيش الأحمر على ألمانيا النازية، ويتذكر الإسرائيليون أن الروس هم من حرروا معسكر "أوشفيتز" النازي ومعظم معسكرات الموت الأخرى، وبالإضافة إلى ذلك هناك أكثر من مليون إسرائيلي تعود أصولهم إلى أجزاء من الاتحاد السوفييتي السابق، ويقال إن بوتين ما يزال يعتبرهم روس، كما سيزور أيضاً السلطة الفلسطينية، حيث سيشارك في الافتتاح الرسمي لـ "المركز الروسي للعلوم والثقافة" في بيت لحم، وسيزور بعد ذلك الأردن حيث سيحضر افتتاح دار للحجاج المسيحيين الروس في موقع على نهر الأردن الذي يستمد قدسيته من كون المسيح قد تعمد فيه .
بالطبع كل ما ذكر هو المعلن ، لكن المخفي أعظم ، والمخفي أهم ما فيه هو اقتراب موعد نهاية السيناريو السوري ، لهذا فإن مصير النظام السوري سيكون على قمة الأجندة ، وإسرائيل على الأرجح ستحتج بأن الدعم الروسي لدمشق إنما يزيد من فرص إيجاد محصلة سيئة تتلو عملية النقل الحتمي للسلطة من بشار الأسد، وجميعنا يعرف أن لدى إسرائيل بعض النفوذ في هذا الصدد حيث سترفض طلباً روسياً متوقعاً لتزويدها بطائرات آلية جديدة ، وبحسب المعلن في هذا الصدد فإن كل من تل أبيب وموسكو معنيتان بمنع انتشار الفوضى في سوريا في حالة تولي القاعدة لزمام الأمور بعد النظام السوري ، وهذا يعني أن هنالك مخاوف روسية من تحول سوريا إلى أفغانستان أو العراق ، إذن عملياً هنالك أكثر من أمر دفع الرئيس الروسي إلى سرعة التحرك لإنقاذ نصيب روسيا من احتياطيات الغاز الطبيعي المكتشفة حديثاً في البحر المتوسط ،علماً بأن لدى روسيا أكبر احتياطيات الغاز في العالم وأنها المورد الرئيسي لأوروبا .
والخلاصة التي نود أن يفهمها الجميع أن القضية ليست كما يفسرها العاطفيو العرب من المناصرين للنظام السوري، لأن هنالك مصالح تفرض على كافة الأطراف معادلات قد لا تكون في الحسبان ، ولكي تتضح الصورة أكثر نقول : لو تأملنا العقل الروسي والإسرائيلي لوجدناهما وجهان لعملة واحدة كل يبحث عن مصالحه ، والسؤال من يبحث عن مصالحنا نحن العرب إذا لم نبحث نحن عنها ، كل ما يشغل العقل الإسرائيلي هو أن مستويات الإنتاج الصغيرة نسبياً لإسرائيل سيتم تعزيزها عندما سيدخل حقل جديد مرحلة الإنتاج في العام المقبل، وستزداد هذه الكمية ثانية في عام 2017 عندما يبدأ تدفق الغاز من حقل آخر مخصص جزءاً من إنتاجه للتصدير،ورغم أن شركات التنقيب ربما تحتاج إلى المزيد من رأس المال الذي تستطيع شركة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم" توفيره إلا أن هذا العقل الإسرائيلي لا يرغب في أن تكبل فرص التصدير بسبب موسكو المتلهفة نحو الحفاظ على نصيبها في السوق ، وإ كيف لا نقلل من أهمية بُعد الطاقة في زيارة بوتين، خاصة وأن اقتصاد روسيا يعتمد بقوة على صادرات النفط والغاز وأنه قد تعرض لهزات عنيفة بسبب الهبوط الأخير في الأسعار ، مضافاً لذلك أن إسرائيل تريد من موسكو بذل مزيدا من الضغط على إيران لوقف برنامجها النووي والتقييد الدائم لصفقات السلاح مع طهران وخاصة فيما يتعلق بتوفير أية أنظمة صاروخية من شأنها أن تعيق أي هجوم عسكري إسرائيلي محتمل .
أما عن الدلالات التي تعني الأردن والفلسطينيين فهي تتلخص في رأي بوتين والذي يرى أن لدى إسرائيل والفلسطينيين والأردن خيارات أخرى غير واشنطن ، ومثل هذا البعد يفيد بأن روسيا تنافس على زعامة المنطقة دبلوماسياً ، وأمريكا وإن كانت قلقه جداً من هذا البعد والتحرك غير المرحب فيه أمريكياً إلا أنها تحاول أن ترسل رسالة مفادها ( أن أمريكا غير شديدة القلق بشأن ذلك التحرك الروسي إلا أنه ينبغي عليها أن تضغط على شركائها وخاصة إسرائيل للتأكد من أن وجهات نظر الولايات المتحدة تحظى بالاهتمام اللائق أثناء النقاشات مع الجانب الروسي ) ، وأياً كان موقف الأمريكان فإن روسيا مندفعة بقوه نحو استعادة نفوذها الإقليمي والدولي ، وتعلن للعالم اجمع أن كل من الملفان السوري والملف الإيراني لن يحل اياً منهما إلا عبر الطرق الروسية ، وروسيا تتبنى موقفًا واضحًا في القضيتين المذكورتين، وعلى مثل هذا التصور يذهب كلا من باراك وليبرمان واللذان تجدهما على قناعة تامة أن الطريق الوحيد للتأثير على الموقف الإيراني هو عبر التأثير على الموقف الروسي ، وكعرب علينا أن نستوعب جيداً أن لا فرق بين مصالح الدولتين في الشأن السوري ، نقول ذلك حتى لا يفهم البعض أن هنالك نوع من الندية بين روسيا وإسرائيل إذ لا مجال للحديث عن الندية بين روسيا وإسرائيل، وللتوضيح أكثر: فإن الروس لن يلغوا صفقة تزويد سورية بـ500 صاروخ مضاد للطائرات من طراز إس 300 فقط لأن إسرائيل أوقفت تزويد جورجيا بالسلاح !
و بحسب المصادر الروسية فإن روسيا معنية بتعزيز التعاون والتبادل العسكري مع إسرائيل، وهو أمر سيبقى مشروطا بالموافقة الأمريكية، إلا أن الولايات المتحدة لم تبد لغاية الآن أية معارضة، هذا وكشف النقاب إعلامياً عن أن هناك مفاوضات بين روسيا وإسرائيل بهذا الخصوص، والورقة الثانية التي تملكها إسرائيل بهذا الشأن هو رغبة روسيا بالمشاركة بعمليات البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي أمام سواحل المتوسط، وإبرام صفقات بيع أسلحة إسرائيلية لروسيا يندرج ضمن المساعي الإسرائيلية لتعزيز التعاون الإستراتيجي بين تل أبيب وموسكو، ووفقا لتقدير أعدته إحدى مجموعات البحوث الروسية (مركز تحليل الإستراتيجيات) سيتجاوز إجمالي الصادرات الروسية من الأسلحة في عام 2012 الـ14 مليار دولار، وستشمل الصادرات المرتقبة نحو 50 طائرة قتالية من طراز 'سو-30' بما فيها 8 طائرات معدة للتصدير إلى الجزائر، وكذلك 24 طائرة من طرازي 'ميغ-29 كا' و'ميغ ـ 29 بي' للهند وميانما. ومن المتوقع أيضا أن تبدأ روسيا في العام الحالي بتوريد طائرات 'ميغ-29 أم 2' إلى سورية، تنفيذا لعقد توريد 24 طائرة الذي تم إبرامه في عام 2007. وبدأت موسكو باختبار أولى هذه الطائرات في كانون الأول (ديسمبر) عام 2011. ويُتوقع أن تسلم روسيا كلا من الجزائر ودولة الإمارات العربية المتحدة وسائل الدفاع الجوي 'بانتسير ـ أس 1 أ'، وتسلم سورية وسائل الدفاع الجوي 'بوك-أم 2 أ'
وكإنسانيين نتصور أن رزمة حقائق الواقع على الأرض أكبر من زيارة بوتين ، سيما وأن الاتفاق النظري الدبلوماسي لا يلغي الثوابت في مسائل مثل البرنامج النووي الإيراني والمواقف اتجاه قضية القدس ، وبقاء أو رحيل الأسد !
ولا أعرف ما علنا ننتظر من زيارة قصيرة جداً لمعالجة أخطر الملفات الإقليمية ولا بل العالمية ؟ و كإنسانيين نرجح أن هنالك دور روسي لتحريك عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية ، ولعل الزيارة جاءت أيضاً لتنفي عن موسكو أتهام تل أبيب لها بأنها تكون دائماً في جانب الفلسطينيين ، ولحث الفلسطينيين للعودة إلى طاولة المفاوضات ، وهنا نستغرب من موسكو وإسرائيل كيف تجتمع على طاولة واحدة وكل منهم طرف في قتل المدنيين العزل .خادم الإنسانية .



تعليقات القراء

ناريمان جسار
هو فيه أحلى من المفهوم الإنساني ؟ عن جد أحلى مفهوم ...
27-06-2012 02:58 PM
عبدالحميد راضي
سيدي يقول "فيودور لوكاينوف"، رئيس تحرير مجلة روسيا في القضايا الدولية: "كلما ساءت علاقة روسيا مع العالم العربي تحسنت في المقابل مع إسرائيل"، مضيفاً أن روسيا "تجد نفسها اليوم في خلاف مع أغلب الدول العربية حول سوريا، وقد يمتد ذلك لمدة طويلة، لكن سوريا تمثل بالنسبة لموسكو آخر دولة صديقة لها في المنطقة منذ عهد الاتحاد السوفييتي، ومن المرجح أن يكون القادة الجدد في دمشق أقل ترحيباً بموسكو، لا سيما إذا وصل الإسلاميون إلى السلطة، وفي هذا الموضوع بالخصوص، يشعر بوتين أنه أقرب إلى نتنياهو في التخوف من الإسلاميين".
28-06-2012 08:07 AM
علي جابر
بوتين وبيريز يفتتحان في نتانيا نصبا تذكاريا لتخليد انتصار الجيش الأحمر على ألمانيا النازية


بوتين وبيريز يفتتحان في نتانيا نصبا تذكاريا لتخليد انتصار الجيش الأحمر على ألمانيا النازية
24.06.201222:46
خلال زيارة بوتين لاسرائيل.. افتتاح نصب تذكاري لانتصار الجيش السوفيتي على النازية
25.06.201221:41
بوتين: روسيا وإسرائيل تهتمان بتطوير التعاون الاقتصادي لا سيما في مجال الطاقة
25.06.201222:25
بوتين: توفير السلام والأمن في الشرق الأوسط وإسرائيل هو من مصلحة روسيا الوطنية
25.06.201216:01
بوتين يدعو إلى الذود عن الحقيقة حول الحرب العالمية الثانية
25.06.201222:11
نتانياهو: إسرائيل تنوي التعاون مع السلطات المصرية الجديدة
25.06.201218:39
بوتين يدعو إلى استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية
افتتح الرئيسان الروسي والإسرائيلي فلاديمير بوتين وشمعون بيريز يوم 25 يونيو/حزبران، في مدينة نتانيا الإسرائيلية نصبا تذكاريا تخليدا لانتصار الجيش الأحمر على ألمانيا النازية.
28-06-2012 08:27 AM
وجدي المعاني
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قد طرح مبادرة لتشييد النصب التذكاري أثناء زيارته لموسكو عام 2010. وأيدت القيادة الروسية تلك المبادرة. ولم يستطع رئيس الوزراء الإسرائيلي الحضور إلى مراسم افتتاح النصب التذكاري لظروف صحية (أصيب بجرح في الساق)

وشارك في مراسم افتتاح النصب عدد من قدامى المحاربين المشاركين في الحرب الوطنية العظمى الذين هاجروا فيما بعد إلى إسرائيل.

وتم تشييد التمثال في وسط المدينة قرب نصب تذكاري لمن سقط في الحروب العربية الإسرائيلية. ويشهد وسط مدينة نتانيا في الوقت الحاضر إنشاء متنزه تذكاري.

بيريز: إسرائيل تأمل بألا تسمح روسيا باستفحال الخطر النووي الإيراني واستمرار إراقة الدماء في سورية
28-06-2012 08:28 AM
نور حميده
سيادة الشريف : شاهدت خبر زيارة بوتين لاسرائيل في احد القنوات , وشاهدت الترحيب الحار به من قبل الصهاينة.المضحك في الموضوع , ان قناة المئاومة ذكرت الخبر بصيغة "بوتين يزور الاراضي الفلسطينية " ولم يكن هناك اشارة من قريب ولا بعيد عن زيارته لاسرائيل
على اساس ان بوتين صار جزء من محور المئاومة .. وتظن فضائية المنار ومن يقوم عليها ان الناس ما زالوا هٌبل تنطلي عليهم شعاراتها الرنانه وتقليبها للحقائق !
28-06-2012 08:43 AM
وليد الضبع
بوتين قال إن مهاجمة إيران قد ينتج عنها وضع يشبه الوضع بالعراق وأفغانستان
28-06-2012 08:46 AM
عمواس رائيل
إن الانطباع الذي تركه بوتين أنه "إذا شُن في نهاية المطاف هجوم أميركي أو إسرائيلي على إيران فإن روسيا لن تذرف دمعة، لأنه يعي جيدا حقيقة أن نظاما إسلاميا متطرفا ونوويا على حدوده الجنوبية لا يمكنه أن يضيف شيئا للأمن القومي الروسي ! ؟
28-06-2012 08:52 AM
غالب محمود
قدم بوتين -حسب معاريف- التزاما في موضوع متصل بالأزمة السورية، حين تعهد بالعمل شخصيا على منع وقوع أسلحة سورية غير تقليدية في يد حزب الله وحتى القاعدة، بعدما عرض عليه المسؤولون الإسرائيليون معلومات استخباراتية في الموضوع، قالوا إنه أخذها على محمل الجد !
28-06-2012 09:03 AM
نجيب مراد
ياعمي روسيا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة مزبوط . المصالح فوق كل أشي
28-06-2012 09:05 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات