سيد القرود


ما أوحشه من عالم, وما أكثر عثراته, كل سنة نبتلى بمرض يزعزع أركان دولة بأكملها, ينتشر كانتشار الريح الهوجاء, وما يثير الانتباه أن معظم الأمراض أو الأوبئة التي انتشر صداها في العالم كان الغرب منطلقها ...؟ ودائما ما يقينا الله شرها رغم الفاحشة التي عمت بلداننا برا وبحرا وأصبحنا نضاهي الغرب في المنكرات بل صرنا أساتذة في الانحلال الخلقي والميوعة, إنها رحمة الله بعباده وبخلقه هي من تقينا غضب الله وانتقامه, لكن يبقى أن نعي أن الله يسلط على عباده من بني جلدتهم من يسومونهم سوء العذاب حتى يعرفوا بأن الله حق وقوله الحق, من الضروري أن ندرك بان الله سلط على أمته ساسة أشاوس يحكمون بلدانهم بالحديد والنار ... ساسة يستعبدوننا يستغفلوننا ويسرقون منا الأمل في العيش بكرامة إلا من رحم ربي.

ساسة ننتخبهم كي يخدمونا, وما أن يضمنوا مناصبهم حتى نصير خدم عندهم بلا أجر, ولا حتى تحية تقدير لصوتنا الذي أجلسهم على الكراسي الناعمة, صدقا عندما يرى الغرب هكذا حالنا يحتار من أمرنا, من غباءنا من سكوتنا وصمتنا, يعتقدون أننا مؤدبون لدرجة أننا لا نستطيع أن نقول لا لكل من ظلمنا, واكل حقنا, وسرق مستقبلنا وتلاعب بمشاعرنا ... يعتقدون أننا نعيش في نعيم عندما نستقبلهم بالورود وهم يتجولون في مدننا, يحبون السفر التي نفتقدها كشعوب لأن عناءنا وركضنا الطويل وراء لقمة العيش قتل فينا كل إحساس بطعم الحياة والجمال, وحتى طعم الكرامة, هذا هو حالنا فمن يا تُرى يمن علينا بالدواء لنشفى من داء الإستغباء كما يروق للبعض تسميته.
هدا الوضع الذي نعيشه كشعب ونعيه تماما ونضل كل يوم نجلد ذاتنا ونتحسر على وضعنا, ونبكي حظنا العاثر ونقول ليتنا ما خلقنا في هذا الزمان, ليت أجدادنا لم يحاربوا المستعمر وتركوه يقيم بيننا, يحتلنا بشرط أنه يقيم بيننا العدل الذي تُبنى به الأوطان, هو العدل الذي ينقصنا, ولا يبقينا تحت رحمة الجلادين بالمحكومين, كيف يحدث هذا كله ونحن كشعب نحتقر أنفسنا, مازلنا نعيش عقدة الغرب, أنه الأفضل, هو المتحرر هو رمز العدل والقوة والحكمة, ونسينا أو تناسينا أنهم حصلوا على كرامتهم وعزتهم عندما قالوا لا لمن يستحقها,عرفوا قيمتهم وقرروا صنع التاريخ الذي أنصفهم ورفضوا أن يبقوا على الهامش أو يظلوا أدوات خُلقت لتُحكم ولتُستعبد ولتُساق كالقطيع ... بينما الساسة يجلسون في الظل يتهكمون من حالنا ويخافون حتى الاختلاط بنا حتى لا ننقل لهم عدوى غباءنا وخوفنا.
إن هذا الأمر يحدث, ولكي نسقطه من حاضرنا سنقص هذه القصة الجميلة التي تؤسس لما نعيشه اليوم ومن خلالها سنعي قيمة الأشياء التي نملك ... ونعي جيدا أننا كشعب نملك الكثير وبأيدنا الكثير غير البكاء على الأطلال .... إذ أن تحقيق مجتمع ذو حرية وعدل وسلام اجتماعي, وتساوي في الحقوق ليس بالأمر الهين فهذا الأمر يحتاج لوعي أولا, ونفس طويل بحثا عن التغير المنشود , والأساس من كل هذا أن نمتلك كشعب روح المواطنة, حتى وان كانت تعاني من الظلم والتفرقة, لابد أن يكون الوطن فوق الجميع ومحبته والرقي به فوق كل الأطماع والنزوات البشرية.
والآن نرجع للحكمة المراد فهمها من خلال الطرح الأسطوري المعرفي الذي يشتغل عليه العقلاء رغم أسطوريته لكنه يحمل دلالات ورسائل لا يمكن تمريرها إلا من خلال هكذا تصور, هذا الطرح الأسطوري يأتي عبر قصة تدعى (أسطورة سيد القرود) وهي حكاية صينية من القرن الرابع عشر تحكي عن رجل عجوز كان يعيش في ولاية تشو الإقطاعية، استطاع هذا العجوز أن يبقى على قيد الحياة من خلال استغلاله لمجموعة من القرود حيث كان يأمرهم كل صباح بالذهاب إلى الغابة وجمع الفاكهة على أن يقدم له كل قرد نصف ما جمعه من الفاكهة وكان يعاقب كل قرد لا يلتزم بذلك بالضرب الشديد ودون رحمة، ورغم معاناة القرود الشديدة فإنهم لم يستطيعوا الشكوى أو التمرد على ذلك .
وفي يوم من الأيام سأل قرد صغير باقي القردة هل زرع هذا العجوز كل هذه الأشجار؟ فأجابوه بلا، ثم سألهم ثانية لماذا إذن نعتمد على هذا الرجل ونخشاه ولماذا لا نعتمد على أنفسنا؟ وهنا أدركت القرود ما يعنيه القرد الصغير, ونفذوا خطة بسيطة خلصتهم من العجوز المستبد حيث كسروا قضبانهم واستولوا على الفاكهة التي خزنها العجوز ثم هربوا وعندما استيقظ العجوز من نومه تفاجئ بغياب القرود ولما بحث عن الفاكهة ولم يجدها عرف بأن نهايته حتمية وان مصدر قوته قد غادره للأبد, وبذالك انتهى عصر سيد القرود وبدأ عصر القرود من جديد, وكانوا هم من صنعوه بأيديهم دون اللجوء لقتل سيدهم .. بل استخدموا ذكاءهم في التخلص من عبوديتهم والنجاة من بطش سيدهم.
هكذا لا بد أن يعي الشعب أن مصيره بيده وأن التغير ليس بدعة غربية إنما هو أمر طبيعي عند وجود الظلم في كل العالم.. أمل أن تتغير الأوضاع وأن نجد عالما نعيش فيه في سلم وأمان وعدل ومساواة بين الجميع, حتى نصل إلى ذلك الحلم أمل أن لا يدركنا اليأس كجيل, ونحن ننتظر اكتمال الحلم فبوادر العدل والديمقراطية بادية في كثير من أمورنا, لكن يبقى الأمل في استمرارها وتقويتها هو الفيصل في عدم تسرب اليأس لنفوسنا كشعب يحب أن يرى وطنه في مصاف الدول المتقدمة على كل الأصعدة, ولا شيء مستحيل مادام الخير فينا لم ينتهي بعد, فالأمل قطاره مازال يعبر كل المحطات وسيصلنا يوما ما.
د. محمد يوسف المومني



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات