ماذا لو استلم الإخوان المسلمون الحكومة؟


بعد أشهر قليلة سوف يُحل البرلمان – مجلس الـ 111- ويكون هناك انتخابات برلمانية جديدة.. وبإذن الله ستكون انتخابات نيابية نزيهة تُفرز مجلساً نيابياً حقيقياً خاصة بعد تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات وقانون الانتخاب الجديد.. وهنا نتساءل - وهو غالباً ما سيحصل- : ماذا لو حَصَدَ الإخوان المسلمين ممثلين بحزب جبهة العمل الإسلامي أغلبية في المجلس النيابي القادم وكُلفوا من سيدنا الملك عبد الله الثاني بتشكيل حكومة برلمانية؟ هل هم مؤهلين لإدارة شؤون الدولة؟
قبل أن نناقش مسألة استلام الإخوان المسلمين للحكومة دعونا نتطرق إلى النظام الإسلامي في الإسلام, فهناك الكثير من الآيات في القرآن الكريم التي توجب العمل بحكم الله نذكر منها قوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ وقوله سبحانه: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما﴾ وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾. وهو ما أكده الخليفة الراشد عمر بن الخطاب عندما قال: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة من غيره أذلنا لله"، فالإسلام دين العزة والحرية, ولم ولن يكون أبدا دين التزمت, والنظام الإسلامي هو الأفضل لإدارة شؤون الدولة, وهو المنقذ الوحيد من حالة الاضمحلال والفوضى التي نعيشها الآن, لأن النظام الإسلامي فيه حلول لجميع المشاكل التي نعاني منها, وكذلك لأن فيه ما نريده على أرقى صورة من معاملات وأخلاق ونظام سياسي واقتصادي واجتماعي, وفيه حفظ لحقوق إخواننا وشركائنا في الأديان الأخرى, وكلنا مسئولون وشركاء في تفعيله وتطبيقه, ولكن بشرط أن من يطبق هذا النظام - سواء من الإخوان المسلمين أو غيرهم - أن يكون لديه الفهم الشامل للإسلام وروحه وأخلاقه, وأن يكون لديه القدرة علي استيعاب الجميع, وعدم لفظ أية فئة من المجتمع, فإن وجد هذا لدى الإخوان فهم وقتها قادرون على المضي في بناء الدولة الأردنية, وتحسين أوضاع المواطن العادي.
حتى أوروبا المسيحية التي تتغنى بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان هناك بعض من دولها قادتها حكومات يمينية متطرفة, وكذلك الحال بالنسبة لدولة الاحتلال الإسرائيلي فحكومتها الحالية دينية متطرفة.. فلماذا يستهجنون علينا في الأردن أن تكون حكومتنا إسلامية (غير متطرفة)؟! فوصول الإسلاميين للحكومة يجب أن لا يكون شيئاً غريباً, وخاصة ان أغلبية الأردنيين هم مسلمين, وقد جربنا سابقاً كل المبادئ والأفكار والعقائد البشرية ففشلت جميعها ورفضها الشارع الأردني.. فلماذا لا نعطي الإسلاميين الفرصة كما أعطيناها لليبراليين, وللحرس القديم, وللعلمانيين, وللديمقراطيين, وللديجيتال, وللرأسماليين.. وغيرهم هذه الأيديولوجيات والأفكار الفاسدة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن من فساد ومديونية وواسطات ومحسوبيات وغيرها, والتي شَرَّعَ بعض أزلامها القوانين الوضعية لكي يستخدموها في الفساد واللصوصية والوصولية ...الخ.
ونحن عندما نقول حكومة إسلامية فهذا لا يعني حكومة دينية، بل حكومة تحترم الإسلام ولا تتجاوز في تشريعاتها وقوانينها أصول الإسلام، وتحترم كل الأديان والعقائد الأخرى، فالليبرالي مثلا بمعناه المفتوح مخالف لمشاعر الأمّة، إذ لا يسمح على سبيل المثال بتعدد الزوجات بينما يسمح بالعشيقات، وهذا فيه تحدي للشعب، والسماح بتشريع هكذا قوانين يُثير الفتنة والتصارع ونحن في غنىً عنه، ولذلك يمكن لنا أن نستفيد من الطروحات الليبرالية والعلمانية وغيرها بما يُعزز الحريات وكرامة الإنسان ولكن بشرط أن لا تخالف هذه الطروحات أصول وثوابت عقيدتنا الإسلامية, فالمطلوب هو دولة مدنية تتوافق مع معتقداتنا وأعرافنا ولا تصطدم بشرائعنا الدينية, تقودها حكومة منفتحة على العالم تحفظ حقوق أصحاب المعتقدات والديانات الأخرى وتمنح كامل الحريات لأفرادها, تتعامل مع الجميع ولا تتمايز ولا تصطدم, وتستمد سلطاتها من الشعب, وهذا ما سيؤدي إلى مزيد من التقدم والقدرة على احتواء مشاكلنا لمواصلة مسيرة التقدم وزيادة مكتسباته المختلفة, والمزيد من النجاح يتحقق بالمزيد من التعاون وانفتاح القدرات البشرية بعضها على بعض وان يكون هذا الانفتاح والتلاقي بهدف التعاون والعمل المشترك لأن الخير إذا تحقق يفيض على الجميع.
صحيح ان هناك بعض التجاوزات التي قام بها في السابق بعض أبرز قيادات الإخوان المسلمين.., ولكننا نقول هنا إن الإنسان بطبعه خطّاء والبشر يصيبون ويخطئون.. وقيادات الإخوان المسلمين هم بشر أولاً وأخراً, ومع انهم أخطأوا في بعض الأماكن ولكن خطأهم اقل بكثير من أخطاء حكوماتنا التي أوصلت البلد إلى ما هو عليه الآن من مديونية وفساد وفقر وبطالة.. الخ, فلماذا لا نحاول أن ننظر إلى الايجابيات بالقدر نفسه الذي نحاول فيه أن ننظر إلى سلبيات الإخوان المسلمين؟! وخاصة ان الإخوان المسلمين يعملون على مبدأ الشريعة الإسلامية والشورى.. وعلى مبدأ "واعدوا لهم ما استطعتم".. ولديهم خطط عمل ومشاريع نهضوية تستجيب للحداثة وتحافظ في الوقت نفسه على ثوابت الدين, ولديهم مشاريع وخطط حديثة قابلة للتطبيق وفكر إسلامي يستطيعون به قيادة حكومة وإنقاذ المجتمع الأردني من غربته وتبعيته وإعادته إلى أصالته ومرجعيته.
والإخوان المسلمون لديهم الآن عدة مشاريع كبيرة ناجحة مثل البنك الإسلامي والمستشفى الإسلامي وجمعية المركز الإسلامي وغيرها وجميعها تراعي العمل بالشريعة الإسلامية فمثلاً في تعاملات البنك الإسلامي أوقفوا التعامل بالربا و غالباً في حال استلموا حكومة سيشرعون قانوناً جديداً للبنوك يقوم على الشريعة الإسلامية من ألفه إلى يائه, فالربا إيدز الحياة الاقتصادية الذي يفقدها المناعة ويدمرها من أصولها, ولا ننسى ان البنوك الإسلامية المنتشرة في أكثر من دولة إسلامية تتمتع بمعدل نمو سنوي يتعدى الـ 15% ويتوقع أن يستمر هذا النمو لسنوات قادمة, كما تتمتع البنوك الإسلامية بإمكانيات نمو هائلة وذلك بفضل وجود مليار مسلم في العالم.
ويجب على الإخوان المسلمين في حال استلموا الحكومة أن يعملوا على إرجاع الطبقة الوسطى والحد من الفرق الشاسع ما بين الأغنياء والفقراء, لأنه لا يجوز أن يكون أغلبية الشعب جياع في الوقت الذي تتخم فيه حفنة من الأغنياء وتبني القصور وتركب السيارات الفارهة ولا تعرف أين تذهب بالمال, فالكثير من مشكلاتنا تعود إلى سوء توزيع الثروات والى عدم تطبيق الزكاة على الأغنياء الذين يحتكرون ثروات البلد.. فالذي يستعرض حالنا يجد ثراءً هائلاً في الثروات المختلفة كما يجد تناقضا فظيعا في توزيع هذه الثروات فالترف الفاحش في جانب يقابله فقر فاحش في جانب آخر وهذه علة من أكبر العلل التي نواجهها, وسوء توزيع الثروات والسكوت على الفساد تنتهيان بنا إلى حتمية ثابتة وهي الهلاك, والوسيلة الوحيدة المنجية من مغبة هذه النهاية المحتومة هي أن نعود إلى تعاليم ديننا وتطبيق ركن الزكاة.
وعلى الإسلاميين في حال استلموا الحكومة العمل على فرض بعض الضوابط الاجتماعية للحد من السلوكيات الاجتماعية المخالفة للدين والقيم المجتمعية مثل منع العري لكلا الجنسين وإغلاق النوادي الليلية ومحلات بيع الخمور ومنع الحفلات المختلطة وغيرها والتي تنعكس أثارها على المجتمع تفككا وانحطاطا. وعلى الإسلاميين أيضاً ان يرفعوا مستوى الحريات وتطبيق رؤية سيدنا الملك عبد الله بإعلام سقفه السماء, وكذلك عليهم أن لا يغلقوا أبوابهم أمام أبناء الشعب وان يسمحوا لأدنى مواطن أن يقول كلمته بين يديهم حتى لو كانت انتقاداً لهم ولنا في سيدنا عمر رضي الله عنه أسوة حسنة وقولته المشهورة (لا خير فيكم ان لم تقولوها ولا خير فينا ان لم نسمعها). وعليهم كذلك إيقاف مسلسل سحب الجنسيات من الأردنيين وإرجاع الجنسية للأردنيين الذين سحبت منهم جنسياتهم, وتجنيس أبناء الأردنيات, وتجنيس العائلات التي تعيش في الأردن لأكثر من عشرين عاماً إذا رغبت ذلك.
إن حالة التراجع والفوضى والفساد والضياع والتمزق والتشرذم التي نعيشها اليوم هي نتيجة لابتعادنا عن ديننا وتقليدنا الأعمى وتبعيتنا للغرب, وهو ما وضعنا في حالة من الذل والهوان أمام عدونا وأمام العالم كله بعد أن كنا خير أمة للناس, فعلى حكوماتنا العودة للإسلام وتعاليمه السمحة, والحكم بكتاب الله وسنة رسوله, لأن الله لا يظلم مثقال ذرة, وحكمه هو العدل كله, وفيه الخير كله, والصلاح كله للناس أجمعين, مسلمهم وكافرهم, برهم وفاجرهم.
نعم يجب تطبيق النظام الإسلامي في إدارة شؤون الدولة لأن العقل البشري بالتأكيد سيعجز عن وضع نظام أفضل من النظام الذي وضعه الذي خلق هذا العقل البشري ألا وهو الله الحكيم الخبير, فالإسلام نظام شامل ينظم شؤون الحياة كلها ويضمن حقوق المواطنة لجميع المواطنين ولمختلف الطوائف والأديان, ولنا في تركيا اليوم خير مثال, فتركيا قبل عشر سنوات كانت مرتعاً للفساد والجريمة ومديونية بالمليارات وشعبها فقير ونسبة البطالة فيها عالية, ولكن بعد أن استلم الإسلاميون الحكم فيها أصبحت تركيا الآن دولة قوية على المستويين العالمي والمحلي, والاقتصاد التركي حقق قفزات هائلة حتى تعدت معدلات النمو الـ 10%, وتغلبت تركيا تقريبا على مشكلتي الفقر والبطالة, واستطاعت ان تقضي على الفساد والجريمة, وسددت مديونيتها, وعندما سألوا رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان كيف استطعت أن تفعل كل ذلك خلال عشر سنوات؟ قال ببساطة نحن لا نسرق!! فلماذا لا تتخذ حكوماتنا من التجربة التركية قدوةً لكي تنهض باقتصادنا وتحل مشاكلنا.
إن الحديث عن النظام الإسلامي والإخوان المسلمين لا يُوفى حقه في مقال كهذا بل يحتاج إلى مجلدات ولهذا سنختتم القول بأن الإسلام ليس كغيره من الديانات مجرد عبادات صلاة وصوم وزكاة وغيرها من العبادات, ولكن الإسلام المبني على الشورى منهج شامل للحياة بكل مناحيها, ولا يجوز فصل الدين عن الدولة, الإسلام نزل بقانون لا يتبدل ولا يتغير مع الوقت, وهو مناسب لكل عصر, والإسلام خلق وقوة, سياسة وحكم, ومادة وثروة. كما أنه دعوة وجهاد.. ورئيس أول دولة إسلامية النبي محمد عليه الصلاة والسلام لم يكن داعيا للإسلام أو معلما لتعاليم وفروض الإسلام فقط ولكن كان عليه الصلاة والسلام يجهز الجيوش ويقودها ويعين القادة ويراسل الملوك ويجمع الزكاة ويوزعها على الفقراء والمحتاجين, ومن بعده الخلفاء الراشدون أيضاً كانوا يخطبون الجمعة ويؤمون المصلين وفي نفس الوقت يجهزون الجيوش ويراسلون الملوك ويجمعون الزكاة.. الخ, فالإسلام دين شامل والنظام الإسلامي هو الأمثل لإدارة شؤوننا, فهو يخدم كافة شرائح المجتمع دون تمييز بين الجنس واللون والدين ويحمي الأقليات.. والعودة للحياة الإسلامية أصبحت مطلباً ملحاً لكل غيور على نهضة هذا البلد وإنقاذه من الضياع والفساد وصونه واستعادة ما سلب منه.
Haytham.almomani@hotmail.com



تعليقات القراء

بعيد الشر
الله يستر، بعيد الشر يستلموها، والله غير يرجعونا 1000 سنة لورا.
05-06-2012 04:59 PM
يا رب
اسوأ واحد في الاخوان اشرف من اشرف مسؤول في الحكومات التي استعبدتنا لعقود
05-06-2012 11:46 PM
تابط شرا
لماذا نعتقد بان الاخوان المسلمون سيطبقون التشريع الاسلامي؟ هل لانهم يربون اللحى و يرفعون شعارات لمقاطعة اسرائيل و الغرب ؟ ما هي ضمانات ان الاخوان المسلمين افضل من الناحية السياسية ؟ هل يستطيعون الغاء اتفاقية وادي عربة؟ و ماذا لو فعلوا، هل سنحصل على حصتنا من الماء من نهر الاردن؟ هل سيحرمون الخمور في الفنادق و المطاعم السياحية؟ و لنقل انهم سيتخذون نهجا اكثر سياسية و لن يقدموا على اتخاذ الخطوات السابق، هل ستكون هذه حكومة اسلامية ؟ كيف ستكون و هي على معاهدة مع العدو الصهيوني، و تسمح بتقديم الخمور في الدولة؟
الخلاصة ان الجدلية التي سقط فيها الاخوان في تجارب دول اخرى اظهرت انهم لن يستطيعوا تطبيق الشريعة الاسلامية بتاتا ، و هم فقط يسعون الى السلطة باسم الاسلام ليتصرفوا بعدها وفقا لما تمليه عليهم السياسة و المصالح
06-06-2012 08:28 AM
انوار عصام عبد ربه الجنازره
الاخوان المسلمون يبقون افضل من غيرهم بكثير ...
07-06-2012 08:32 AM
الخالدي
اصلا احنا ورى خالص يرجعونا فين

وكمان احنا جربنا الكل ومانفعش نجرب الاخوان ولو مانفعوش عادي مثلهم مثل غيرهم صح؟؟؟؟؟؟؟
07-06-2012 10:38 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات