خطاب مفتوح للجيش


  لا نريد جنرالا يخلف رأس النظام القائم، ويخلع البزة العسكرية ليرتدي أخرى مدنية، ويترأس حزبا إداريا يحكم بلا سند ولاشرعية، ولا نريد أن ينتهي النظام الحالي إلى توريث بنسب العائلة، ولابصلات المؤسسة الأمنية، بل أن تعود السلطة للشعب وحده، يتصرف فيها بإرادته الحرة الطليقة من كل قيد أو شبهة وصاية .

نريد للبلاد جيشها الذي يحترم الدستور والقانون، ويحمي أمنها القومي المضيع، ويصون سلامة مصر، ويحرس خطاها، لا أن يسند نظاما يدوس القانون، ويدهس مبادئ الشرعية والدستور، وينتهك حقوق المصريين، ويسرق ثروة البلد، ويخدم العدو الأمريكي الإسرائيلي .

نريد الجيش عزيزا قويا قادرا، ولا نريد أن نزيد في أحاديث الخطر، فكلها محظورة النشر بالإجبار أو بالاختيار .

الجيش المصري ليس طبقة معزولة، وليس طبقة محترفين من وراء جدران أو في أبراج عاج، وتكوينه الأساسي قائم على التجنيد الوطني العام، ولم يحدث أن كان الجيش طرفا في صدام مع مطامح الشعب المصري، وفي انتفاضة يناير 1977، رفض قائد الجيش تنفيذ أوامر السادات بالنزول إلى الشارع، وطلب أن تلغي قرارات رفع الأسعار أولا، وأن يرفع الظلم المضاف عن الناس، وقبلها بسنوات كان الجيش أمل المصريين في الثأر من عار 1967، ودفعوا من قوتهم وأعصابهم مددا يضاف لترسانة السلاح، وحقق الجيش المعجزة، وعبر من بلادنا إلى بلادنا، لكن الذين "هبروا" آل اليهم الأمر، فيما كان الهم قرينا للذين عبروا، وقدموا أعظم التضحيات بالروح والدم .

ولا نريد أن ندخل في قصص اصطناع الولاء، ولا في إغراءاته ومنحه وهباته الذهبية، فولاء الجيش للوطن وللشرعية وللدستور، وليس لشخص ولا لعائلة، بل لنداء الواجب المقدس، ولاء الجيش المصري لسلامة الأمة، وحفظ سيادتها، وليس سيادة أي شخص، مهما علا مقامه، وخاصة في ظروف بلد بلغت معاناته الذروة، ويضطهد نظامه الشعب، ويحكمه كقوة احتلال، ويستند إلى قوات أمن داخلي متضخمة متورمة، ويزيد عددها على أضعاف حجم الجيش، وهذه ظاهرة ملفته وغير مسبوقة في التاريخ المصري الحديث والمعاصر .

لا نريد للجيش ـ الذي نحترم ونقدر تاريخه وأدواره ـ أن يدخل طرفا في نزاعات السياسة الجارية، وفي سياق الطلاق البائن بين النظام والشعب، فنحن بصدد نظام لايستند إلى شرعية، ويعيش في الحرام الدستوري، ويزور الدستور بعد تزوير الانتخابات، ويحاول توريط الجيش في صدام مع المعارضين للنظام، ويتوسع ـ بغير مقتضى قانوني ـ في إحالة المدنيين لمحاكمات عسكرية، وبالضد من أحكام الدستور، والتي تقضي بضمان حق التقاضي الطبيعي، والمؤكد أن القضاء العسكري ليس هو القضاء الطبيعي للمواطن المدني، بطبيعة بنائه، ونظره للقضايا، وتسلسل الأوامر داخل الجيش، والالتزام الحرفي بمبدأ الطاعة، كل ذلك مما قد يصح في محاكمات العسكريين لا المدنيين .

وقد انتفخت ظاهرة المحاكمات العسكرية للمدنيين منذ 15 سنة تقريبا، وفي قضايا تخلو من سلاح أو شبهة عنف، وفي ظل فزع النظام الحاكم من نمو تيارات معارضة، وتوجهت إلى محاكمات الإخوان بالذات، وسبق السيف العذل، وبدت الأحكام مثيرة للخواطر والنفوس، مثيرة لاختصام نفسي لا نريده بين الجيش وقطاعات من الشعب، وليس لأحد ممن حوكموا عسكريا خصومة مع الجيش، بل كانت الخصومة ـ وتظل ـ للنظام، وأبرأ القضاء المدني ساحة كثير منهم، وبدت الإحالة لمحاكمات عسكرية ـ بالقرار الرئاسي ـ نوعا من الانتقام السياسي، وتصفية الحساب بين عائلة تحكم وفصائل تعارض، وبلغ الألم ذروته مع إحالة الشاب أحمد دومة والأستاذ مجدي أحمد حسين إلى محاكمات عسكرية، وبتهمة تنزل عقوبتها في القانون إلى الحبس ليوم واحد، بتهمة التسلل إلى غزة التي أغلقوا المعبر إليها ، مع أن الذهاب إلى غزة ـ بشعور عامة المصريين ـ شرف لاجريمة، ومناصرة المقاومة هي نداء الواجب الذي يعرفه ضباط الجيش قبل غيرهم، فلم يتسبب أحمد دومة ولا مجدي حسين في ضرر لمصر ولا للجيش، وليسوا هم الذين سمحوا بدخول الاسرائيليين إلى سيناء بلا تأشيرة دخول، ولاهم الذين وافقوا على نزع سلاح غالب سيناء في ملاحق كامب ديفيد، ولا هم الذين سكتوا على وجود قوات ومراقبين أجانب ـ غالبهم أمريكيون ـ في شرق سيناء، ولا هم الذين حجزوا عن الجيش حق بسط سيادته العسكرية إلى خط الحدود، ومع ذلك أحيلا إلى محاكمة عسكرية وليس الآخرين، وصدرت ضدهما أحكام صادمة في محاكمات تفتقر لأبسط ضمانات التقاضي الطبيعي، صدر ضد دومة حكم بالحبس سنة مع الشغل والنفاذ، وصدر ضد الأستاذ مجدي أحمد حسين حكم بالحبس لسنتين، وهو الذي لم يخاصم الجيش بل النظام، واستخدم النظام مطرقة القضاء العسكري لإيقاع عقوبة انتقام سياسي شهواني، فمجدي حسين صحافي بارز، وكان عضوا في مجلس نقابة الصحافيين، وهو رئيس لتحرير لجريدة الشعب المصادرة منذ سنين، ويرفض النظام إعادتها للصدور، ويدوس أحكام القضاء التي صدرت تباعا لصالحها، ومجدي هو الأمين العام لحزب العمل، والذي صادروا حقه في الوجود المعترف به رسميا، وبعد صدام طويل مع يوسف والى نائب رئيس الحزب الحاكم، والمشهور برعايته للفاسدين الكبار في وزارة الزراعة ، وبرعايته للتطبيع الفج مع الإسرائيليين، والرجل ـ مجدي حسين ـ قيادي بارز في حركة كفاية، وواحد من ألمع وجوه المعارضة الجذرية الجديدة، ومعروف بصدامه مع رأس النظام شخصيا، وطالب ـ مع غيره ـ برحيله وعزله سلميا، وقد سجن من قبل، وجرى حل حزبه وايقاف جريدته، وبتهمة معارضة يوسف والي المحمي من رأس النظام، وهو يسجن الآن ليس لأنه ذهب إلى غزة بطريقته، بل لأنه يعارض رأس النظام غير الشرعي، وفي محاكمة عسكرية خلت من ضمانات الدفاع الاختياري، وبرغبة من النظام في الإساءة لسمعة الجيش، والزج باسمه في تصفية حسابات السياسة .

وقد لانريد للجيش أن يتحرك ضد أحد، لكننا لانريده أن يتورط في نزاعات السياسة، ونريده أن يظل في مكانه السامي المطلوب، جيشا لعموم المصريين، يجمع ولا يفرق، يصون ولا يبدد، يحمي ولا يهدد .
كاتب من مصر
Kandel2002@hotmail.com




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات